بيانست (5) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بيانست (5)

عندما نقتل البراءة بكل حب ..

  نشر في 12 يونيو 2019 .

ما إستمتعنا به من قبل لا يمكن أن ننساه أبدا .. فكل ما نحبه بعمق يوما ما يصبح جزءا منا

                                                        (هيلين كيلر)

What you have once enjoyed you can never lose .. All that we love deeply becomes a part of us

                                                          (Helen Keller)

                                                       -اسمي رهف-

                     سبعة آلاف و ثمانمائة و أربع و ثلاثون يوما على الأرض ..

1) التجربة ..

كيف و متى تذكرت أين رأت وجه (مصطفى) من قبل و لماذا كان مألوفا لها طوال الوقت !! .. لا تعرف .. كانت في (كافيه) بجوار المعهد تتناول كوبا من القهوة و تقرأ كتابا كعادتها مؤخرا بعد أن إستبدلت بالكتب مشغل الموسيقى الذي كان لا يفارقها .. لكن هذه المرة كان الكتاب يلعب كمرآة لأفكارها و خواطرها .. رغما عنها كانت ترى على صفحة الكتاب التي لم تتعداها منذ جلست تحتسي قهوتها ملامح (مصطفى) .. طريقته و هو يلمس طرف نظارته قبل أن يتحدث .. خجله الشديد الذي يتعدى حياء العذارى .. تعبيرات وجهه و جسده الصادقة دوما .. عندما قفز فجأة حلمها الغريب إلى رأسها .. إنه هو .. زائر حلمها الغريب الذي حاولت تذكر ملامحه مرارا ففشلت من قبل .. كانت ملامحه في الحلم لازالت محجوبة عن عقلها كأنها تراها من وراء حجاب رقيق لم يلبث أن تمزق و إنزاح تماما لتغزو ملامحه ذاكرتها بقوة .. في البداية تعجبت بأن تحلم به من قبل أن تراه و بالأخص و هي في معاناتها هذه .. نعم هو أعاد اليها شيئا كانت قد نسيته تقريبا طوال العامين الماضيين .. أعاد لها أملا بأن تُمارس شغفها المتبقي لها .. لكن كيف حلمت به من قبل أن تراه ؟؟ كيف كان يجلس وسط الجمهور يشاهدها و ينظر إليها بفخر .. نعم بفخر !! .. لا تنكر أنها الآن تشعر بإعجاب نحوه .. حب !!؟؟ .. قلبها لم يعد به موضع خالي لأحد أخر بعد (عمر) .. نعم هي ترتاح للجلوس معه و تميل إلى صحبته .. إرتياحها إليه يشبه سماعها لمعزوفة خلابة تدفع البسمة إلى شفتيها .. أما (عمر) فقد كان هو الإلهام الذي أبدع تلك المعزوفة .. تميل إليه كما تميل إلى زهرة بارعة الجمال .. لكن (عمر) هو الشمس التي جعلتها تنبت و تزهر ..

أخرجها من خواطرها و أفكارها إهتزاز هاتفها المحمول فإلتفتت إليه لتجد إسم (مصطفى) يعلو شاشته .. موعد تجربتهم الحقيقية الآن .. أخذت نفسا عميقا و لملمت أشيائها و جدت في السير تجاه المعهد لتجده منتظرا لها مبتسما كعادته في قاعة الپيانو .. هذه المرة كان هناك مقعد يشبه ما جلست عليه لمدة أربعة أيام و لكنه مغطى بغطاء جلدي أسود به ثقوب في ثمان أماكن مختلفة و أمامه كان هناك جهاز يشبه ال(أورج) (Keyboard) و لكنه متعدد المفاتيح كمفاتيح الپيانو و عدة أسلاك تخرج من مؤخرته تختفي تحت المقعد .. القاعة كالمعتاد تزدحم بالطاقم الذي يعمل معه و بمديرة المعهد و ببعض العازفين و ب …. (خلود) .. لم تصدق عينيها أول الأمر حين رأتها لم تصدق نفسها عندما غابت في حضنها لعدة دقائق تبلل قميصها بدموعها و مخاطها .. لم تصدق إلا عندما أمسكت (خلود) برأسها مجففة لدموعها بيديها و مقبلة لوجنتيها قبل أن تقول بصوت سمعته في رأسها و قرأت كلماته بعينيها

- وحشتيني يا (فيفي)

- و انتي أكتر يا (خلود) وحشتيني أوي .. و مفتقداك أوي أوي .. -لاتزال عاجزة عن إيقاف دموعها-

- حقك عليا .. دايماً بجيلك متأخرة .. بس بيتهيألي لو جيت متأخرة أحسن من مفيش -قالتها مبتسمة-

أومأت (فرح) برأسها أينعم و هي تحاول الإبتسام لها بالمقابل .. (خلود) هنا .. نسمة هواء رطبة منعشة برائحة النعناع في يوم شديد الحر .. كانت (خلود) قد عادت مع زوجها للأبد إلى مصر .. أصبحت (دكتورة) في المعهد العالي للموسيقى (الكونسيرفتوار) تدرس لطلاب المعهد الپيانو لكنها لم تقابل في آلاف الطلاب الذين قابلتهم من يحمل نصف موهبة أو قدرات (فرح) .. ظلت (فرح) هي معجزتها التي لا تتكرر .. في حين إنضم (محمود) إلى أوركسترا القاهرة السيمفوني كعازف رئيسي يعزف معهم في حفلات الأوبرا أو أحيانا يسافر معهم في جولات عالمية .. كان كلا منهما يحقق النجاح الشخصي في حياته العملية لكن لم ينجحا معا في توطيد زواجهما بإنجاب كائن يحمل چيناتهما ..

- هتفضلي المرة دي ؟؟

- دكتور (مصطفى) اتصل بيا في مصر و وفر كل شئ عشان أجي النهاردة و أحضر التجربة معاك ..

نظرت (فرح) نحوه مبتسمة .. دامعة .. ممتنة .. فإستقبل نظرتها بنظرة خجولة إلى الأرض قبل أن يرفعها نحوها و يقول و هو ينظر للأرض ..

- جاهزة تبتدي التجربة الحقيقية ؟؟

أومأت برأسها له إيجابيا .. لمس طرف نظارته قبل أن يقول

- الجهاز ده يشبه إلى حد كبير الپيانو بس بالكهربا مش بالأوتار زي الپيانو العادي .. بيطلع صوت لينا و ذبذبات ليكي هتحسيها على الكرسي .. الجهاز إسمه (ڨايبروكورد) (Vibrochord) .. عاوزك تجربي تعزفي أي لحن يجي على دماغك دلوقتي .. المطلوب إنك تحسي باللحن اللي هتعزفيه بنفسك المرة دي زي ما حسيتي و عرفتي الألحان الأيام اللي فاتت

متوترة جلست على المقعد .. كان ناعم الملمس و ليس مثل السابق التي جلست عليه عدة أيام .. أخذت نفسا عميقا قبل أن تختبر مفاتيح الجهاز أمامها بعدة نقرات بعثت كل منها ذبذبة مختلفة أحستها خلف ظهرها .. إستحضرت في عقلها لحنا ثم بدأت العزف .. لعبة ربط المفاتيح بالنغمات إستبدلتها بربط المفاتيح بالذبذبات .. و في عقلها بدأت تحول كل نغمة إلى ذبذبة تضربها على الجهاز قبل أن تشعر بها .. في البداية كانت الذبذبات صعبة المنال كأنها تحاول الإمساك بالهواء عن طريق شبكة صيد .. لم تشعر بإنسجام الذبذبات في عقلها فتوقفت و رفعت يديها عن مفاتيح الجهاز و نظرت إليهم بعجز .. نظر إليها (مصطفى) و (خلود) مشجعين و رأت الكلمات مرسومة على شفاههم

- حاولي تاني ..!!

