جميلٌ أن يحلل الإنسان كل شيء يراه في حياته إلى أن يصل لنتائج تعينه على فهم الحياة و الناس بشكل أعمق و أدق ، فقد سمعنا أن كل شيء في هذا العالم مصنوع بحكمة ربانية لكن هل أدركنا هذا المعنى ووعيناه أم حفظنا هذا الكلام كلقلقة لسانٍ لا أكثر كسائر الآيات و الأحاديث و المقولات التي نحفظها عن ظهر قلب لكنا لا نطبق منها إلا القليل فقط ، ومن هذا المقام أريد مشاركتكم واحدة من الأمور الصغيرة التي لاحظتها بعد أن آمنت بأن لكل حدثٍ سبب خفيٌ ورائه مهما كان صغيراً ، وأدعوكم لأن تقوموا بهذا و مع مرور الوقت ستلاحظون زيادة في مستوى الوعي و الإدراك لديكم .
يعتقد الكثير منا بأن الإنسان المعاون هو من يقوم بالعديد من المساعدات و بتقديم العون للآخرين مادياً و معنوياً و هذا صحيح بالفعل ، لكن عندما تأملت قليلاً بهذه الفكرة وجدت أن هناك ما هو أعمق من ذلك و لا تدركه الغالبية ، وجدت أن قيمة المساعدة لا يجب أن تقاس بعدد المرات و إنما يجب أن تقاس من منظورٍ آخر و هو ما سأذكره حالاً ، الجانب الذي يجب أن ننظر له هو في مساحة الرفض و القبول ، فأنا أرى أنه كلما زادت مساحة الرفض لدى الفرد زادت قيمة معونته ، سأطرح مثال يوضح هذه الجملة .
عندما يَطلب منك أحد الأصدقاء المساعدة أياً كان نوعها هنا غالباً ما تقوم بمساعدته لكي لا تُحرج معه أو تقدم له العون لأنك تعلم بأنه سيمدحك أمام الآخرين ، في هذه الحالة تكون مساحة الرفض ضيقة لوجود هذه الإعتبارات و لهذه الحواجز لكن بالمقابل عندما يُطلب منك العون ممن تكون قادراً على رفض طلبهم دون وجود إحراج معهم كالأخ أو الزوجة أو الأم لعدم وجود الحواجز التي توجد مع غيرهم ، و تبادر بالعون دون إكراه منك و تأفف و بدون إجبار منهم عليك و تساعدهم بكل رضاً تام هنا بالذات تكون قيمة المعونة عالية جداً ، لأن مساحة الرفض لديك عالية جداً فلا وجود هنا للإعتبارات و للحواجز التي تحول بينك وبينهم .
لذلك لا تستغرب عندما ترى الكثير من الأطفال الذين لا يطيعون أوامر والديهم ، و لا تتعجب عندما تشاهد الشاب متساعد في مجتمعه لكنه على العكس مع أهله ، و لا تُدهش عندما ترى الزوج في خدمة أصدقائه و هو لا يتحمل مسؤولية تربية أطفاله و المشاكل التي يعانون منها بل و يرمي كل هذه المسؤوليات على زوجته و يتركها تعاني لوحدها بالرغم من أن المسؤولية تقع على الطرفين ، كل هذه الظواهر موجودة لأن المنطلق خاطئ ، فالمساعدة لا تأتي من منطلق المساعدة بذاتها بل تدخل فيها اعتبارات كثيرة أدت لانحراف هذه العملية عن مسارها الصحيح .
عمار محمد
-
Ammarعمار محمد علي ، طالب جامعي محب للعلم