نعم هي حكاية طويلة ومسار مليء باﻹخفاق، لكن من وجهة نظري فهي المدرسة التربوية اﻷولى التي تربي فينا إدراك اﻷحداث وفلسفتها، فنعمل بصالحها ونترك طالحها، وإن تحدثنا عن المدرسة كمؤسسة فليست هي ذلك المكان الضيق الذي نقضي فيه معظم وقتنا لنحصد علما نافعا أحيانا وعلوما ربما لن تنفعنا في حياتنا، لكن لابأس فحتى تلك السويعات ربتنا على الكثير من العبر، عندما أخرج من ظلام رحم أمي إلى نور الدنيا ونعيمها أجد أول مدرسة تنتظرني والتي كانت سبب وجودي، أمي كانت مدرستي اﻷولى التي علمتني كيف أسمي الحنان والمودة، جعلتني أحس أن للحياة معنى، كانت والدتي مدرستي اﻷولى التي لن أتخرج منها أبدا مادامت قيد حياتها، فقد قالها شوقي أحمد من قبل، هذا لايعني أن اﻷم مدرسة لي فقط، يكفيك أن ترى حياتك بدون أم كيف ستكون، سترعب بمجرد التفكير في ذلك، غير مدرسة اﻷم تلك هناك مدرسة ثانية جد مهمة نعم هي مدرسة الشارع، زقاق الحي، شارع المدينة، كل شيئ خارج البيت كان مدرسة بعد اﻷم، لكن مدرستنا الثانية مختلفة تماما عن اﻷولى، فإن قلنا أن اﻷولى تعطينا الحب والحنان والرعاية والقيم، فالثانية ربما تعطيك عطفا تارة وتارة أخرى تجود عليك بمالا ترجوه مدرستك اﻷولى أو سأقول لك أن الشارع أحيانا يفسد مافعلته اﻷم، لكن لاخوف علينا مادمنا نتلقى التعليم من أمهاتنا أولا، ولا ضير في مجتمعاتنا أن الصالحين من تربية أمهاتهم والطالحين من تربية الشوارع واﻷزقة.
المدرسة الثالثة في المجتمع كانت ولاتزال تلك المحاطة بالجدران التي ندخلها من الصف اﻷول كي نتخرج بشهادة تأهلنا لمستوى آخر، وفي هذه المدرسة بالذات نلتقي عدة مؤسسات كالمدير واﻷساتذة وحتى الرفاق والزملاء فهم مدرسة واختبار، وبمجرد أخذ الشهادة واﻹنتقال لمؤسسة أخرى أعلى درجة تدخل مدارس أكثر، كل لقاء لك هو مدرسة، كل نجاح لك هو مدرسة، كل إخفاق، كل تعاون، كل قيمة،... كل شيء في الحياة مدرسة، بل إن الحياة كحياة هي مدرسة، منذ الولادة إلى حين الممات نحن في اختبار واﻹختبار لاشك أن فيه تعثر، وهذه مشاكلنا اليومية، وممحاة الخطإ فيها هي حسناتنا وأفعالنا الصائبة، يكفي أن أقول لكم أن الله خلقنا من أجل اختبار العبادة الذي لايتم دون تعليم ودروس من أجل اجتيازه، فالله عز وجل لن يختبرنا لا سمح الله بدون أن نعلم أسئلة اﻹختبار التي تعلمنا إجاباتها منذ ولادتنا، كل دقيقة تمر وكل ثانية تمضي هي لنا مدرسة، هي لنا محك، هي كل شيء
-
عبدالصبورهاوي للقراءة ومولع بكتابتها