اراهم حولي يتبادلون نظرات واجمة معاطفهم البيضاء المتدلية علي اكتافهم..  يحملون بكفيهم اشاعات متناثرة.. تتقدم تجاهي امرأة بيضاء الوجه شاحبه اياه تبدوا و كمن يخفي امرآ خطيرآ ستطلقه في وجهي اياها.. 

اخذتني من يداي الي غرفة مظلمة.  اضوائها خافتة..  اراتني فيلم تسجيلي لعمليات ازالة اورام سرطانية...  

لم افهم للبت ماذا قصدت للتو اربت علي كفي ثم اطلقت عبارتها التي لاذلت لم تفارق محيايي لان.  

- انت اقوي من السرطان - 

كان علي ان اعيي الان حجم المسؤولية و الخطر المقبل عليه.. ساترك الحياتي السابقة لاجهز عتادي لابقي سكينآ المشفي..  كان السؤال الاول الملقي علي عاتقي كيف سأخبر اماه بالخبر الصادم.. ظللت اتخيل وجه المسكينة و هي تلقي ذلك الخبر..  ان صبيها وقع بين فكي الكانسر.. 

اماه وليدك لن تريه الا صلبآ كما عاهدتيه.. 

لم يتوقف هاتفي عن الاتصال..  كنت اري رقم والدتي القلقة علي اجبتها و قد عزمت علي القرار :

امي الم تعهديني صلبآ مهما غارت علي الدنيا.. 

اجل يا ولدي اين انت..  

انا لست وهنآ امام السرطان.. عاهدتك ان التقاه صبورا جلدآ الي ان يأتي من الله مخرجا فان اتي الاجل و رحلت الروح فلا تبكي ولدك يا امي..  

اتخيل الان وجه امي المسكينة قد تبكيني يا اماه و لكنتي،اثق بجلدك و صبرك.. 

ولجت الي غرفتي السكينة في،المشفي..  سرير صغير معد لي و قد نظم تمامآ..  دولاب صغير اضع فيه متعلقاتي.. نظرت الي المرآة و انا اتخيل شعري و هو يتساقط من جرعة الكيماوي..  سأبدوا جميلا و ان فقدت الشعر...  

طرقات علي الباب تبعها دخول الممرضة الحسناء.. كانت تحضر لي جرعات من الادوية الكيماوي لابدأ اول جرعات العلاج...  

للوهلة الاولي اشعر بوهن جسدي..  تساقط شعري باكمله للمرة الاولي في حياتي.. كنت اري نظرات الممرضة و الاطباء و جسدي يرتجف من الالم.. شعرت بالالام عظيمة في رأسي و كأنه سينفجر من الالم.. 

كانت نظرات الاطباء كفيلة لاعطائي جرعة من الثقة.. تذكرت لتلك الوهلة عبارة طبيبي 

- انت اقوي من السرطان - 

خرج الاطباء من الغرفة و تركوني اخذ،قسطآ من الراحة.. مرت داخل رأسي لحظات العمر و كانها فيلم تسجيلي سريع يمر في ثوان معدودة..  

في صباي عندما كنت الهو في ترعة القرية..  فتذجرني اماه باني اجلب لنفسي الامراض كان زجرهآ عنيفآ و لكنه يكمن خلفه عطف و حب ام علي ولدها..  

اللحظة التي كنت اقفز فيها فرحآ بحصولي علي المركز الاول في جميع مراحلي الدراسية.. و كانت امي تستقبلني بالزغاريط و دعوة جارتها و اهل القرية للاحتفال بصبيها المتفوق.. 

ايقظتني من غفوتي صوت الممرضة و هي تعلن عن قدوم رفيقي - حسن - الذي يسكن الغرفة المقابلة.. و قد اعتاد علي الجلسات..  رأيت وجهه الشاحب الخال من اي شعر من اثر علاج الكيماوي..  و عينه المتداخلاتان من التعب..  كان يبدوا في وجهه اصرارآ رغم وهن المرض..  ابتسم لي و هو يربت علي كتفي.. 

مرحبآ بك يا رفيق.. كيف حارفيقبخير..  يبدوا انني اتألم لانها الجلسة الاولي.. 

لا تقلق يا عزيزي.. سيكسبك الكيماوي صلابة و قوة.. سنخوض التحدي يا رفيق.. 

يضع كفه في كفي  و قد ارتفعآ اصبع الابهام..  للدلالة علي العزيمة و الهمة... 

جذبني من يداي ليأخذني في جولة في المشفي.. كنت اري رفقائي المرضي الذين يئنون مثلي.. الا انهم وجوهم جميعآ ارتسمت عليها علامات القوة و التحدي ... 

كنت اراها و هي تنظر الينا بابتسامة خافتة عرفتنا بنفسها كمرشدة الدعم النفسي - ملك - تجمعنا حولها في حلقة دائرية.. و شرعت - ملك - في اسكابنآ رفيقآ من جرعات الامل... 

كانت - ملك - مريضة متعافاة من الكانسر و قد احبت ان تسرد لنا تجربتها مع رحلة التحدي في مواجهة المرض.. 

كانت جميلة حتي و ان تساقط شعرها تمامآ..  عانت المرض منذ طفولتها حتي سنوات الشباب الاولي... 

للحظة الاولي التي علمت فيها - ملك - بمرضها لم تكن تدري ما هذا السرطان الذي يخافه الجميع..  و لكنها شعرت بالقوة في المواجهة... 

كانت تخضع للعمليات و هي تلمح بريق ابتسامة الثقة التي يرمقها الاطباء بها حتي يسكبون السكينة علي قلبها الصغير... 

تذكر كيف كانت تسأل امها

- لماذا سقط شعري تمامآ بعد جرعات الكيماوي يا اماه - 

فتمنع امها بكائها و تبتسم لها مردفة 

- سيرحل الشعر قليلا و يعود غيره يا ابنتي فقط تشفي يا عزيزتي... - 

قصة - ملك - اسكنت السكينة روحي لم يعد مهابة للسرطان اللعين في قلبي فانا ساواجه باصرار طوال محيايي.. 

- كنت اجلس في شرفة الغرفة و قد اتاني اخي العزيز - محمود - كنت سعيدآ لزيارته لي في المشفي لا ادري لماذا كان يرمقني بنظرات الالم الذي يحاول جامدآ اخفائها...  

مازحته بلعبة الشطرنج التي احببتها منذ،صباي كنت العب معه و ابتسم بسعادة و اراه سعيدآ لسعادتي ثم ما يلبث ان تظهر حزن يخفيه بقوة.. 

استأذن الطبيب اخي ليتحدث معه للوهلة منفردآ.. 

نظرت اليه بابتسامة بها غصة و انا اشعر بشئ ما. اربت - محمود - علي كتفي بحنان و عطف..  ثم ودعني قائلآ :

_ انا اسف يا - هادي - يبدوا انه هناك ثمة شيئآ ما..  سأعود لاحقا.. 

خرج - محمود - من الغرفة و الحزن ظاهرآ عليه...  

تواريت الي الخلف و انا اسمع ما قال له الطبيب 

- عزيزي - محمود - انا اسف حالة اخوك خطرة جدآ اتركه الان لان بذل اقل مجهود خطرآ عليه.. 

حسنآ يا دكتور - ليث  - انا اسف.. 

اري اخي يغادر و الدموع تنهال من وجهه..  اشفقت كثيرآ عليه ليتني استطيع ان اسكن هذه الدموع..  

شعرت فجأة بالم شديد في رأسي...  يبدوا ان الطبيب محقآ يالهي ماذا يحدث لي حمدآ لله ان لم يراني اخي في هذه الحالة.. خيمت الدنيا في عيناي ظلام و همد جسدي و سكنت روحي... 

كانت هذه المذكرات اول ما عثر الطبيب بجوار المريض - هادي - الذي اسلمت روحه الي بارئها.. بعد معاناة مع مرض السرطان.. 

واري رأسه بالغطاء و هو يغادر الغرفة بالم.. استقبل في وجه - محمود - الي شعر من وجه بصمة شيئآ ما...  

اربت  علي كتفيه و هو يواسيه :

البقاء لله يا عزيزي رحلت الروح عند بارئها.. 

لم يدر - محمود - كيف يستقبل الخبر.. رحل الاخ و الرفيق و السند...  يمسح دموعه و هو يتخيل بكاء امه المسكينة و كانه واسيها 

- اسكني قلبك يا اماه فالروح عند بارئها -.... 

تقف الحملة علي اعتاب المستشفي و هي تعرض علي الناس التبرع بالدم. يبادر اليهم - محمود - خافتآ :

- رحلت روح - هادي - عند بارئها و ساسكن جراح مرضي السرطان اللعين..  قد اسكنتها -هادي- في محيايه فكان يتحمل الامآ عدة و يواريه لانه تحلي بالشجاعة امام السرطان.. سأكون مثلك يا اخي....  

يعطي يداه للطبيب الذي يحقنه في الوريد و هو يملئ بقدر كيس دم....