إن زمن التفلسف هو اللحظة التي يعبر فيها الإنسان عن وجهة نظره في الأمور بلغته هو، إذ تتضمن مفاهيمه الذاتية التي شكلها انطلاقا من ملاحظاته وتجاربه الشخصية، فهي تعبر عن تفاعله مع قضياه المعيشة. أما إعادة صياغة آراء الآخرين بمنهجية متكلفة فهذا يصنع جيلا مفلسا فلسفيا، إذ يعارض ويؤيد آراء الآخرين بمفاهيم الآخرين في غياب تام لشخصيته بما لا يعبر عن اهتماماته وذاته الفلسفية. إن الفلسفة هي فعل وممارسة قبل أن تكون قول ودراسة، ففي اللحظة التي تمارس فيها فعل التفلسف تكون أنت ذاتك فيلسوفا تصدر عنك أراء وأقول جديرة بالدراسة والمناقشة، أما الكر والفر على أقوال الآخرين تفنيدا وانتصارا فيعد فعلا فلسفيا زائفا، إذ يحجب عنك الخيار الثالث خيار التفلسف وهو خيار المشاركة بدل المشاهدة خيار الوصول لليقين بدل تحصيل التلقين، يسلبك كل ذلك ويتركك أمام خيارين فقط وهما أن تختار ما تكره أو أن تختار ما لا تحب، فأين ما تحب من بين ذلك؟ أين أنت من كل ذلك، فلسفتك الشخصية ونظرتك الذاتية؟ إنها غائبة تماما لقد تم حجبها نهائيا، نعم أنت تنتقد وترجح بين قولين أحلاهما مر، لكن أنا متأسف لأخبرك أنك لست متفلسفا ولكنك مفلسا فلسفيا، إذ ما تمارس هو فلسفة زائفة. فالفلسفة هي حرية التفكير والتعبير، أما التحجير على تفلسف الأنا بدعوى عدم النضج الفكري لممارسة الفعل الفلسفي والاكتفاء بتلقين الغير أقوال ومفاهيم ما أنزل الله بها من سلطان لترديدها كالببغاء وقت الاقتضاء فيعد اقصاء لفعل التفلسف وتهميشا للأنا كذات مفكرة ومبدعة.

إن ممارسة الفلسفة الزائفة لهو اهدار لزمن التفلسف، حيث يتم بناء نظرية ذاتية تسهم في تكوين شخصية مفكرة وفاعلة ومبْدِعة، لا غافلة ومبَدِّعة ومكفرة.

وقبل أن أختم أنقل لكم مقولة الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط: ( لا يمكن تعلم الفلسفة بل يمكننا فقط تعلم التفلسف). أظن أن كانط وديكارت وسقراط ما كانوا ليحصلوا على نقاط لو درسوا الفلسفة بالباك.

وفي الختام أتمنى أن يعيش كل طلابي أثناء حصة الفلسفة زمن الفلسفة بدل تدريسهم الفلسفة الزائفة، لكن مكره أخاك لا بطل، إذ يجب اتباع المناهج وتدريس المواقف حتى ولو لم أكن موافق.

- ولمن يسأل عن أدوات فعل التفلسف. أقول هي نفس أدوات تناول الطعام الشوكة والسكين تمسك النص جيدا بالشوكة حتى لا يفلت منك منه حرف وتقطعه بالسكين لتشرحه ثم تتناوله بالشرح مع التحلية والتحليل.