أصبح كثير من الناس يعاني من ضغوط الحياة بشكل مستمر. وفُرضت عليهم أنماط معيشية قد لا تتناسب وظروفهم أو امكانياتهم المادية والمعنوية، ومع ذلك لا يستطيعون تجاهلها. مما يجعلهم يخوضون صراع مع أنفُسهم، ويقومون بتوجيه اللوم إليها بقسوة عند ارتكاب الأخطاء. ونتيجة لذلك تفسد حياتهم ولا يعد بمقدورهم الاستمتاع حتى بأبسط الأشياء. وفي نهاية المطاف قد يصل بهم الحال إلى الوقوع في فخ رفضهم لذواتهم.
ومن أجل تجنب الوقوع في ذلك الفخ، عليهم بدرجة أساسية التصالح مع ذواتهم. ولن يكون ذلك إلا بقبولها كما هي، وتجنب استصغار انجازاتها، والتوقف عن مقارنتها بالآخرين من منظور سلبي، والتعامل مع أخطاء الماضي بموضوعية، والابتعاد قدر المستطاع عن الذبذبات السلبية.
يؤكد بعض الأطباء والاستشاريين النفسانيين ومدربي تطوير الذات، بأن التخلي عن المثالية تجعل الحياة أكثر سهولة وراحة. وأيضا قبولها بعيوبها في ضعفها ومع زلاتها، وعدم الحكم عليها أو تصنيفها، وخاصة في لحظات انكسارها، وكذلك تكريّمها وتقديّرها دون انتظار ذلك من أحد.
يقول الدكتور اسحاق لطوف الاختصاصي في جراحة الأعصاب يجب التصالح مع الذات بأي وسيلة ممكنة. لكن التأمل قد يكون الوسيلة الفضلى، علماً أن لا حاجة أبداً الى تعلم هذه التقنية لأنها تولد معنا أساساً. يكفي أن يؤمن المرء بتصالحه مع نفسه حتى يصبح خالياً من الهموم، بعيداً عن الضغوط، ومتحرراً من أوهام الأعراف. ويضيف الدكتور لطوف أن التأمل يهدف إلى "تنظيف الروح من السموم"، إذا جاز التعبير، وتحلي المرء بالصدق مع نفسه.
إذا فإن عقد جلسة استرخاء صادقة مع ذواتهم، والذهاب في رحلة استكشاف داخل أنفُسهم، كفيلة بالعودة بهم وهم أكثر تصالحاً وتسامحا معها. وتؤكّد لويز هاي أنّ التسامح هو الحل الأمثل لكل المشاكل التي تواجهنا سواء كان ذلك مع أنفسنا أو مع الآخرين.
وأخيرا ليس التصالح مع النفس، يعني تركها دون ارتقاء وعدم الرفع من شأنها. أو العيش في إطار أنانية مفرطة. على العكس من ذلك، أن التصالح مع النفس يعني حبها وتقديرها، والموازنة بين حب الذات والآخرين. فالإنسان المحب لذاته محب للآخرين، قادرا على أن يكون فردا معطاء، ولكن بطريقة صحية، يعرف كيف يعطي ولماذا يعطي، موازنا بين رغباته الشخصية ورغبات الآخرين. ولو تأملنا لعلمنا أن محبة الذات أمر فطري إذا ما كان وفق حدوده الطبيعية.
-
هناء الحارثيكاتبة وصحافية وناشطة في المجتمع المدني
التعليقات
الحياة يجب ان نتعامل معها بمرونة عاليه لاتفادى الصدمات.
.
فالإنسان المحب لذاته محب للآخرين، قادرا على أن يكون فردا معطاء، ولكن بطريقة صحية، يعرف كيف يعطي ولماذا يعطي، موازنا بين رغباته الشخصية ورغبات الآخرين. ولو تأملنا لعلمنا أن محبة الذات أمر فطري إذا ما كان وفق حدوده الطبيعية.
.
كلمات بماء الذهب.
صدقتِ، كثير ممن يدعو إلى حب الذات بل وتمجيدها يهملون حق (الآخرين)، وهذا أمر بيّن خطؤه.
بوركتِ عزيزتي.
(حديث مرفوع) أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ وَهُوَ حَلِيفُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ , وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَقَدِمَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ ، فَسَمِعَتِ الأنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ ، فَوَافَوْا صَلاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ ، فَتَعَرَّضُ لَهُ ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : " أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ ؟ " قَالُوا : أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ ، فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ " .