كشفت النشرة السنوية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة و الإحصاء ( الجهاز الرسمي المسئول عن الإحصاءات في مصر ) أن هناك 810 ألف دعوى قضائية متعلقة بالأحوال الشخصية قد تم إقامتها في عام 2012 , بجانب 272 ألف دعوى قضائية مستمرة من الأعوام السابقة ( لم يتم الفصل فيها ) .
و قضايا الأحوال الشخصية هي القضايا التي تشمل الخلافات الأُسريّة مثل الميراث و النفقة و النسب و الزواج و غيرها , و هذا العدد الكبير من الدعاوي القضائية يدفعنا للتساؤل عن الأسباب التي تجعل أفراد الأسرة الواحدة يتخاصمون بهذا الشكل الذي يدفعهم للذهاب إلى قاعات المحاكم .
هناك مشهد يتكرر في معظم البيوت المصرية , و هو عندما يقوم أحد الأطفال بكسر لعبة أخيه فيقوم الآخر بالشكوى إلى الأب الذي يحضر الطفلين و يُوبّخ المذنب و يأمره بإعطاء لعبته لأخيه بدلاً من اللعبة التي قام بكسرها و يأمره بالإعتذار لأخيه , و ينتهي المشهد بالطفل المُذنب ينظر في الأرض و عيناه تطلقان الشرر حقداً على أخيه , و الطفل الآخر ينظر لأخيه نظرة المنتصر و هو يحمل الغنيمة (اللعبة) .
من فضلك , قبل أن تكمل قراءة المقال فكّر في هذا السؤال , ما رأيك فيما فعله الأب ؟ هل كان على صواب أم خطأ ؟
عن نفسي , كنت أعتقد في البداية أن الأب مُحق لأنه بذلك يُعلم أبناءه العدل و ثقافة الإعتذار , لكن بعد تفكير سألت نفسي : ماذا سيفعل الطفلان إذا تكرر الأمر في عدم وجود الأب ؟ لقد كان الأب هو القاضي بينهما , فماذا سيفعلان إن لم يجدا ذلك القاضي ؟ , الإجابة التي قفزت إلى ذهني : إما أنهما سيضربان بعضهما البعض أو سيلجآن لقاضٍ آخر .
هكذا تتضح الأمور إذاً , لقد ربّى الأب أبناءه على القصاص من المخطيء , فماذا بعد أن يرحل الأب , كيف سيحلون مشاكلهم ؟ سيلجأون لقاضي المحكمة حتى يحكم بينهم .
لن يفكّر المخطيء في الإعتذار , و لن يفكّر الآخر في مسامحة أخيه , لن يفكّرا في إقتسام ما يملكان , لأن الأب لم يربّهم على ذلك , لم يربّهم الأب على الرحمة أو التسامح أو الإيثار, فلو أنه أحضر الطفلين و طلب من المخطيء أن يعتذر و طلب من الآخر أن يسامحه و أن يدعه يلعب معه بلعبته لَكَان خيراً لهما و أشد تثبيتاً لعلاقة الأخوة بينهما.
فمن فضلك , لا تكن قاضياً بين أبنائك , علّمهم العدل و الرحمة , لكن علّمهم أن الرحمة تسبق العدل .
-
عمرو يسريمهندس مصري يهتم بقراءة التاريخ وسِيَر القدماء. أرى أن تغيير الحاضر، والانطلاق نحو المستقبل يبدأ من فهم الماضي.