أخذت نفسا عميقا أخر و حاولت مرة أخرى .. لم تشعر بالإنسجام .. المزيد من نظرات التشجيع من الجميع حولها .. حاولت .. فشلت .. بدأت دموعها تنزل .. الأمل ينزف منها في سكون و هم لا يرونه .. قلبها ينبض بعنف محاولا إزاحتها عن المقعد لتعلن إستسلامها و تعود إلى الروتين الذي كانت قد بدأت تعتاده قبل أن يظهر (مصطفى) .. الأمل الذي أعاده (مصطفى) محاصر في متاهة مغلقة من اليأس .. كيف فكرت أنها قد تنجح في الهروب من اليأس و متاهاته؟؟ .. فجأة أحست بيدين ناعمتين فوق يديها .. يدين تعرف ملمسهم جيدا .. نظرت فوقها لتجد (خلود) ورائها ممسكة بيدها كما فعلت منذ سبعة عشرة عاما في المدرسة .. لم تقاوم .. إستسلمت لحركة يديها كما فعلت من قبل .. وجدت طرف خيط (أريادني) (Ariadne) كما وجده (ثيسيوس) (Theseus) من قبل بعد أن قتل الميناتور (Minotaur) .. بعد أن قتل اليأس!! .. بدأت تشعر بالهدوء يعود إليها .. بدأت تتبع حركات (خلود) على الجهاز .. (خلود) تمسك بيدها لترشدها خارج قصر التيه (Labyrinth) .. أغلقت عينيها و هي تستشعر الذبذبات .. بدأت تشعر بالإنسجام معها .. الذبذبات تشكل اللحن في عقلها .. رغما عن دموعها إبتسمت .. إندمجت تماما في عزف المقطوعة و الشعور بالموسيقى ينساب عبرها .. تعيشها .. تتنفسها .. الذبذبات تنساب بنعومة عبر حبلها الشوكي و أعصاب ظهرها إلى عقلها راسمة إيقاعات اللحن .. لم تشعر عندما تركت (خلود) يديها و تسللت بهدوء بعيدا عنها و دموعها تنساب رغما عنها و هي تسمع موسيقى (فرح) مرة أخرى .. للعجب كان اللحن هو أول مقطوعة عزفاها معا منذ سبعة عشرة عاما .. عندما إنتهت (فرح) من المقطوعة فتحت عينيها و نظرت فوقها لتنظر إلى (خلود) لتجد أنها تحدق في سقف القاعة .. نظرت حولها فوجدت (خلود) تقف بعيدا و تبكي .. (مصطفى) ينظر لها بفخر .. الطاقم يصفق في إيقاع صامت و إن أحست بحماسته .. إبتسمت و دمعت في نفس الوقت .. لقد كانت تعزف وحيدة .. و بكل فخر .. كان الإيقاع منسجما …


                             أربعة آلاف و ثمانمائة و تسعون يوما على الأرض ..

2) المشاغبة الصغيرة ..

إختلفت (رهف) عن (فرح) في كل شئ منذ صغرها .. عندما بدأت تدرك الأشياء حولها لاحظت أن أختها بعيدة طوال الوقت في عالم لوحدها .. لا تلعب معها و لا تشاركها اللعب مع الأطفال الأخرين .. أمها تعتمد عليها أكثر من (فرح) مما جعلها تشعر بالتذمر و الغضب لعدم مشاركة (فرح) معها أى مسئولية .. و أحزنها و ضايقها أكثر ما تشعر به من إهتمام أمها المبالغ ب(فرح) عنها .. نعم أمها لم تحرمها حنانا أو حقا لكنها كانت تعطي (فرح) أكثر .. دائما أكثر .. دخلت المدرسة بعد أختها لتفاجئ بأن الجميع يتعامل مع أختها الكبرى على أنها (متخلفة عقليا) لم تفهم معنى الكلمة و إن شعرت أنها صفة تحمل إهانة لإنعزال (فرح) في عالمها ..

شعرت أن الجميع يراقبوها ليروا إن كانت مثل أختها أم لا .. و لكنها ردت ظنونهم و لم يجدوا عليها ما يشبه من بعيد حتى حالة أختها .. لم تكن متفوقة .. فقط لأنها تكره الإلتزام و النظام الذي يضعه الأخرون لها .. متى تلعب .. متى تأكل .. متى تستمع إلى الدرس .. عرف عنها أنها ذكية لكن مشاغبة .. حقيقة هذا لم يضايق المعلمون لأنها على الأقل تمتلك عقلا يمكن ترويضه و ليست بلا أمل كأختها.

على الرغم من سنوات عمرها السبع إشتهرت بالتحدي .. تحدت فتيات أكبر منها سنا و حجما في صراعات الأطفال و العجيب أنها فازت في بعض تلك الجولات ليكون مكافأتها الذهاب إلى مكتب المديرة تتلقى لوما و تقريعا و إن كانت تشعر بعدم جديته .. كأن لسان حالهم يقول بأنه يكفي وجود فرد في العائلة مصدر سخرية و حفلات الأطفال السادية فلتكن الأخرى على الأقل ذات شخصية و تستطيع الدفاع عن نفسها و أختها .. إشتهرت بسرعة بديهتها و ردودها الساخرة المضحكة .. تضحك المعلمين قبل الأطفال حولها .. لم يستطيع احد ان يتحداها في أي مشادة كلامية لأنها كانت ستجعل منه مثال للتهكم بعد إضحاك الأخرين عليه .. و لكن عند محاولة بعض الطلاب و الطالبات إثارة غيظها بذكر أختها بسوء كانت تقفز عليهم مهما كان حجمهم و عمرهم لتعمل فيهم أسنانها و أظافرها كقطة ثائرة و لا يوقف المذبحة إلا أن يحملها أحد المعلمين حملا من رقبتها إلى مكتب المديرة .. و للحق فهي لم تتشاجر من أجل أختها و لكنها كانت تتشاجر لإحساسها بأن الإهانة موجهة لها بذكرهم ل(فرح) .. حتى بدأت (فرح) في التغير و بدأت تسمع في المنزل والدتها تحكي عن (فرح) بفخر و المعلمين في المدرسة مندهشون من تغيرها .. و أصبحت في فترة عام حديث المدرسة .. منذ مجئ معلمة الموسيقى و أختها تغيرت .. نعم لا زالت لا تلعب معها أو تشاركها أي نشاط لكنها شعرت بتغير عام في شخصيتها و أسلوبها .. و كان العجب العجاب بالنسبة لها عندما بدأ المعلمون يتحدثون عنها و هم يتمنون أن تكون فقط نصف أختها الكبري !!! كانت تشعر بأن كلامهم مزحة سخيفة .. فجأة أصبحوا يتمنوا أن تكون مثل أختها بعد أن تنفسوا الصعداء من قبل لأنها ليست مثلها.

