وسم ديني لرغد الثنائي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

وسم ديني لرغد الثنائي

بقلم عباس مسالمة ورغد

  نشر في 04 غشت 2014 .

اهدنا الصراط المستقيم، مادة أساسية تتربع على عرش موسوعة التشريعات في دستور الخلق، كلام حق أُريدَ به حق السمو والعلو، لا نقول لمسار دون سيّه، بل لكل مسارات الوجود ونواميسه. اهدنا الصراط المستقيم الذي أوجد للخلق منذ وجود الوجود ليكون مرجعاً لمأرب أو لمآرب أخرى متقوقعة في رحم حياة " أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ"؛ لا لشيءٍ سوى لتكون علاقات الخلق أجمعين مستندة لمرجعية الصراط المستقيم ذات طلاء إقامة الدين. أولئك أهل روابطَ وعلاقات يأخذون الدين كفكرة معرفية مستقاة من جبّة إقامة الدين، لا يعيشون في جلباب واحد بل بعظمة الدين وقيمه وسلوكياته وفهم قيمة المعاني السامية في كل رابط يربطهم أو علاقة تعلّق ذواتهم ببعض. فوردة الحياة التي تخطف عقل عاشقيْن تبدأ ببذرة صغيرة ثم تنمو، كلما أغدقت عليها ازدادت جمالاً وحياة، تماماً كما هي تلك الرابطة البشرية، إن زُرعت في أرض خصبة بالتفاهم والفكر المشترك، وإن رويت بغيث روحي واحد، حتماً ستطلق نواراً لربيع الحياة ويثمر لوزاً طيب المذاق.

آدم لحواء وحواء لآدم، تلك أول علاقة خلقها الله بقدسية وقبس من روحه، فهي اللبِنَة الفطرية للعلاقات التي تربط البشر ببعضهم، كل ذلك تحت مسمى "زوج" و " زوجة". فما هي ماهياتهما ؟ وكيف لتلك العلاقة أن تخضع لقانون " أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ" لتكون على الصراط المستقيم؟ كيف السبيل لترسيخ قوانين التدين بين وحدات بناء هذه العلاقة المقدسة؟ تساؤلات تطرح نفسها تحت مظلة كثيرة الثقوب لا تؤدي مهمتها المرنوّة، أشواك فشل وفتور ثنائي يحلق في سماء أزواج كانوا بيوم يحلموا بعلاقة وردية يتغلغل بين وحدات بنائها طين المحبة والسموّ والتفاهم المعرفي، حصن أمان وتعاون على البر والتقوى، إن كان هذا صحيحاً، فما الذي جرى لنرى مناكفات ومشاحنات تدرؤ بالذات لدرك الخزي الثنائي؟ أخلل هو في البرمجة المادية لبرنامج الارتباط ؟ أم هو نقص محقق في ذوات الثنائي ؟ أم متلازمة نقص المعرفة المكتسبة التي يعاني منها الثنائي لتظهر أعراض التجاذبات السلبية والمهاترات اللاخُلُقية ؟

إذا جاءكم من ترضون دينه وخلُقه فزوجوه، أمر جليٌّ جلاء الشمس لناظرها من معلم البشرية لأمته، يضع فيه رسول الله المادة الأولى في دستور العلاقة الثنائية ناصّاً ومقرّاً بثنائية الدين والخُلق لولادة ثنائية البشر. أليس الخُلق من الدين ؟ نعم هو منه ولكن الطبع غلب التطبع، فالذئب قد يأكل الشاة التي رضع من ثديها في صغره، رغم رعايتها له ولكن طبع الذئب غلب تطبعه؛ لذلك كان الدين صدراً والخلقُ عجُزاً لبيت شعر واحد. هو لِزام عليكِ أن تنظري بمنظارٍ دقيق لوجود هذين العنصرين كمطلب سابق لمطلب لاحق لتغدو حياتكما قصيدة على البحر الكامل، فهو لزام عليكَ أن تملك المادة الخامّة لبناء منشأة عريقة تكون فيها حياتك وحياة غيرك، تلك المنشأة المتجلية في علاقة صخرية منقوشة على صخر ناري لا تلقي بالاً لعوامل الطقس ومرور الدهر، هي إذن بالدين والخُلُق ليس إلّا. إذا أنعمنا النظر في هذا، نرى قبساً من همسات رسول الله يتمثل في أن أي علاقة ثنائية تُبنى على غير هذا أو دون أن يُعبأ بأمره فهي علاقة ركيكة رملية قد تهفيها الريح ولو كانت نسمة عابرة.

لعل الناظر الناقد بعين إيجابية إلى المفاهيم الحصرية للحب والارتباط والزواج، سيجد مدى توغل الفايروسات الفكرية في أجسام هذه المفاهيم، التي ما كانت لتنتشر إلا بوجود خراف هزيلة ترعى من أراضٍ إعلامية جدباء، أخذت تشوه وبكل السُّبل أعظم وأقدس علاقة بشرية على وجه البسيطة، أفلام ومسلسلات تجاوزت الحد الأخلاقي، فقلبت مأدبة مفاهيم العلاقة الثنائية رأساً على عقب، وطعنت الفكر بخناجر غربية مسمومة، فظهر الارتباط بأقبح صوره وأدنى نتائج مرجوّة، وبزغت تلك الجرائم العاطفية التي يرتكبها جلّ أفراد الجيل في حق الحب الثنائي الذي يزج يومياً في زنزانة الوهم، ويخضع لصعقات كهروتخلفية تشل رقي العقل والفكر وتنحيه جانباً ليبقى القلب سلطاناً بسوط الشهوة؛ لذلك نجد السبب جلياً وواضحاً، فارتفاع نسبة الطلاق، والخيانة الزوجية، ما هو إلا حصيلة لركاكة الثقافة وهشاشة الحب واحتضار القناعة.

كل شاب له سمات شخصية ذاتية مختلفة عن غيره، يعشق الدين من خلالها، وينظر إليه من نظارته، لا ندعو لأن نجعل الناس يعيشون في جلباب واحد؛ لذلك ندعو إلى الدين لا إلى التدين، إلى قيم الدين وعظمته وروعته وسلوكياته في كل المعاملات والعلاقات. سيدي الزوج .. سيدتي الزوجة .. لا تنظروا للدين ببعدٍ انفعالي أو سلوكي فقط، فهذا سبب في تنافر العلاقة الثنائية؛ لأن كل منكم يطالب الآخر بطريقته السلوكية أو الإنفعالية، خذوه كمعرفة ومعانٍ سامية راقية تكمن خلف كواليس أوامر الله وقوانينه، ابتعدوا كل البعد عن سطحية الفهم، واستندوا لعمق المعنى والفكرة وملكوتية الواجب والأمر، إن كنت تعلم فنعمّا هي، وإن كنت لا تعلم فاسألوا أهل الذكر. كان لزاماً ومن باب أولى أن نبتعد كل البعد عن تصنيف الأزواج والشباب إلى ملتزم وغير ملتزم أو متدين وغير متدين فهذا تصنيف كنسي بامتياز لا يوافق نظرة الإسلام لأفراده؛ فمن صنّف متدين قد يضطر أن يمارس نوعاً من النفاق أحياناً من حيث يشعر أو لا يشعر بحجة أنه يريد المحافظة على هذا التصنيف الذي منحه إياه جهلة المجتمع وسفهاؤه، ومن صُنّف بغير متدين، لربما يمارس بعض الأخطاء تحت حجة لا ضير فأنا غير متدين بنظر المجتمع، وفي الحالتين يكون جرأة على المعصية والخطأ وهذا يتجلى واضحاً في العلاقة الثنائية. ليس هذا فحسْب، بل إننا ندعو أن نكون محافظين لا متحفظين على الدين في علاقاتنا، فالمجتمع المحافظ هي الذي يحافظ على مباديء الدين مع امتلاكه لديناميكية القدرة على التغيير والتطوير والعصرنة، وهذا ما نريده، بعكس المتحفظ الذي يسير بلون واحد وتطبيقات ثابتة لا تتغير مع تقدم العصور، وهذا من شأنه أن يفسد العلاقة الثنائية أولاً وغيرها.

