للقدس سلام - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

للقدس سلام

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 10 يناير 2019 .

للقدس سلام..

هيام فؤاد ضمرة..

للقدس سلام الحب، وسلام الأشواق تتلهفها قلوبنا، تُناديها كل حين أصواتنا، تتلمسُ جدران أزقتها أناملنا، حين كانت كفوف أيدينا شغفاً طفولياً حانياً، تُعانِقها، تُعابِقها أعطاراً، أمطاراً، تتندى في إشراقات صباحاتها، وعلى مساءات الجمع الأغر تتبدى حكاوينا، تُسامرها، تُسجِّلُ على انبعاجات الأحجار أسامينا، عناوين أحلامنا، أناشيد صَحبَنا، ومدارج دورتنا، ترددت منذ الأزل على أعذاق ألسنتنا، كتغريد يُلحن الحرف بواو العطف على أوتار الجوى، يُصافينا،

وحبات عيوننا مدار أقمار، تدور في أنحاء ملامحها، وفضاءات أبت إلا أنْ تُحيي فينا مزارعاً وبساتينا، في تعرجات أزقتها حين استهلكنا خطونا، وحين تردد للصوت فينا حُرِّ أمانينا، تُناطِقُ فرحنا، تُغازِلُ مَرحنا؛ تُحادينا، فيا أقواس مداخلها؛ وامتدادات أزقتها؛ وفضاءات براح تجمعنا اعتدادا، اعتمالا، احتداماً صاخباً على غِمار ملاعبها، لتصهر في إحساساتنا أطياف أرواحنا، شغاف قلوبنا، أحلاماً مزجناها بدثار متخيل؛ يجمع الألوان في بوتقة صنعناها داخل أطر، تحِنُّ لمرآها أمانينا، لكم تقاوت أطرافنا فيما تتسلق جدرانها، وفيما تفترش أسطح دورها مراسينا.

فيا أحجارها العتيقة؛ يا أدراجها اللصيقة؛ يا بَصمتها تُعانق بَصماتنا؛ حين يأتلق التاريخ في مرابعها في أنحاء حواريها، حين العناق يلازم أرواحنا، وحين الأسوار العتيدة ترنو وهي تُصغي لحكاوينا؛ لهمساتِنا، تَمازجنا بها شغفاً بأنس لياليها، فيا أحفاد أبطال حطين، يا من فديتم ترابها وحجارها وأقصاها بالدنيا وما فيها، كم قـبَّلتْ شِفاهكم أحجارها، وكم تجسَّدت بأفكاركم مُستقبل المجد لفاديها، فيا أعظم أرض طهور أكرمها الله بمرور الأنبياء فوق مرابعها، وفاض حبها في يقين كل البشر، يا وجهاً عذباً مصقولا كما الدرر؛ وكل جواهر مقرون بالذهب، يا مَنْ كنتِ لهم التاج يَزهو بلمعانِهِ بحُرِّ الحَجر، فلنا الفخر لو استجابوا للدورِ، وحزَّ شِعار الانتماء كلّ مَنْ فيها اعتمر، لظفروا بالمجد ولاحترمتهم كلّ أمم الأرض وكلّ البشر.

تُهامسك كل حين أرواحنا، تُناظرك بدراُ منيراً في الدُجى أحداقنا، توافيك أشواقنا محملة بالدندنات التي تعزفها لهفاً شرايينا، فإذا ما تشبعت فينا صورك؛ تعلقنا بكِ وتعلقتِ أنتِ أيضاً فينا، فانظرينا بعين قلبك بقدر ما ناظرناك بارتعاشات مكنوننا، واقطفينا زهوراً يانعات فلطالما جابهناك بالبرِّ وفديناكِ بالأغلى حياة من عز ما وطر، وأقريتِ لملاذنا دُورُكِ وعليَّاتك وحفظتِ لتضحياتِنا أهازيج فرح وغناوي تُطرب الظافرين ومن حضر، وتهاليل فخر كان يطيب التغني بها في كل حين، وفي كلِّ مرة نادانا الفرح وأرخى جناحية فوق الربوع، فأينك يا قدس من كل هذا.. أين منك الذين خاضوا لعزك حروب المنتصرين.