لم تزدها تلك المقارنة المفاجئة إلا سخرية و عنادا .. أصبح لسانها لاذعا أكثر من قبل و أصبحت أكثر فظاظة في تقبل النقد من الأخرين .. بدأت تكبر (رهف) لتعرف أن أختها ذات موهبة (خارقة) في الموسيقى و عزف الپيانو و أنها أصبحت محط أنظار الكثيرين في المدرسة .. بل و الصحافة .. شعرت بالغيرة تشتعل بداخلها .. عقلها متهكما يخبرها أنها دائما المركز الثاني بعد فرح .. عندما كانت (عبيطة المدرسة) كانت تلقى إهتماما أكثر من أمها .. و عندما أصبحت متفوقة أصبحت أيضا تلقى إهتماما أكثر .. حاولت الانضمام لفريق المدرسة الموسيقي ففشلت .. كونت (شلتها) الخاصة التي كانت هي زعيمتهم المتوجة بإعتبارها أقواهم شخصية و أجرأهم و أخفهم ظلا .. قبل أن تفتتح المدرسة ملعبا للتنس كتقليد تم تعميمه على كل المدارس الوطنية لتشجيع الرياضة في ذلك البلد العربي .. إنضمت لفريق الطلاب الذين رغبوا في تجربة اللعبة في سن التاسعة .. إنضمت لأنها كانت تحاول التفوق في أي شئ يلفت الأنظار إليها كما خطفتها (فرح) من قبل .. و على الرغم من كبر سنها نسبيا على ممارسة الرياضة .. إلا أنها فوجئت أنها تستطيع إجادة اللعبة كأنها خرجت من رحم أمها لاعبة تنس .. لاحظ معلم الرياضة نفس الملحوظة فقدمها إلى البطولة المحلية لتخسر في العام الأول .. لم تستسلم و إستمرت تتابع التدريب في المدرسة و حتى في الأجازة الصيفية لتنجح العام التالي في حصد المسابقة ثم لثلاثة أعوام تالية إلتحقت خلالهم بأحد الأندية المحلية الذين أعجبوا بمهارتها في اللعبة و روحها القتالية فضموها إلى فريق الناشئين قبل أن تظهر و تلمع بشدة بين لاعبي الفريق و تمثل إسم النادي في العديد من المسابقات المحلية لتفوز بهم جميعا..

كانت و (فرح) تسيران على خطى النجاح بسرعة .. لكن بلا أي إتصال بينهما .. أختها أتخذت من معلمتها (خلود) صديقة و أخت و إستمرت بعيدة عنها و عن أمها .. و هي تقربت من أمها و من كل شخص أخر و لكن لم تتقرب من (فرح) ولا عالمها .. فجأة تم الإتصال المفقود و إستطاعت (رهف) إلتقاط موجات (فرح) .. كانت في ذلك اليوم تتدرب و العرق و الألم يغلفان جسدها .. ملابسها مبتلة و ملتصقة بجسدها الذي بدأت معالمه تتغير عضليا و أنثويا .. الألم الذي أحست به لم يختلف عن الألم الناتج من إرهاق عضلاتها في التدريب .. البلل الناتج إمتزج بالعرق المتغلغل في ملابسها .. فقط .. أذاع رداء التنس الأبيض الحدث حصريا أمام الجميع .. أوقف مدربها التدريبات و أشار إلى إحدى المشرفات و تحدث معها بحديث قصير نظرت على أثره إلى (رهف) و إحمرت وجنتاها و سارت نحو (رهف) لتسحبها من ذراعها خارج الملعب كأنها قبضت عليها بالجرم المشهود .. جرم البلوغ أثناء التدريبات!! .. ذهبت بها إلى غرفة تغيير الملابس وسط ضحكات و غمزات من بعض اللاعبات الأخريات .. لم تجزع (رهف) .. كانت تعرف من بعض صديقاتها المحيطين بها في شلتها عن تلك الخطوة في حياتها .. بهدوء ظاهر و بركان يتفجر تحت سطحه غيرت ملابسها .. ضحكات و غمزات اللاعبات الأخريات جعلها تلوم و تعاتب جسدها بغضب صامت لأنه غدر بها أمام الأخريات .. طبيعتها البركانية الثائرة جعلها تخرج من غرفة تغيير الملابس رافعة إصبعها الأوسط لمن ضحك و تغامز عليها فلوث و صبغ الذهول وجوههم جميعا باللون الأحمر ثم خفضته قبل أن يلحظه أحد من المشرفين أو المدرب و على وجهها برزت إبتسامة ساخرة .. ذهبت إلى المنزل و دخلت نكدة المزاج و القلب على أمها التي تعجبت عودتها من التدريب مبكرا

- خير يا (رهف) في حاجة يا حبيبتي ؟؟ جاية بدري ليه ؟؟

نظرت إليها (رهف) في ضيق قبل أن تقول في لهجة هي خليط من الجرأة و و السخرية و العصبية:

- مفيش .. مبروك بقي عندك عروستين النهاردة !!

نظرت إليها أمها للحظة مقطبة حاجبيها بدهشة قبل أن تدرك مقصدها و تضحك و تقول:

- ما شاء الله عليكي يا حبيبتي .. انتي عارفة ال...

قاطعتها (رهف) في نفس النبرة الصوتية:

- عارفة .. عارفة يا ماما .. عارفة كل حاجة من زمان اللي لا انتي و لا أختي إهتميتوا تعرفوهالي !!

- هه .. يا حبيبتي أنا و الله .. مش قصدي .. لكن ماعرفتش أفتح معاك الكلام ازاي .. حتى أختك اللي عرفتها (خلود) مش أنا و الله ..

ضحكت (رهف) في سخرية قبل أن تقول:

- المفروض أنا كدة أنبسط إن في واحدة أسمها المفروض أختي عايشة حياتها بعيد عننا مع حد تاني و انتي ماعندكيش مشكلة في ده .. أنا كنت لما بسأل البنات بتعرفوا الحاجات دي إزاي اللي تقولي من ماما و اللي تقولي من أختي و مش عايزة أقولك منين تاني عشان ماتتخضيش .. لكن أنا .. لا حس و لا خبر .. كأني أصلا عايشة يتيمة !!

نظرت إليها أمها في لوم و ظهرت في عينيها دمعتان قبل أن تستدير و تذهب إلى حجرتها و تغلق ورائها الباب بعنف.

ظلت (رهف) واقفة في مكانها تعيد ما قالته في ذهنها .. هي حقيقة لا تشعر بالغضب من أمها و لا من أختها .. مصدر غضبها الحقيقي كان سخرية الأخرين منها .. مصدر غضبها كان جرأة أحدهم على السخرية منها .. مصدر غضبها كان .. أنها لا تعلم حقيقة لما هي غاضبة حقا!!!! .. نعم هي تعاملت مع سخرية الأخريات .. و لكنها لا زالت تشعر ببركان غضبها الذي لم يهدأ بعد و حمم اللافا التي مازالت تذيب أعصابها .. و لكنها .. مع ذلك الغضب الثائر .. أحست بالذنب لهروب أمها لحجرتها .. لم يخطر ببالها يوما أن تحرق أمها بثورتها .. تنهدت تنهيدة رفعت حرارة غرفة المعيشة إلى 220 درجة من الغضب و الغيظ و ذهبت إلى غرفة أمها و طرقت على الباب .. فتحت الباب عندما لم تتلقى ردا لتجد أمها محتضنة صورة لأبيها -الذي لا تعرفه الا من الصور- و تبكي بلا إنقطاع .. خنجر ثلجي حاد بارد الأطراف إخترق قلبها فجمد نهر الحمم الثائر .. جلست بجانب أمها على الفراش و احتضنت بيديها اليسرى ظهرها قبل أن تقول و هي تقاوم هروبها و الكلمات تتعثر على شفتيها .. لم تعتاد طوال سنوات عمرها أن تعتذر لأحدهم .. كبريائها يدفعها دفعا لترك الحجرة و لكن قلبها أخذ يجلدها جلدا بإحساس الذنب ممزقا كبريائها ..

- أنا .. أنااا … أنا أسفة يا ماما ..

قالتها و لهثت و العرق غمر جبهتها و جيدها .. الحجرة أصبحت حارة لا تطاق .. أخذت نفسا حارا ألهب الكلمات التي خرجت بعدها

- و الله ما قصدي ازعلك .. بس أنا كان نفسي ألاقيكي جنبي في موقف زي ده .. أنا ما أقصدش كلمة يتيمة دي ..

قالت أمها في وسط دموعها:

- أنا مش عارفة أعمل إيه .. أنا بحاول معاكم باللي أقدر عليه .. أختك كانت حالتها صعبة .. أنا ماكنتش طبيعية بعد وفاة أبوكي الله يرحمه و أختك يا حبة عيني إتأثرت بده لغاية لما ما إبتدت ترجع طبيعية على إيدين (خلود) أنا مش هاممني حاجة غير أنها تفضل عايشة طبيعية و ماترجعش للي كانت فيه .. انتي كنتي صغيرة ما تدريش بالحالة اللي كانت عليها .. كانت صعبة صعبة صعبة صعبة

قالت الكلمة الأخيرة و هي تهز رأسها يمينا و يسارا و تغلق عينيها في ألم كأنها تحاول طرد صورة (فرح) في ذلك اليوم من ذهنها .. جاهدت (رهف) لتلتقط أنفاسها و بكاء أمها يرفع حرارة الحجرة من حولها .. بدأت بنفور تفكر في كلام والدتها .. قبل أن يتحول النفور إلى تململ .. ثم يتحول التململ إلى حيرة .. على الرغم من مشاغبتها و سخريتها اللاذعة طوال الوقت إلا أن ما حدث و ما قيل قد مهد طريقا داخل عقلها جعلها تغمض عينيها لوهلة و تأخذ نفسا عميقا قبل أن تقبل رأس أمها و تريحه على كتفها و تربت على شعرها و على ظهرها .. لأول مرة تشعر بالشفقة على أمها .. لأول مرة تفهم أن أمها كانت تلعب معهم دورا لا تجيده .. هي ليست قوية الشخصية و ليست قادرة حتى على أن تتظاهر بهذا الدور .. لأول مرة يكون عقلها صورة حقيقية عما يحدث .. أمها لم تتعمد أن تضعها في المركز الثاني .. أمها لم تتعمد الإعتماد عليها .. أمها مسيرة .. أمها ممثلة أسندوا إليها دور البطولة في مسرحية لشكسبير (Shakespear) دون أن تعلم الأحداث أو الحوار أو حتى تتدرب عليه .. طفل رضيع ألقوه في البحر و طالبوه بعبوره سباحة!! .. شعرت بالشفقة عليها .. شعرت بمدى التخبط الذي عاشته و تعيشه والدتها .. أدركت في تلك اللحظة أنها مطالبة أن تكون المسئولة عن الجميع في هذا المنزل .. هي الأقوى شخصية و الأوعى من جارتيها الأخريتين في تلك الشقة الصغيرة .. حان الوقت لشخص يستطيع القيادة أن يتولى سلامة تلك السفينة الصغيرة في مهب الرياح و الأمواج .. نظرت إلى صورة والدها التي في حضن أمها .. من الآن ستتولى مقاليد الأمور في المنزل كوريثته الشرعية و المستحقة الوحيدة لهذا المنصب .. و على أمها أن تعتزل ملعب الحياة إلى الأبد .. حانت ساعة الصفر و بدء الإنقلاب ..


3) التغيير ..

إستمرت (رهف) في التربيت على ظهر أمها و شعرها حتى نامت أمها على صدرها .. أسندت رأسها برفق إلى الوسادة و دثرتها بالغطاء قبل أن تترك الغرفة و تخرج لتجلس في غرفتها تفكر .. مرت ساعة و هي جالسة في مكانها تفكر في ما حدث .. أمها المنهارة .. أختها التي تعيش في عالم أخر .. أباها الذي لم تراه إلا محاطا بإطار خشبي مزخرف .. أفكار و مشاعر مختلفة تزاحمت و إندفعت بداخلها في تلك الساعة .. حزن .. غضب .. قلق .. طفلة في الثانية عشرة من عمرها قد عبرت للتو الخط الفاصل بين الطفولة و المراهقة .. كانت تعرف من زميلاتها اللاتي كن يحكين لها كل شئ باعتبارها (الزعيمة) عن تفاصيل ما تواجهه الآن .. تغير المزاج .. ألم في منطقة الحوض .. و الأهم مشاعرها المختلطة .. بعنادها المعتاد قررت أن تتحكم في كل ما يحدث لها .. ستتعلم كيف تتحكم في تغير المزاج .. ستسيطر على اختلاط المشاعر و ستتعلم أن تعيش مع آلامها .. لوحدها .. ألا يتحمل الأب كل الآلام من أجل أسرته؟؟ .. هي ستكون مثل أبيها الذي لم تراه .. أحست بالرثاء لنفسها و هي تفكر في أنها ستتنازل عن طفولتها و مشاعر المراهقة لتكون الأب و رب المنزل فظهرت في عينيها دمعة .. أنبئها عقلها على أن هذا الرثاء و ما سواه من المشاعر المتضاربة هو من نتاج مراهقتها التي بدأت تعلن عن نفسها .. فتحت فمها في صرخة عالية لم تتعدى صدرها و كتمتها بداخلها لكي لا تسمعها أمها أو أحد .. صرخت صرختها المكتومة و جسدها ينتفض غضبا و مرارة .. طعنت بقبضة يدها اليمنى مكان الألم في منطقة الحوض بعدة طعنات جعلت عيناها تنزفان دموعا حارة من الألم .. لهثت و شعرت بقطرات العرق على وجهها تختلط بدموعها المنهمرة .. بكت لفترة ثم توقفت و مسحت عينيها بعنف .. ليست ضعيفة و لا فتاة .. أنها رجل البيت .. أخذت تردد في غل بصوت هامس

- انتي راجل البيت .. انتي راجل البيت .. انتي .. راجل .. البيت !!!!

قامت من جلستها و إتجهت إلى الحمام .. نظرت إلى غرفة أمها التي مازال بابها موصدا .. دخلت إلى الحمام و مسحت آثار جريمة قتل الطفلة التي فعلتها منذ دقائق عن وجهها .. خرجت من الحمام و أخذت تتنفس في عمق .. سمعت صوت المفتاح يوضع في الباب الخارجي و بصوت خطوات .. عرفت أنها (فرح) .. قررت بدء أولى مهامها كقائد لهذا المنزل .. تنهدت ثم رسمت إبتسامة على وجهها راجعتها في المرآة قبل أن تسرع إلى (فرح) لتلحقها قبل أن تنفصل عنهم كالمعتاد في حجراتها .. رأتها (فرح) فابتسمت و أمسكت بمقبض باب غرفتها لتفتحه فقالت (رهف) في سرعة:

- يااااه .. هو انتي احلويتي كدة إمتى ؟؟

نظرت (فرح) متعجبة إلى (رهف) التي وقفت مستندة إلى الحائط و عاقدة ذراعيها أمام صدرها و تبتسم في مودة .. إبتسمت بخجل و هزت رأسها و هي تقول عبارات مبهمة فضحكت (رهف) و قالت:

- أنا مش بعاكس على فكرة .. بس فعلا أول مرة أخد بالي إن أختي بالحلاوة دى

ضحكت (فرح) هذه المرة و إحمرت وجنتاها خجلا و قالت بصوت أعلى هذه المرة:

- و الله عمري ما أخدت بالي من ده أنا كمان .......

تركت (رهف) الحائط و تحركت نحو أختها و احتضنتها بقوة .. إحتضنتها و هي تشعر بحاجتها هي نفسها إلى ذلك الحضن .. إحتضنتها بقوة آملة أن توحد ذبذبات و دقات قلبيهما حين يتلامسان .. وقفت (فرح) مذهولة لوهلة قبل أن ترفع يديها و تضعهما حول كتفي (رهف) ببطئ محتضنة إياها .. حاول عقلها فهم ما يحدث و لكن عجزعلى إستيعاب تلك المشاعر الفجائية و ذلك التغيير في حين قالت (رهف):

- مش عارفة ليه عمرنا ما قربنا من بعض يا (فرح) بس حاسة النهاردة إني نفسي نقرب من بعض و نبقى أصحاب .. نفسي أقدر أدخل حياتك

- .................

- دايما بسمع في المدرسة عن (فرح) الموهوبة الفنانة .. و المشكلة أنهم مصرين على كدة فأكيد عندهم حق ..

- إبتعدت برأسها إلى الوراء لتنظر إلى (فرح) قبل أن تكمل مبتسمة و مازحة:

- و لا إيه ؟؟

ضحكت (فرح) و لم ترد .. لم تتعود على هذا الكم من المشاعر و الكلام المباشر لها .. الأمر ابسط مع (خلود) و لكن هنا تشعر بمشكلة في التعبير .. و لكن ذلك لم يوقف (رهف) إستمرت في الكلام مع (فرح) و دخلت معها غرفتها و جلست و أجلستها على فراش (فرح) و إستمرت تتكلم و تمزح و (فرح) تلين و تتبسط .. و عندما طرقت أمهما الحجرة عليهما بعد أن قامت من نومها و سمعت صوت الضحكات و الحديث .. كانت (رهف) إستطاعت إقتحام عالم (فرح) المغلق لأول مرة منذ ولادتهما ..

منذ ذلك اليوم و (رهف) أصبحت تتقرب من أمها و (فرح) أصبحت تحضر حفلات (فرح) في المعهد و جرتها جرا إلى حضور مباريات التنس و على الرغم من أن (فرح) كانت لا تتابع بشغف أو تنتبه كثيرا إلى ما تفعله (رهف) لكن كانت (رهف) تكتفي بأنها تزيل الحواجز بين البحرين ليبغيان .. أصرت على أن يتناولوا الغذاء يوميا معا على مائدة واحدة و نجحت في الأمر بقوة شخصيتها و خفة ظلها و عنادها و إصرارها على (فرح) .. حتى أنها كانت تؤجل موعد الغذاء إذا تأخرت (فرح) لأي سبب من الأسباب .. و مع مرور الوقت فرضت التجمع على الوجبات الثلاث و إنصاع كل من أمها و أختها لإرادتها .. تفتتح المواضيع على مائدة الطعام و تثير بمزاحها الضحك .. أصرت على عمل حفل لعيد ميلاد (فرح) قامت بكل التجهيزات و تعليق الزينات و دعوة أصدقائها و (خلود) .. قسمت يومها بين جمع أسرتها و القيام بدور الأب و الدراسة و إن كانت لا تولي الجزء الأخير إهتماما كبيرا .. تدريبات و مباريات التنس التي برعت فيها حتى حصدت بنهاية العام البطولة المحلية للناشئات .. حولت غضبها الذي لم يهدأ يوما تحت السطح الهادئ المرح لوقود عضوي أوكتان ١٠٠ يدفع محركات ساقيها .. صرخات ضغطها النفسي مزجته بضربات مضربها -شكل مصدر إلهام جديد ل(فرح) دون أن تعرف- .. تطحن الهواء بأسنانها طحناً و هي تحاول تحطيم الكرة في الهواء بمضربها فتفر الكرة مذعورة بعيدا عنها متحاشية مضرب الخصم كي لا يعيدها إلى شعلة الغضب المتحركة .. انفتحت لها (فرح) بعد نهاية العام و بدأت تشعر معها ما تشعره مع (خلود) .. و عندما غابت (خلود) عن (فرح) لوفاة والدها أولا و زواجها ثانيا بذلت (رهف) مجهودا إضافيا و جبارا لكي تعوض (فرح) ما تحتاجه .. و في مقابل ذلك المجهود المضاعف كانت تزداد غضبا و سرعة و قوة في رياضتها جعلها مرشحة لتلعب على المستوى الدولي و بالفعل بدأت اللعب في سن الخامسة عشرة في المسابقات الدولية للناشئات .. أثارت الإعجاب بقوتها و سرعتها و تصميمها .. و في نفس العام كانت (فرح) تعزف الپيانو في المسابقة الدولية ب(سيدني) .. لمع إسميهما بعد تلك السنة .. (رهف) كلاعبة ذات مهارة و قوة و روح قتالية و (فرح) بفوزها كأصغر عازفة في تاريخ المسابقة الدولية .. في السادسة عشر كانت (رهف) في (كندا) تلعب في البطولة المفتوحة للناشئات عندما قابلت (مارك) .. رأها تلعب في البطولة و نالت إعجابه بمهارتها و تصميمها .. كان مكتشف للمواهب لإحدى الوكالات الرياضية في بريطانيا يبحث بحث تجار الرقيق في أسواق النخاسة عن اللاعبين و اللاعبات الموهوبين الصغار .. يشتروا حرياتهم تحت غطاء من الرعاية المادية و الرياضية .. ثم يتم تسويقهم كأي سلعة تحترم نفسها لجني الأرباح .. يتم تحويل اللاعب من هاو حر إلى محترف .. عبد مقيد بسلاسل الشهرة و طوق الأموال و قيود النجومية .. عبد مهمته أن يحقق أرباحا تذهب نسبة لا بأس بها منها للوكالة الرياضية .. تواصل مع مدربها و طلب التحدث إليها و إلى إدارة النادي .. تمت المراسلات و وجدت (رهف) نفسها تسافر إلى (إنجلترا) لخوض بعض الاختبارات لضمان أن (المنتج) موافق لمواصفات و طلبات الجودة و أن (الجارية الحسناء) مصدر مستحق للاستثمار .. مكالمة دولية شرحت فيها كل شئ لأمها و تحدثت مع (فرح) بمرح تخبرها بانها أصبحت سلعة عالمية مطلوبة .. تخطت الاختبارات بكفاءة سكين حاد ساخن يمر في منتصف قطعة من الزبد و تم التواصل مع النادي الذي تلعب له و مع أمها بإعتبارها الواصية عليها لتوقيع صك إحتكار لموهبتها .. تغيرت الأمور بعد ذلك ل(رهف) و الأسرة .. أصبحت (رهف) تمارس اللعبة بشكل أكبر و أقوى و أشركتها الوكالة في بطولات الناشئين المؤهلة لبطولات المحترفين المحدودة لجني بعض الأرباح مقدمين لها بعض المعسكرات و تعيين مدرب محترف ليساعدها .. لعبت لمدة عام في البطولات المؤهلة قضت خلالها حوالي ستة أشهر بعيد عن عائلتها إلا أنها كانت كأى رب أسرة تحرص على التواصل اليومي بالهاتف .. أنهت العام الأول بالمركز الثاني مما اتاح لها المشاركة في بعض بطولات المحترفين ذات القيم المادية .. فازت بإثنين منهما متفوقة على عدد من اللاعبات المحترفات و غير المصنفات عالميا مما أكد على نظرة الوكالة لها كمصدر إستثمار .. إستمرت في اللعب للناشئات حتى أتمت الثامنة عشرة ثم أصبحت رسميا تلعب في بطولات المحترفين العالمية .. ظهر إسمها في العديد من الصحف العالمية و هم يتحدثوا عن النيزك القادم من العالم العربي ليدخل في جداول التصنيفات العالمية كلاعبة تنس محترفة قوية جميلة صغيرة السن .. و خلال كل ذلك النجاح التي كانت تحصده كانت (فرح) على الناحية الأخرى تحصد الأنظار كموهبة في عالم الموسيقى .. كانت (رهف) تمارس دور الأب الذي قررته منذ ستة سنوات بنجاح .. أصبحت مصدر دخل للأسرة .. تقوم برعاية و توفير حاجات أختها و أمها و حمايتهم إذا استدعى الأمر .. حب ؟؟ .. للأسف على الرغم من المشاعر التي حملتها (رهف) بداخلها كفتاة لأكثر من رجل ظهر في حياتها و شعرت بهم يبادلونها نفس المشاعر إلا أنها كانت سرعان ما تعيد تقييم توجهاتها و مشاعرها .. تضم ضلوعها إلى بعضها البعض حتى لا تترك بينهم فراغا تتسلل عبره المشاعر إلى قلبها .. تبتر المشاعر و هي ما زالت وليدة في قلبها بعملية جراحية لا مخدر فيها و لا شفقة على نفسها ثم تطلق آلام عملية البتر بمزيد من التدريبات و الانغماس مع أسرتها .. أصبحت تتصرف كالآلة خارج أسرتها و بمنتهى الحب و الحنان داخل جدران بيتها .. كل من تعامل معها بالخارج كانوا يتحدثون عن قوة شخصيتها و برودها العاطفي الذي يصل إلى حد التجمد المخيف الذي يفرون منه فرارا .. على الرغم من ذلك كانت لخفة ظلها و الكاريزما التي تنبعث من شخصيتها و جمالها الشكلي و الجسدي مصدر لتدفق لعاب الرجال و لهاثهم خلفها و قلوبهم تخفق بقوة .. إلا انها صدت كل ذلك في قسوة حتى ظهرت شائعات بأنها مثلية الجنس كارهة للرجال .. روج لهذا كثير من الرجال أحرقهم أنها صدتهم ببساطة .. تجاهلت هذه الشائعات و لم ترفع إصبعها الأوسط لهم هذه المرة كما فعلت مع زميلات التدريب من قبل .. و إن زادت من حنقها و غضبها .. حتى قابلت (چوناثان) ..

