سألها ما معنى الخيانة؟
في ذلك المقهى حيث كانا جالسين، وضعت هاتفها من يدها وقد بدا الاضطراب بادياً عليها عندما سمعت سؤاله. لم تجبه بشيء، بل راحت ترتشف قهوتها بكل صمت.
منذ متى والصمت يجمعنا، بريق عينيها انطفئ، لا أدري إن كانت تحاول بطريقة أو بأخرى أن تخبرني بأن الحب الذي جمعنا انتهى، أننا نعيش بداية النهاية، في الحقيقة كان في داخلي ألف تساؤل وددت لو أطرحه، شعرت كأنما أنا دخيل عليها، كأنني أضغط عليها بتواجدي، هل علي البقاء أم الرحيل.
هل بت ضيفاً ثقيل الظل على حياتها، هل علي أن أنسحب بانهزاماتي وأنهي تلك المعركة التي أجهدت روحينا، هل هي تمر بفترة اكتئاب، هل يا ترى سيغدو ما كان بيننا بعد حين مجرد ذكريات أجملها يعذب الروح؟!
اسمعيني إن كنت تعتقدين بأنني علي أن أنسحب من حياتك فقط قولي لي، بالطبع سيؤسفني ذلك، وسيجرح قلبي وشعوري، لكنني يا محبوبتي لم أعد أستطيع تحمل الصمت أكثر، أن أراك تبتعدين، أن أشعر بك وأن تتمزقين ألماً بين البقاء أو الرحيل، الابتعاد موجع لكلانا .. لكن إن كان لابد منه .. فدعينا نضع أوزار هذه المعركة، الآن، على هذه الطاولة التي جمعتنا لأول مرة، وجمعتنا لمرات كثيرة، الوقت كفيل بأن يداوي جرح الفراق، سأتعذب، لكنني بالفعل أنا كذلك الآن، لا تخبريني عن السبب، فأنا آعيش معك الواقعة، أستطيع أن أشعر بتمزقك، بتلاشيك بيني وبين الشيء الذي يبعدنا عن بعضنا، قولي لي بأنك صادفت شخصاً آخر، بأن قلبك يسير في اتجاه بعيداً عني، أخبريني بتفاصيل ابتعادك، لكن رجاءً توقفي عن إيلامي ..
بحت لها بالكثير في لحظة كنت آتمزق فيها ألماً، لكنها تابعت صمتها .. ابتل جفناها بالدمع، لكنها كانت تحاول مكابرة أن تمنع دمعها من التدفق، حاولت جاهدة أن تتهرب من عيوني اللتان كانتا تحاصرانها.
وأخيراً قالت بأن الأمر ليس كما يبدو، وأن ظنوني ليست بمكانها الصحيح، أنها فقط متعبة، وتحتاج بعض الوقت لكي تعود إلى طبيعتها، لكنها في الحقيقة كانت تكذب بكل كلمة، بكل لحظة كانت تنظر فيها إلى شاشة هاتفها، كنا نصارع الوقت حتى نلتقي، حتى نندمج سوية، حتى نتحدث، نضحك، نلهو .. كل ذلك فجأة تحول إلى برود قاتل، برود لا يمكنه أن ينتج عن تعب، وأي تعب هذا .. وكنت أول من تبكين بين يده، وأنت تحدثينه عن تفاصيل ما تشعرين به، ويلامس كل جزء فيه، أنت تعيشين الصراع الذي عشته منذ سنوات، عندما التقيت تلك الفتاة وهيأ لي أنني واقع في حبها ثم التقيت بك، كم كنت ممزقاً بينها وبينك.
أستطيع أن أقرأ بين شفتيك كلامي الذي حبسته لأشهر، كأنني اليوم أجلس مكانها، أعيش تجربتها وهي تراني منشغلاً بهاتفي معك، ببريق عيني الذي انطفئ معها، لكنه كان يشع معك، أستطيع بكل حزن أن أتذوق حزنها ومرارتها، أن أصدق بأن الكأس دارت بيننا، وأنه علي أن آشرب من ذات المرارة التي أذقتها إياها.
فقط كوني بقوتي وجبروتي وأخبريني عنه كل تفصيل، عن أن شعورك اتجاهي لم بعد موجوداً، أنه تحول إلى شخص آخر، اطعنيني بهذا الخنجر، مزقيني الآن فقد أتحمل الصدمة، لكن لا تجعليني أتعلق بك أكثر، أن أحاور نفسي آلاف المرات في الليل قبل أن آنام إن كنا سنستمر أم لا، لا تتظاهري بالمرض فقط كي تنشغلي عني، فأنا حقاً أقلق عليكي، ولا بالتعب فقط حتى تنهي لقاءنا وتجري إليه، كوني بتلك القسوة وأخبريني بأننا وصلنا إلى نهايتنا، بأنها المرة الأخيرة التي سأساتشق بها عطرك. بأنك لن تصافحيني يوماً بهذا البرود إن لم تكوني تخططين للرحيل، أن تتهربي من عناقي ولمساتي لأنك لم تعودي باستطاعت تحمل فكرة أنك تخونينا معاً، وتخونين قلبك ثالثنا.
أخبريني الآن من أكون، من أنا وماذا باستطاعتي أن آفعل حتى أريحك من عذابك، إن كان لابد من الرحيل، فدعيني أذهب الآن حاملاً بين ضلوعي آلامي، دعيني أعتاد فكرة أنك لن تعودي لي، أنني سوف التقيكما معاً وألا آغار، أن أمسك نفسي في كل مرة أكون فيها على وشك أن أكتب إليك، ألا أقلق عليك بعد اليوم، ألا آخابرك عشية، أن أعرف عن نفسي بأنني شخص عازب، يبحث عن حب لا يمزق فؤاده، ألا أكتب عنك، ألا آقحمك في كل فكرة تمر في بالي ..
هذا عذابي، وأنت جلادي، اتخذي قرار الرحيل الآن وأعدك بأن أتحمل عذابي دون عتاب، دون أي شروط، فقط قوليها وأعدك بأنني سأختفي كأنني لم أكن يوماً، ابتعد ولا تحاول الاقتراب قوليها، لا تعلقيني بين الواقع والوهم، لا تجعليني أعاني بليالي الظلماء، لا تزهقي روحي بين الأخذ والعطاء .. قالت لي هي ذات يوم بألا أعتقد نفسي بأنني إله الحب، وأن رحيلي سيكون مجرد عبور بين الحب والألم والنسيان، لكنني إذا ما استمريت في التغافل فإنني سأزيدها وجعاً، تماماً كما تفعلين أنت، إن رحلت العذاب ابتدأت منذ اللحظة التي ضممتها فيها وشعرت بالريبة كانت بداية الرحلة، بداية النهاية.
وأصعب النهايات بداياتها، اللحظة الأولى التي تخرج فيها من المقهى ودموعك تحاصرك، أنت حر من أجمل قيد سجنك، أنت اليوم وحيد في فراشك تتلوى ألماً، تبتكر أي طريقة لتكابر على جرح قلبك، تكون أنت وأنت وإياها، قلبك الذي يدق فيك ويدق شوقاً على بعدها، في كل مرة تمر فيها من طريق جمعكما، تشتم رائحة عطرها .. وأنت تعلم بأنه لن يكون هناك سبيل للرجوع.
لا تقاريني بيني وبينه، لا تحاولي أن ترغمي نفسك على البقاء شفقة، أو خوفاً من مصير مجهول، فقط اتبعي قلبك ..