فالأَرواح جُنود مُجنَّدة فَما تَعارف منْها ائْتلَف ومَا تَناكر مِنها اخْتلف؛ لذلك قد يحتاج مشوار البحث عن شريك الحياة لشيء كثير من الزاد، وهذا أمر طبيعي لشخص يريد أن يسمو بشريكته حد السماء، فالمسألة ليست هوجائية فوضوية، فتاة تلتقي بها صدفة فتقع في شباك حبها الوهمي الخرافي، فإذا بك تسقط في فوهة القبر، لترى في حياتك فقاعة وهمية مؤقتة سرعان ما تنفجر محدثة دوي يزيد من تصدع القصر الثنائي، فيهوي حطاماً من الأحلام وأشلاء من الحب، يخدرون العقل بمنوم عاطفي حيواني، ويدخلون في أسواق غيبوبة الهذيان العشقي حيث تجار الرومانسية وبائعو الكلام وزبائن مترددون غير مقتنعين بجودة هذه البضاعة المكشوفة. القضية أعظم من نظرة وابتسامة، القضية قضية فكر وأرواح تتآلف، لتكون لحمة لعلاقة مقدسة، قواعد نبضية صادقة إن انحرفت عنها ستتحول الحياة إلى جحيم أبدي.

فالعلاقة الثنائية المتمثلة بمشروع الزواج ما هي إلا فن يحتاج لثنائي متمرس بالبرستيج النبضي، واتكيت التعبير، وعهد صادق يحتاج لعقول متشربة فرات الدين وقيمه لتزهر الحياة، يحتاج ليد تفرق بين داخل اللوحة وخارجها، كي تبقى الحياة خالية من الخربشات، ثنائي يضبطان محركات القلب و مناجاة الروح وهدف واضح وشريف شعاره مبتدءاً بــ "وأتوا البيوت من أبوابها " و منتهياً بـ " أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ"، فمتى عثرت على توأمك، لا تتردد وتسلك طرقاً معوجة لتنالها، بل اسلك طريق قلبها بالحلال واظفر على مباركة الرحمن، لا لشيءٍ سوى أنها علاقة قدسية تترفع عن سفاسف الأمور لتتزين بلؤلؤ الرحمة والمودة، تسمو بالروح حيث النجوم، مملكة تحكمها الدساتير الربانية والشرائع القرآنية "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها"، مملكة لن تقام إلا بأمير وأميرة تلاقت أقدارهما معاً، فكانا فكراً وعقلاً ونبضاً وشخصاً وذاتاً وروحاً واحدةً، ثنائي قرّرا بإرادتهما وباختيارهما أن يكونا أسطورة للحب فالعطاء فالخلود، تمردا على عادات وتقاليد تقتل الحب وتجعل منه صفقة رائدتها الأم والأخت، وثارا على مازوشيين الحب الذين كبلوا هذه العلاقة بكلمة "أحبك"، وعرضوا المشاعر في المزادات الاجتماعية، فأصبحت كلمة أحبك تباع برسالة تقدر باثنين وعشرين أجورة، ومع التقدم التكنولوجي، أصبح الحب مجاناً كماء السبيل.

من تزوج فقد استكمل نصف الإيمان، وفي هذا إشارة واضحة من عظيم الأمة بربط الزواج بالإيمان؛ ليكون أول علاقة للإنسان مدعومة بروابط ربانية إيمانية ديدنها الدين وقيمه بإقامته ليس إلا، ذلك أن ربنا قد قال " أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ" ولم يقل "وتدينوا"؛ ليشي لنا أن إقامة الدين بكلِّيَتِه تشمل قيمه وفهم أوامره ومعانيه بصورة تامة، في حين أن التدين قد يكون لسلوك معين أو لانفعال عقائدي معين ولا يصح هذا في العلاقة الثنائية ولا في غيرها من قوانين الله في خلقه.

عباس مسالمة – رغد خميس

8. شوال. 1435


  • 2

   نشر في 04 غشت 2014 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا