منذ القدم يتنازع الخصائص القيادية لدى الأفراد مذهبان الأول يعتبر القيادة ميزة ة تولد مع الإنسان بدون سعي أو جهد منه ، ومذهب آخر يجزم بقابليتها للاكتساب وهي القابلية التي مهدت الطريق أمام البحث النفسي والاجتماعي لهذه الظاهرة ذات الأبعاد المختلفة والمعقدة ، والتي تحتاج المزيد من الدراسة والتمعن نظرا لعمقها والحاجة إليها في كل شيء من الحياة الفردية وحتى آخر نقطة في إدارة العالم بل وتطوير هذه المعارف والدراسات لتكون أكثر عمقا وتشاركية من أجل تحويل تلك القابلية في الفرد إلى مهارات وخبرات تنفع الناس وتمكث في الأرض، في هذا الإطار يأتي هذا المساق الموسوم بعنوان :" فن القيادة " وهو المساق الثاني من سلسلة مساقات لإنتاج وبناء وتشارك المعارف حول مبادئ الحوكمة يشرف عليها معهد الفضاء المدني استمر هذا المساق لثمان ( ( 8 أسابيع متتالية أي في الفترة مابين : 28 أغسطس ( (8 إلى21 أكتوبر (10 ) 2018 .

كانت رحلة معرفية ممتعه استطعنا فيها – بفضل المقررات ومشاركات الرواد والرائدات ومداخلات المسيرين_ فهم الجوانب المتعلقة بتأسيس وتشكيل عوالم القطاع الثالث والوعي بالتحديات والعقبات التي تواجهها مؤسساته بدءا بالتكوين مرور بالحق في مزاولة العمال وليس انتهاء بــ " معركة الحصول على الموارد".

إن الوعي بالدور الريادي للقطاع الثالث كجزء من ركائز أساسية للمجتمع يعد التحدي الأول في فهم ما نحن بصدد تأكيده في الأسطر القادمة من هذا المقال فمن خلال هذا الوعي نستطيع فهم ذات الإنسان والبعد الحقيقي لإيمانه بالقضايا ومناصرته لحقوقه الكونية التي يشترك فيها كل البشر على وجه الأرض وهي الحقوق التي تكفلها كل الدساتير والديانات.

وجود الفرد مكسب وبدون هذا القطاع لا يجد الفرد ذاته في إطار تفاعلي تشاركي يستطيع المبادرة ويخلق التغيير وبدونه لا تنمية إذ التنمية الواعية لابد لها من ركائز أربع هي : التشاركية ، الاستدامة ، الإنتاجية، العدالة الاجتماعية .ومكن إعطاء هذه المعاني مجتمعة من خلال إشراك القطاع الثالث فهو الشريك الأول لكل تنمية واعية تسعى لخلق فضاء تشاركي بين مختلف الميادين الحيوية في المجتمع .

إن بناء الذات يتطلب استثمارا لها وهذه الذات تحتاج قيادة تعطي للإنسان الثقة فــ " القائد الجيد يلهم الناس ليثقوا به ، أما القائد العظيم ، فإنه يلهم الناس ليثقوا بأنفسهم" كما أنه بناء مؤسسة قطاع ثالث يتطلب الاعتماد على استراتيجيه فعالة تماما كما يفعل سرب الأوز يتقدم مجتمعا وفي حال سقط أحدها يتطوع اثنان منها لمساعدته إذا تعب القائد يتيح المجال لغيره لمواصلة المسير " الحرص على المصلحة العامة " " وعدم التشبث بالمصالح الذاتية " والزهد في القيادة " العمل على تماسك الفريق من أجل بقائه جميعا وليس استغلال الفريق من أجل بقاء الفرد" .

إضافة إلى ذلك هناك المقدرات الهائلة للتنظيمات الجمعوية سواء كانت مقدرات مادية أو مقدرات بشرية يمكن استغلالها للحصول على أعلى مراتب النجاح في المبادرات والمشاريع التي يكون القطاع الثالث شريكا فيها نظرا لحيوية وفاعلية القوى الفاعلة في هذا القطاع ومرونته وقابلية أساليبها لتقبل الأفكار الإبداعية والتي تسعى للحل المباشر للمشاكل التي تعاني منها المجتمعات المحلية .

كما مررنا من خلال هذا المساق على كيفية الحصول على الموارد والتجارب المطبقة في هذا المجال وهي تجارب إن طبقت في عالمنا العربي سيكون له كبير أثر على واقع التنظيمات الجمعوية وفرص تطويرها وحصولها على موارد جديدة. إن قادة القطاع الثالث يجب أن يبحثوا عن الفرص ويقتنصوها وتكون هناك متابعة حقيقية لجمع كل الفرص المتاحة وتقديم مشاريع مقنعة من أجل الحصول على الموارد التي تمكنهم من تطبيق البرامج والأفكار التي تعينهم على تغيير واقع مجتمعاتهم المحلية مع ضمانهم للشفافية داخل مؤسساتهم .

ختاما إن أردت وصف ما تعلمته في هذا المساق في جمل أقول إنه كان عبارة عن فهم لتطوير سلوك من مبادرة إلى مؤسسة جمعوية من خلال القائد الذي هو أساس النجاح .

الحسن محمد ، رائد في الفضاء المدني