كانت تلعب في بطولة (أمريكا) المفتوحة مبارة مع مصنفة أعلى منها في أواخر العشرينات و (رهف) كانت قد بلغت التاسعة عشرة منذ أسابيع قليلة .. لهثت اللاعبة المصنفة و هي تحاول ملاحقة ذلك الشهاب المتحرك أمامها و الذي لا يكف عن امطارها بوابل من الطلقات جعلها تدرك بمرارة هزيمتها خاصة بعد فوز (رهف) بمجموعة و الاقتراب من حسم المجموعة الثانية .. في إحدى اللعبات قرب النهاية حاصرت (رهف) اللاعبة المنافسة بعد أن اقتربت من الشبكة الفاصلة .. فما كان من المنافسة إلا أن ردت الكرة بقوة في صدر (رهف) غيظا و قلة حيلة زادهما إحساسها المرير بالهزيمة .. سقطت (رهف) على أثرها على الأرض متألمة و صارخة من الألم الحارق في صدرها .. اعتبر الحكم ذلك سوء سلوك رياضي متعمد أنهى على أثره المبارة بفوز (رهف) .. نقلت (رهف) إلى مستشفى (كويينز) متألمة و كلاعبة محترفة دولية تم معاملتها معاملة خاصة .. أولوية و سرعة في عمل الأشعة سرعان ما وجدت نفسها في جناح فاخر و معها مندوبة الوكالة الألمانية المرافقة التي أخذت تمزح بشكل مبالغ فيه و هي تضحك ضحكات مفتعلة مؤدية دورها الرئيسي في رعاية إحدى إستثماراتهم قبل أن تتركها و تخرج لتتحدث في هاتفها مع شخص ما بالألمانية تنهدت (رهف) و هي تمسك بموضع الاصابة شاعرة بآلام بالغة .. عضت على شفتها السفلى ألما و هي تعمل بجهد لتجفيف أي دمعة تحاول الخروج من عينيها من منبعها .. رجل البيت لا يبكي .. كذا قالت لنفسها و هي تتحامل على آلامها ثم سمعت طرقات على باب جناحها قبل أن ينفتح الباب و تنحبس أنفاسها .. دخل رجل وسيم الملامح كممثلي السينما الأمريكية .. طويل القامة ذو عينين زرقاوين ثاقبتين .. يرتدي عطرا (كما يقال بالإنجليزية) أدار رأس (رهف) .. المعطف الأبيض عليه يحمل بطاقة تعريف بإسم دكتور (چوناثان تشابمان) و معه ممرضة لاتينية أمريكية .. ابتسم في وجهها و هو يقول عبارات مرحة على غرار كيف حال بطلتنا الجميلة .. و بعض عبارات الترحيب الرسمية بصوته القوي و هو يطالع الأشعة و التقارير الملحقة .. في أواخر العشرينات أو أوائل الثلاثينات يكبرها بعشرة أعوام على الأقل .. لم يكن أكثر من رأت جاذبية و لا وسامة لكن بشكل عام كانت هيئته باعثة للاعجاب حتى إنه حبس أنفاسها لأول وهلة .. لا بد أنه يثير مشاعر المريضات و الممرضات و الطبيبات بمجرد مروره أمامهم .. طلبت منها الممرضة كشف موضع الاصابة و ساعدتها على ازاحة رداء المستشفى الخفيف الذي ترتديه عن صدرها .. مال (چوناثان) عليها يفحص موضع الاصابة التي كانت واضحة و ظاهرة فوق بشرتها البيضاء و على الرغم من أنه كان يتصرف بحرفية مهنية تماما إلا أنها شعرت بقلبها ينبض بعنف و بخجل شديد جاهدت كي لا يقفز أثره إلى وجنتيها فوجهت وجهها بعيداً عنه متظاهرة بالألم .. لأول مرة تستشعر لمسات رجل لجسدها و تشعر بنبضات كهربائية موضع كل لمسة فعضت على شفتيها لتكتم إياها قبل أن تفضحها .. لقد فحصها أطباء رجال من قبل في العديد من الاختبارات و الإصابات إلا أنها لم تعرف سببا يجعل لمساته هذه المرة تخطف أنفاسها و تثير فيها أحاسيس لم تتصور يوما أنها قد تشعر بها .. إنتهى من الفحص فاستطاعت أخيرا إلتقاط أنفاسها و إرتداء ملابسها .. أخبرها أنه لا توجد كسور فقط كدمة شديدة تحتاج إلى بعض المراهم المعالجة للكدمات و المخدر .. أعطى للممرضة بعض التعليمات ثم تركها و خرج بعد أن ودعها تاركا خلفه رائحته اللعينة التي جعلت الحجرة تدور حولها حرفيا ..

قضت (رهف) ليلتها رغما عنها تتذكر ملامحه و ابتسامته و حتى طريقته العملية في التعامل معها .. لا تزال رائحة المطهر الذي عقم به يده قبل فحصها على جلدها .. شعره الأسود الفاحم كالليل الحالك .. زرقة السماء بلا سحاب في عينيه .. تبتسم .. تهز رأسها و تقطب حاجبيها .. تلهث في نشوة لتذكر لمساته .. تقرص أعلى فخذها الأيمن معاقبة نفسها على هذا الشعور .. لفت خصلة من شعرها بأصبع السبابة و هي تبتسم لخيال تراه أمامها .. تشده لتؤلم فروة رأسها طاردة ذلك الخيال .. قضت الليلة في تلك المشاعر المتناقضة حتى وضعت الوسادة على وجهها كاتمة أنفاسها و موجهه طعنات لرأسها من فوق الوسادة و لم تتوقف عن الطعنات حتى أحست بإنهاك جعل عينيها تنغلقان في نوم بلا أحلام .. في اليوم التالي ذهبت و استكملت مبارياتها و تحاملت على نفسها مع ألام الكدمة و استطاعت بمشقة استهلكت بها كل ذرة قتالية في جسدها أن تفوز بالمبارة و تصل إلى الدور قبل النهائي .. ذهبت إلى المؤتمر الصحفي بعد المبارة و جلست تمازح الصحفيين و تثير ضحكاتهم عندما يترك لها مدربها و وكيلتها الألمانية الفرصة للكلام .. ثم رأته هناك واقفا بين الصحفيين ملوحا لها بيده .. إبتسمت في حرج و إرتبكت قليلا قبل أن تلف خصلة من شعرها حول سبابتها و تنهي المؤتمر.. سحبها المدرب و الوكيلة إلى الفندق فتبعتهما فاقدة الإحساس تتذكر وجهه و إبتسامته و يده تلوح لها .. و في بهو الفندق وجدته جالسا يشرب القهوة مع لاعبة أمريكية شقراء جارتها في الفندق و في نفس الطابق بل و الحجرة المجاورة لها أيضا .. إحدى المصنفات العشر الأوائل و وصلت إلى الدور قبل النهائي مثلها وإن كانت ستلعب مباراتها مع لاعبة أخرى .. تجاهلته و هي تتجه إلى المصعد و لكنها سمعت إسمها ينطقه لسان ذكوري غربي .. التفتت لتجده يلوح لها بيده و كذلك الشقراء فلوحت لهما بالمقابل قبل ان يشيرا لها بأن تنضم إليهما .. وقفت مترددة لثانية قبل أن ترسم على وجهها إبتسامة مشرقة و تذهب إليهما .. صافحتها الامريكية بقوة كأنها تختبرقوتها اذا اضطرا للعب معا و قابلت هي ذلك بقوة و نظرة متحدية ثم مدت يدها لتصافحه فأحست للمرة الثانية بقلبها يرتجف للمسته .. طلبا منها الجلوس معهما فجلست و هي تحاول أن تستعيد رباطة جأشها و شخصيتها القوية .. لا تدري لماذا و لكنها كانت تشعر امامه بضعف لا تعرف له سببا .. استنتجت أنه و اللاعبة الأمريكية معا (couple) غير متزوجين و لا مخطوبين و لكن هذا ليس بغريب في المجتمعات الغربية و هي عرفت تلك الحقيقة منذ فترة و اعتبرتها من تقاليدهم التي لا تعنيها و تجاهلتها .. دار الحديث على البطولة و اصابتها و تصرف اللاعبة غير الأخلاقي و عن بلدها الشرقي و عن بلدهم الغربي .. كان يتمتع بسحر خاص في حديثه و خفة ظل جعلتها تضحك بقوة آلمت كدمتها بشدة .. و هي إستطاعت ايضا بخفة ظلها جذب ناصية الحديث منه عدة مرات .. شعرت بأنهما على نفس الموجة و أن تلك الشقراء الأمريكية لا تنتمي إلى ذلك الانسجام الظاهر بينهما .. شعرت في عينيه بما أحسته في أعين غيره من إنبهار بكاريزمتها و قوة شخصيتها و خفة ظلها و جمالها .. و إن كان قد أخفاه سريعا إحتراما لفتاته الجالسة بجانبه و التي بدأت تشعر بان تلك السمراء القادمة من وراء المحيط تحبس أنفاس حبيبها فقامت من مكانها معلنة عن حاجتها للذهاب إلى مكان ما طالبه منه أنه يرافقها و مادة يدها إلى (رهف) مودعة إياها في غضب مكتوم .. وقفت (رهف) بثقة و سلمت عليها بهدوء مشوب بالتحدي في حين مد (چوناثان) يده و هو ينظر في عينيها مباشرة فمدت يدها تسلم عليه ناظرة في عينيه لم تلبث أن التفتت بعينيها ناحية المصعد كانها تبحث عن شئ عندما احست بارتجاف قلبها المعتاد عند ملامسة يده و خوفها من أن تكشف عينيه الثاقبتين ذلك .. أعطتهم ظهرها و أسرعت الخطى إلى المصعد قبل أن تضغط على زر المصعد إلتفتت ورائها تنظر اليهم فوجدته يمشي بجوار الأمريكية الشقراء و يدير برأسه يلتفت ناحيتها.

                                                                ********

وقفت (رهف) متأهبة لتلقي إرسال اللاعبة المنافسة .. عضلات ساقيها المشدودتان تظهران من تحت تنورتها الرياضية القصيرة و نظرات العزم و التصميم التي تميزت به .. تعض على شفتيها السفلى مثلما تفعل دائما كلما أرادت التركيز على أمر ما .. أطلقت اللاعبة الأمريكية السمراء المنافسة الكرة بقوة و كزناد بندقية قنص تحركت (رهف) لترد الكرة بقوة و دقة .. عجزت اللاعبة السمراء عن اللحاق بها .. أنهت (رهف) المبارة بتلك النقطة و قفزت بعدها فرحا في الهواء قبل أن تذهب لتسلم على اللاعبة المنافسة .. خرجت من الملعب تتراقص فرحة و هي لا تصدق وصولها إلى نهائي إحدى بطولات الجراند سلام العالمية .. تصفيق متواصل من الوكيلة الألمانية و المدرب .. أخذت كرة من الكرات و أطلقتها عاليا ليلتقطها أحد من الجمهور ..و فجأة .. رأته وسط الحاضرين في الصفوف الأمامية يصفق بحرارة و هو يبتسم إبتسامته الجذابة الساحرة .. الطبيب الوسيم يشاهدها و لا يشاهد حبيبته الشقراء ؟؟ .. سارت بخطى مسرعة إلى غرفة تغيير الملابس لتستعد للمؤتمر الصحفي و بجوارها الوكيلة .. سألتها عما حدث في المبارة الأخرى فأخبرتها و هي تكتب شئ ما على هاتفها بأن الشقراء خسرت في المجموعة الأولى بعد أن التوى كاحلها و ذهبت إلى المستشفى لعجزها عن إكمال المباراة .. هزت (رهف) رأسها و التساؤلات تدور في ذهنها حول الطبيب الذي ترك حبيبته ليأتي ليشجعها ؟؟ .. اللعين!!

توجهت إلى غرفة تغيير الملابس و انسلت من قميصها الرياضي ثم وقفت أمام المرآة .. أخذت تتأمل صورتها في المرآة كأنها لأول مرة تكتشف أن لها جسدا .. جسد رياضي مشدود .. شاب .. نضر .. بشرة بيضاء خمرية تكسو عضلات من الصلب في ساقيها و ذراعيها .. عضلات بطنها الرياضية المقسمة إلى ٦ أجزاء (6 Packs) أضافت إلى جسدها جاذبية أنثوية .. لا تزال البقعة الزرقاء ظاهرة على ضلوعها تحت نهدها الأيسر .. لم تعد ترى الكدمة نتاج كرة حمقاء .. بل ترى فيها وجهه الوسيم و طوله الفارع و تشتم منها رائحة عطره المُخَدِّر .. أصبحت البقعة الداكنة تثير خيالاتها كلما لمستها أو نظرت إليها .. أحست بأنفاسها تلسع المرآة ببخار ماء حار .. أفكار ثائرة طافت برأسها جعلتها ترتجف .. مشاعر غريبة تنتابها للمرة الأولى في حياتها و تزيد من رجفاتها .. رفعت عينيها من على جسدها إلى عينيها فوجدت فيهما ما جعل وجنتيها تحمران خجلا .. وجدت فيهما ما لم تره الإ في الأفلام السينمائية (R Rate) .. صعقتها النظرة فعادت من تخيلاتها التي أضحت غير بريئة إلى أرض الواقع .. توجهت إلى حجرة الاستحمام و أغرقت خيالاتها تحت الماء المنهمر .. إرتدت ملابسها و توجهت إلى المؤتمر الصحفي لتجده مرة أخرى واقفا في الطريق يلوح بيده لها .. إستفزها هذا الأمر و هي تشعر أنه يتلاعب بها و دارت في رأسها أفكارا عما يرغبه منها .. لم تجد سوى أفكار تؤدي إلى الفراش و العلاقات المحرمة قد يرغب بها أمريكي منها خاصة و أن حبيبته ترقد في الفراش على بعد كيلومترات قليلة!! .. شعرت بغضب عارم نتيجة لتلك الأفكار دفعها إلى تجاهله و هي تخطو داخل القاعة المخصصة للمؤتمر الصحفي .. كانت على الرغم من فرحة الفوز التي تملأ جوانحها كانت تشعر بضيق بسبب إنصراف ذهنها إلى التفكير في (چوناثان) .. لماذا تشعر بإنجذاب ناحيته إلى هذا الحد ؟؟ كما قررت من قبل لا وقت و لا مكان لديها لحب أو قصص مع رجال ثانيا هو غير مسلم و هي مسلمة .. مثل هذه المشاعر لا يجب أن تشعر بها لغير مسلم .. و أخيرا .. و الأكثر قوة في رأيها أنه لديه حبيبة .. أمريكية مثله .. شقراء .. جميلة حقا .. ربما أجمل منها .. بالكاد إستطاعت أن تجيب الأسئلة الموجهة لها قبل أن تخرج و تتجه إلى الفندق .. بدأت تصفي عقلها إستعدادا للمبارة النهائية كما تعودت دائما أن تنحي أي شئ يشغل عقلها حتى تتفرغ للمبارة لكن رؤيتها له و هو ينتظر حبيبته في البهو جعلها تزفر في عصبية و تتجاهله و هي متجهة نحو المصعد في حين تركتها وكيلتها و إتجهت إلى البار

- (رهف) ..