فذرينا نصلك وصل المحبين، دعينا نتناول عن غوايات عِشقنا تراتيلا نَصبو لنيلها ونُعيد، وهوىً لو ذكرناهُ بتفاصيله لأسرفنا بالعشقِ من أعماق مكنون يَفيء غِياً لإغواءِ المحبين، ولتمادى الإخلاص فينا بالقدر الذين يَبغينا، فحيينا يا قدسُ قدر ربيب يُناجي العقول بألباب المعاني.. حيينا، واجدلي شِعر ودادك في نُبلِ غناوينا، وعانقينا شَغفاً يَزهُو، ويفتحُ للمجدِ أبواباً لا تُقفلها رياح خماسينا، وضُمينا بسواعِدِ وصالك، واغمرينا بدفء لياليك، واحرسي العروبة لتدثريها بمرابي غداوينا، وأنواراً تتناثر حول مَرَابدنا تخصُنا من شعاعاتِها غِمار إضاءات بالحب تُهادينا، لنكتبك شعراً طِوالاً، نخطك زهواً يتجلى في قوافينا، فانظرينا يا قدس بعين الحب وضمينا، ولسوف نُحْييكِ دوماً مُكرمة في مسيل أنهار مدادنا، ومُغذيات أفكارنا، وفي كلِّ ما استبقيناه للوفاء مظاهراً ومعاملاً ويقينا، فقد ألفت أرواحنا الشدو فيك، وفي حبنا النادر لبيدك وبيداء مروجك، ورياضٌ تحفُّ سواقيك، ويد الرضى تُربتُ على أكنافِ نواحينا تظللُ أمانينا، تُحيي معانينا،

فيا قدس الوفاء وفيك ورود محبتنا، من مآذنك يفوح عنها المسك معطراً فضاء أقصاك؛ وساحات تمد من على هامتها أفنان تسبح لمبعث انتمائها، نشتَمُ هنا وهناك بقايا أثار مَن مروا ومَن وَصَلوا وصَلّوا في مرابطها، ومن احتفلوا بأمجاد أبطال سطروا المجد في عقر دواوينها، تربعوا على عروشها، ارتفعوا على فروشها، جابهوا كل كائد ظنَّ أنها للانتهاك مسائبٌ، فقد أضحى أقصاك يا قدس مشرعا لرواد نشاما وممراً ومقاما، فأين اليوم الذين غابوا، وانقلبوا عنك وانهار بهم الزمان في جوف الدجى لا نبصر ولا حتى سنا يستدر الفوز كسحابة مؤمل، فأين يا قدس وسط مسرح الأحداث في غريب ما يأتي به الزمان من أمال من علائم تبشر بالذي في أمالنا وفي أحلام علها تُدنينا، أما من خيل عربي يهب في فزعة الرؤى، أما من قبضة تلوح للذين سبروا وجه إيابنا وتمعنوا في حقوق معانينا، فأين منهم شوقهم للأقصى، أين منهم حراباً كانت ناراً وتدك صدور من استقطروا للظمأ الصابر ومن ثم عادوا تراجعوا ليجففوا آخر منابع سواقينا، فمن ذا يكلأ للمجد الراحل على تخوم مرابعنا، من يداوينا ويرمم جراحنا

ومن أولئك الذين حلوا بعوارض غدرهم يا قدس، ودبوا في ساحات مصلانا ومسرى نبينا رسول الله، من ذا تناسى يوم كان بنى المجد برجا عالياً فينا، فقيسي يا قدس مسافات ابتعادهم وتذكري أنهم أداروا الظهور يوم أن ناديت بالصوت المتوجع، واستنجدت بسلطان تمسكوا به، فتغافلت جيادهم، وارتدوا إلى كبوة المنهزم ليحيوا قصة هابيل وأخيه قابيلا، فخيبوا الظن بهم حين تنكروا لأرض كنعان، وتناسوا قداسة مدينة لطالما استباحها الغاصبين، فأين اليد التي تحنو وأين البلسم الذي يشافينا، ولنا ظل يستظل أمانينا ولنا طير في أيكه طلقٌ يحوم في فلوات الشرف يبغي حرية يرف بجانحين قويان فوق غصون المنى إلى وطن يروم التحرير.

