سِحر المقاهي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

سِحر المقاهي

طعمٌ وحنين...

  نشر في 28 مارس 2019 .

لنعترف في البدءِ أن القهوةَ لا تصنع مثقفاً،ولا هي التي تتحكم في إبداع المثقفين ولكنها مثلها مثل كوب الشاي الذي يظل أنيساً في الجلسات التي تجمع كل إثنين أو ثلاثة إلتقيا بعد طول غياب؛فجعلوا من ذلك الكوب طعماً لذاك الأُنس،ولكن مِن حُسنِ حظ القهوة وكوبها أن وَصْفَها تكرر في كتابات المبدعين وذلك التكرار رسّخها في ذهنيةِ القارئ حتى أصبح المُقلدون مِن بَعدِهم يُقدوسونها في رسمهم اليومي على القرطاس فصنعوا منها بذلك قريناً للإبداع والمثقفين،أما المقاهي فهي تصنع المثقفين وأعني بالمقاهي المقاهي الأدبية التي بدأت تتلاشى من خارطة العالم تدريجياَ.

في مساءٍ هادئ من ليالي أغسطس في الأعوام الماضية صادف وجودي بالقاهرة،وجود أحد الأصدقاء هناك،في ذاك المساء كنت بحديقة الفندق أكتب مسودة لعملٍ أدبي ما،على أنغام الجيلي الشيخ - حين كان مُغنياً - وهو يُوّقِع على ملامح اللحن بصوته الشجيّ الطروب خالدة عٌكير الدامر والتي قِيل أنها ألّفها ستة من الشعراء:

يتمنى الدهب لو لونوا يشبه لونك

و إشتهت الدرر لو هي تبقى سنونك

مجنون ليلى حالتو أقل من مجنونك

مادام ليلى كانت في المحاسن دونك

على جناح الغيم كنت أُحلِّق في سماوات الإبداع،حين أطل ذلك الصديق وأقترح أن نذهب لأحد المقاهي لتناول كأس من الشاي لم أقاوم الفكرة وكانت الدهشة حاضرة حين شاهدت المقهي ورواده،عالم آخر من الحياة،مزيج بين الضوضاء والهدوء.

جلسنا على مقعدين من الخشب،وموسيقى كلاسيكية تنبعث من مذياع المقهى،والنادل يتحرك بين مرتادي المقهى بخفه كفراشة ألِّفت حقول الياسمين،يحفظ جميع الطلبات بطريقة تدعو للتعجب،وعلى إمتداد المقهى جماعات تتحسي الشاي وترتشف القهوة،ويتعاطون الأدب و الثقافة شعراً وثنراً،كنت مبهوراً بأضواء المدينة وبأمسياتها،ظللت طوال فترة مكوثي به صامتاً أتأمل في المكان ومَن به،متجولاً ببصري في زواياه المتعددة،غشاني نوع من الراحة وإنتابني إحساس غريب بأن أمكث هناك لأطول فترة ممكنة،لم يكن لدي أدنى رغبة في الذهاب لمكان إقامتي ولا أريد أن أفسد متعة تلك اللحظة بالكتابة،بيد أن قاومت وعدت من حيث أتيت ولكن تلك الرغبة المُلِّحة في الكتابة عن (سِحر ذاك المقهى) وظلت تروادني في كل مرةٍ أحاول أن أكتب فيها،بل المكان ذاته ظل يشدني بالحنين إليه على مر كل تلك الأعوام التي مضت ولم أُلبِ النداء بعد.

ذلك المقهى أعاد إلى ذاكرتي زوايا الكُتّاب التي كانوا يستخدمونها للكتابة في بلدانهم فكم من عملٍ إبداعي خَطْهُ كاتب على زاوية مقهى ما،وكأن الإلهام قد كان يسكن بين جنبات تلك المقاهي،أو وكأنها تنفث إبداعها عليهم؛ظلوا هم أوفياء لها على إمتداد سنوات العمر،وظلت هي على وعدها معيناً لا ينضب فكانت كلما جلس أحدهم على ركنٍ من أركنها أمطرته بوابل الأفكار وسيل من العبارات الصادقة...

والآن بعد هذه الأعوام كأني (بمحمود درويش) يعزيني :

إن أعادوا لك الطريق فمن يُعيد لك الطريق ؟

إن أعادوا لك المقاهي القديمة فمن يُعيد لك الِرفاق ؟


  • 4

   نشر في 28 مارس 2019 .

التعليقات

مريم مريم منذ 5 سنة
جميل..جميل..جميل..ســاحرة والله هي كلماتك..سررت بالقراءة لك..تحـيـاتي
1
نزار عبدالله بشير
وهذه أقصى أمنياتي ... شكراً مرة آخرى أتمنى أن تجدي ما يفيد دوماً

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا