منذ فترة أخبرتني أختي عن صديقة لها علي الفيس بوك أتمت الستين عاماً و كتبت أنها لا تعرف كيف انقضي العمر؟! و كأنها أفاقت فجأة عند بلوغها سن التقاعد و أنها عندما نظرت إلي عمرها الذي مضي لم تجد أنها فعلت أو حققت أي شئ و أنها ندامة أشد الندم و إنها لم تكف عن البكاء طوال هذا اليوم.
كنت أود أن أكلم هذه السيدة و أربت علي كتفها و أقول لها عذرا يا سيدتي لقد أنجزت أشياءاً كثيرة و كثيرة... لكننا تربينا في مجتمع لا يعطي قيمة لإنجازاتنا الصغيرة و دائما نحن في سباق نلهث وراء المزيد فما إن نحقق شئ حتي يلوح في الأفق شئ جديد لا نعلم أننا لن نحصل علي كل شئ..و دائما نضع أنفسنا في مقارنة مع الآخرين و لو تركنا هذه المقارنة لارتحنا و أرحنا.
لقد وضعنا المجتمع في أطارات و قوالب لابد أن تتحقق حتي أن لم نختارها نحن .. فمن يكون خارج هذا الإطار قد يبدو منبوزاً أو مستهجناً.
حتي أنهم يضعوك في وضع تستصغر فيه عملك.. و لا يعجبهم أن تكون راضي بحالك.. لابد أن ترضيهم و تسير وفق الكتالوج الذي وُضِع للجميع.
حدثتني صديقتي الطبيبة أنها قابلت زميلة لنا لم تقابلها من فترة و لكن هذه الزميلة داهمتها بالاستجوابات و قالت لها كيف إلي الآن لم تفتحي عيادتك الخاصة؟!.. لماذا دخلتي الطب إذن؟!
لا أعرف ما شأن هذه الزميلة أيلزم أن نضع لافتة علي صدورنا نضعها أمام غيرنا نخبرهم عما انجزنا و عما لم ننجز مع شرح وافٍ للأسباب .
قد تكون صديقتي الطبيبة اختارت في هذا الوقت أن تكون أماً و اختارت أن تعيش كل معاني الأمومة مع أولادها.. أو تكون رأت أنه ليس كل ما ندرس يجب أن يكون ما نكمل فيه باقي حياتنا و قد يكون لها حلم آخر. صديقتي راضية بما عليه الآن و أنها تشهد كل تفصيلة من حياة أولادها الصغار و رأت أن إنجازها هم أولادها و لا يهم نجاحها العملي الآن.. و ربما يبزغ نجمها في يوم ما.
دائما يجب علينا نقدر أنجازاتنا حتي لو لم يراها الأخرين.. فكل تسبيحه إنجاز و كل تخفيف عن ألم إنجاز و كل ابتسامة إنجاز و أن تكف أذي و أن تقلع عن عادة سيئة إنجاز .. أن تقف علي قدميك بعد كل نائبة إنجاز .. و أن تصل إلي مرحلة من السلام الداخلي إنجاز.
لابد أن نأخذ هدنة مع أنفسنا و أن نمتن لكل أشياءنا الصغيرة الجميلة -الكبيرة لو أدركناها - و أن كل تلك الأشياء هي التي صنعتنا حتي أن لم تكن تشبه أشياء الأخرين..و ندرك أن في أي لحظة مادام هناك قلب ينبض و عقل يفكر فأننا قادرون علي العطاء و لن يتوقف العطاء علي عمر أو علي سن.
التعليقات
أرى -و الله أعلم- أن الأرقام تخيف بعض الناس، و هم لا يدركون أن الحياة بالانجازات لا بالارقام، و لا يدركون بأن كل مرحلة عمرية هي مرحلة جميلة يجب أن نعيشها بامتلاء.
عند الثلاثين نقول أين قضيت 30 سنة من عمري؟ و عند الاربعين نقول هاهو العمر يذهب في اتجاه منحدر، و عند الستين نقول ضاع العمر مني.
و إن لاحظنا فقد يجد الانسان أنه قد عاش عمرا طويلا، و هو يحس بأن العمر قد انتهى.
هذه السيدة اليوم عند الستين و لان التقاعد قد اقترب، لابد أن تدرك أنها أخيرا ستتحرر من مسؤولية العمل الضرورية، لتعطي بسخاء و حسب استطاعتها بطريقتها الخاصة.
مشكلتنا نحن العرب أننا نقتل الانسان حتى قبل أن يولد. فتجد في الغرب أناسا في الستين و السبعين و الثمانين يشتغلون في العمل التطوعي و يقومون بأنشطة مختلفة و يتأملون في الحياة.
موضوع شيق و طرحك جميل. تحياتي