سوف لن نتوقفَ يا قدسُ؛ وسيظل المسير مهما طال أمده حادينا، سوف لن نيأس، ولن نلقي عن أكتافنا حلما عاقرناه فأسكرتنا أمانينا، ولن نتخلى عن كفاحِنا فسيَظلّ حُلمنا المُشتهى، وسوف نظلّ نحن نهتف من أعماقنا حتى يستفيق العالم من سباته، مهما غرق العالم في مستنقع الصمت عن مراكبِ حقوقنا، مهما ظلمنا وظلمت بأعقابنا قدسنا وفلسطيننا، وتغيبت الذهون في قعر خوابيها، فالقدس تعيش في أبداننا، في أعماق كياننا، في ضمائرنا، في سطوة الثورة العافرة في عمق نفوسنا، شتان يا قدس بين من يغواك بالحب الحقيقي، وفي سحر جرسه وصدى عصفه، وبين من ليس للعروبة فيه مكان وقدْ قٌدَّ شريانه منذ أقصى الزمان وبات فؤاده رهين اقتلاع وانصياع لمن هم الضباع؛ يلاحقونا بأنياب ومخالب، ليس منهم من بالتحول مَن يتأنسن ويصير فينا.

فتماهي يا قدس مع دمائك العربية، وانبضي حِساً فلسطينيا أبياً، وتجذري في عروقنا، وتضوعي مسك أصولك لتظلي ملهمتنا، تمنحينا نسائم أمل ليس يخبو، ولتظلي ملئ عيوننا، مشاعر صوفية مقامها صدورنا، فأنت يا قدس محضُ سرٍ ماج في عقولنا وتقبَلت صَداهُ قلوبنا، نحملُ قضيتنا عبر مَسالكِ جينٍ أصيلٍ، إنْ شُق عنه توالد منه ملايين المناضلين، فلا تفرحي يا دولة الاحتلال عدوة السلام كثيراً ولا طويلاً، فستطولك في النهاية أيادينا، وتمزقك أظفارنا إرباً وأشلاءاً تتطاير في كل الدنيا، وستهرسكِ نفس آلات حربك، فالبعيد يصير أقرب القريب، حين سُعار اللهيب في ثورة الغضب يطوح فيكم شعائر بواكيكم بعيدا عن ديارنا، ليس بقادرٍ أن يُعيدكم بعد اليوم قاع، فاهبطوا إلى هوانِكم، واسقطوا بعد الهبوط إلى منتهاكم.

فغذينا يا قدسُ بالحب غذينا، فكأس الوداد سقيناه من نبع فلسطين، وقد غدوت يا قدس النفس فينا؛ والنبض في شرايينا، فيا ذكريات الأمس ارجعي جهاراً؛ وعودي بعد الهمس لحونا للنصر تماريه رجع الصمود، حتى وددنا لأعيننا ألا تشهد سواك، وألا السمع يشتكي هوانا من ظلم من ادعوا الأخوة والأهلين، وارجعي يا قدس بأقداسك الثكلى، حرريها من براثن من للعدى بادأونا، تنكروا أنْ عايشناهم قروناً مسالمينا، فاقسي عليهم بقدر ما قسوا أو بقدر ما كفته بهم الأقدار ليغادروا أراضينا، فكيف تستمر الحياة والذئاب تسرح في بوادينا، كيف يقيم بأنحائنا السلام والعدو ينهش بأراضينا، فكيف يستوي الحق بين مواطن وغاصب، وبأي تعايش يفرضوه فوق وطن بناه أجدادنا وسيعيش في أكنانه أجيال فينا، فكيف الخلاص يا قدسُ إذا ما صار الخلاص رغبة بأعماقنا تفديه أرواحنا وكل الحياة النابضة فينا.

نحمل ما نحمل من صبر وثبات، ونورث حب فلسطين لأجيالنا؛ لأحفادنا، ونحمل لحب القدس والخليل ويافا وحيفا ونابلس وكل عروس من مدن فلسطين اختالت بتاريخها وصال رجالها في ساح الوغى، فإنهم أعزة على احتمال البلاء، قلوبهم تكن للأرض أعز مكانة، ولا تغفل حقها وإن طال بها الصبر والحذر فالوفاء بها مجسدا وإنْ الزمن جار، ومالت القلوب لمصالحها، فسيظل حلم التحرير موئل مناصها وهدفها، ليس نكتمه وإن طال غياب التحرير، وتقلى انسانها على موقد نيرانها، فنهر الشوق لا يفنى جريانه ولا يتوقف في نبعه التدفق، فانطر ولا يتوقف بك يا شعبي أمل، فالآمال في حملها عنت قد يطول أو يقصر، وقد تؤول الأيام في رحيلها وقد تؤوب وتقعد، لكننا سنجدف ما حيينا إلى بر الخلاص ونملأ الدنيا حواراً وبيان، ولن يطوى لنا حق وفينا الطبع إنسان.


  • 1

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 10 يناير 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا