– هل تعرفون ما هي السعادة أصدقائي؟ سألنا المعلم أرسطوطاليس.
– السعادة تكمن في الثروة والولد والشرف الرفيع. أجابه أحد تلاميذه.
– يبحث الناس عن السعادة في المال أو الشهرة أو غيرها من المتع. قال المعلّم، وأردف: لكن لا شيء منها يحقق غايتهم. هدفهم يجب أن يكون نبيلاً وكافياً بذاته وفي متناول الجميع. وليس عابراً ولا مشروطاً. كما أن يوماً جميلاً لا يصنع ربيعاً، فكذلك المتعة العابرة لا تجعل الانسان سعيداً. بل تنبع سعادة الإنسان من داخله. تأملوا في الطبيعة. تجدون كلّ ما فيها على أحد أربعة وجوه:
أما جامد: بلا حياة ولا روح. غايته في سكونه.
وأما نباتيّ: له روح. وغايته في بقائه حياً.
وأما حيوانيّ: حيّ له روح. وغايته التكاثر والحركة والإحساس بالمتعة.
وأما انسانيّ: حيّ له روح وإحساس وعقل. فإما أن يغلب سعيه نحو المتعة عقله، فيقترب من عالم الحيوان، أو أن يسيطر بعقله على حركته ورغباته فيسمو نحو الملكوت الأعلى. السعادة هي كمال طبيعة الانسان وهي غاية وجوده. وتعتمد على ممارسة العقل وليس الشهوات.
– فلمٙ زرعت الآلهة فينا تلك الغرائز الحيوانية وجبلتنا على حبّ المتع الحسيّة؟ سأله أحد الحاضرين.
– تأتي السعادة من تحقيق الخيرات كلها. بيّن المعلم، ووضّح: الصحة والمعرفة والمال والصداقة وكلّ ما يقود إلى إغناء حياة الإنسان. غير أنّ العوام يستسهلون المتع السريعة. حياة العبث تسعد الساذجين. بينما يجدر بالعقلاء السعي وراء الخير الدائم. السعادة ليست المتعة ولا حتى الفضيلة إنما هي ممارسة الفضيلة.
– اعتاد الناس من غابر الزمان على تقدير الغنيّ القويّ الوجيه. فكيف ندعوهم لممارسة الفضيلة معلمنا؟ سأل تلميذ.
– رغبة أكثر الناس في المتع الزائلة تؤدي إلى حجب النور عمّا هو خير لهم. أجاب المعلم، وزاد: هذا الميل الطبيعي لصالح الغرائز يمكن علاجه من خلال التدريب. لا يكفي التفكير بعمل الشيء الصحيح بل يجب الشروع به فعلاً. تدريب الناس يقوم على استدامة الفضول الطفولي نحو الوجود وغرس مقومات الفضيلة منذ طفولتهم.
– فماذا عن الصداقة التي يسعى إليها أكثر الناس، أليست من الفضائل؟ استفزّ حاضرٌ آخر المعلّم.
– بل هي أهم الفضائل التي تساهم في تحقيق السعادة. أجاب المعلم مبتسماً، وبيّن: وأسمى الصداقات تلك التي ترتكز على الفضيلة وليس على المنفعة المتبادلة. الذين يبحثون عن الشرف يفكرون في تلقّي الثناء والمديح. بينما الصداقة عطاء ينطوي على تضحيات، لكنها تضمن التوازن الفكري والعاطفي لدى أصحابها.
– لكن الإلتزامات والتضحيات التي تتطلبها الصداقة قد تكون أبعد من قدراتنا؟ اعترض تلميذ آخر.
– الأخلاق الفاضلة لا ينصبّ تركيزها على الواجبات. أجاب العلّم، وتابع: بقدر ما تركز على تطوير الذات وتنمية الفضائل الشخصية. الأخلاق تقوم على الاعتدال بين الإفراط والتفريط. فكما أن العدالة هي موازنة العطاء مع الكسب. فإن الروح تحتاج إلى عاطفة ووعي يحكم تلك العاطفة.
ثم قام المعلم وتبعه تلاميذه، وتركوني جالساً مع (التابليت)، لأقوم بتسجيل ما قيل، قبل أن يقوم نيكوماخوس العابث، ابن أرسطوطاليس، بسرقة التابليت مني لينسب كتاب “الأخلاق” لنفسه 😉
نشرت في الأصل في نافذتي
https://nafithati.blog/2016/12/18/وصف-السعادة-هكذا-تكلّم-أرسطو/
-
أقباس فخريلا أكتب للناس بل أكتب لذاتي. أحاول العثور على نفسي حين أكتب. لعلّي ألملم شتاتها المبعثرة فأجمعها، أو عساني أعيد تكويني.