عرفت صوته فإلتفتت بضيق نحوه إلا أنها إضطربت حين تلاقت عيناهما -اللعنة على هاتين العينين- لم تجب و لم تلقي تحية فقط نظرت إليه بصمت و وضعت علامة تساؤل على وجهها

- هاي .. كيف حالك ؟؟

- -ببرود لم تتعمده- مرهقة

- أرى ذلك .. هل لديك مانع للجلوس قليلا .. سيكون معي لوحدي لأن أختي غادرت الفندق بعد أن ودعت البطولة

- أختك ؟؟

- نعم .. (كريستي) .. من حسن حظي أن ذلك حدث و إلا كنت سأحتار من أشجع في المباراة النهائية غدا -قالها ضاحكا مازحا-..

- (كريستينا) أختك ؟؟

حدق في وجهها بدهشة قبل أن يبتسم برقة و هو يقول

- يبدو أنك مرهقة فعلا .. لأنك فقط ترددين نفس كلامي

أخذ عقل (رهف) يعمل سريعا و هي تحلل المعلومات الأخيرة في ذهنها .. أنه أخيها و ليسا صديقين كما ظنتهما .. أنه عقلها من صور لها أنهما صديقين .. هي فعلا لم تسمع تلك المعلومة منهما و لكنها بنت كل أرائها على ذلك .. و على الرغم من كل شئ .. إبتسمت في قرارة نفسها فرحة بذلك.


                         ثمانية آلاف و سبعمائة و أربع و سبعون يوما على الأرض ..

4) اسمي رهف ..

بعد أن ودعتهم و أخذت حقيبتها إستقلت المصعد إلى المدخل و منه إلى الطريق .. وضعت حقيبتها على المقعد الخلفي لسيارتها ثم دارت لتجلس على مقعد السائق .. لدقائق ظلت ممسكة بالمفتاح في يدها و هي تحدق في عجلة القيادة .. عقلها سريعا يسترجع الساعة الماضية و التراجيديا التي صاحبته من بكاء أمها و أختها .. لمدة سنتان الآن منذ فقدت (فرح) سمعها و هي تبذل ما هو أكثر من جهدها لتخرجها و أمها من العيش في تعاسة و أحزان .. لكن كلما مر الوقت أصبح التظاهر المستمر بالمرح يضغط على أعصابها أكثر و أكثر .. نعم هي رب المنزل و الأب و أصبحت هي مصدر الدخل الأساسي للعائلة .. و لا داعي للذكر أنهم أصبحوا في أريحية من المعيشة و سعة منذ أصبحت لاعبة تنس محترفة تكسب من المال ما يكفل لهم الأساسيات و الكماليات و ما سمح لها بتحمل تكاليف علاج أختها بالكامل و أكثر .. لكنها مرهقة مثقلة مستهلكة و حملها لا يكف عن استنزافها ببطء.. مشاعرها لم تعد ملكها لتحفل بها .. إنها تعيش فيهم و لهم منذ سنوات .. تنزف الحياة و المشاعر يوميا بلا انقطاع حتى أصبحت كذكر النحل الذي إنتهى من مهمته .. فجأة ثار البركان الذي لم يهدأ يوما بداخلها و أطلق حممه على عجلة القيادة في صورة ضربات بقبضتي يديها المضمومتين صبغتهما بزرقة جعلتها تصرخ ألما و غضبا .. بدأت تهدأ و هي تتنفس بسرعة بعد أن أدار الألم رأسها .. ربما عندما تذهب لرؤية (يحيى) في باريس ستشعر بالراحة معه و تلقي بعض من همومها عليه كما إعتادت .. كم تتمنى أن يتم زواجهما و يجتمعا معا لترتاح من الحياة المزدوجة التي تعيشها منذ مراهقتها و تعيش لنفسها أخيرا .. و خاصة أن (چوناثان) منذ أعلن إسلامه و غير إسمه إلى (يحيى) و تمت خطبتهما أخيرا و هو يستعجلها ليتم زفافهما .. زفرت في حرارة و أدارت محرك العربة و تحركت بها في شرود

... بييييييييييييييييييييب !! إإيييييييييييييئئئئئ.

..... إتسعت عيناها في هلع و وجه قلبها لكمة لضلوعها من الداخل ..

                                                            ********

كانا في (لندن) جميعا منذ عامين .. (فرح) العازفة الأسطورية (The Legendary Pianist) .. -كما كانت الصحف تصفها- .. تعزف في إحدى حفلاتها في قاعة أوبرا (لندن) الملكية (Royal Opera House) و هي كانت تقذف حصون بعض اللاعبات بكراتها في ملاعب (ويمبلدون) (Wimbledon) و أمهما لأول مرة منذ توفي زوجها تترك بيتها و البلد التي آوتها و بناتها طوال سنين و تأتي معهما إلى ذلك البلد الأوربي و (عمر) الذي وضع قيده الذهبي حول إصبع (فرح) قبل شهرين .. (فرح) ضيفة الشرف التي إمتلاءت القاعة على أخرها لمدة ثلاثة أيام قدمت فيهم ثلاث حفلات ليلية حضرها أمها و (عمر) و (رهف) و بكت أمها سعادة و فخرا و هي تسمع ضجيج التصفيق و التهليل الجنوني بعد إنتهاء العرض يوميا .. و في الصباح تنهك (رهف) سيقان و أذرع منافسيها و تلهب الهواء بداخل رئاتهن في محاولات دائمة لسحق مضاربهن و إغتيال الكرة في الهواء .. و استمرت بالعبور من دور إلى أخر و سط حضور (فرح) و (عمر) و أمها .. و (چوناثان) الذي كان يشاهدها منفردا ..

إنتهت الحفلة الأخيرة ل(فرح) و إنتهت (رهف) من الأدوار التمهيدية فخرج أربعتهم للعشاء معا .. تنسلت (فرح) من لقاءات و دعوات و تنسلت (رهف) من مدربها و وكيلتها .. وجودهما معا كان محط أنظار كل من بالمطعم .. عشرات الصور التقطت و مئات (الاتوجرافات) وقعت .. الضحك كان صافيا عاليا (رهف) لم تتوانى عن إطلاق إبداعاتها و أفاضت عليهم بمزحاتها و (عمر) كان كعادته قليل الكلام و لكن كلماته القليلة تفجر الدعابات و قلوبهم من الضحك .. لاحظت (رهف) نظرات (عمر) إلى إنجليزية حمراء الشعر و الوجنتين ترتدي فستانا جعلها هي نفسها تشعر بالخجل من النظر إليها و تجلس إلى البار تشرب كأسا يحتوي سائل ذهبي اللون .. لم يفت (رهف) أنها بادلت (عمر) النظرات بل و إبتسامات .. في حركة أرادت أن تبدو مزاحا لطمت ظهر يديه اليمنى بقوة آلمته و جعلته يجفل و هو ينظر إليها في حدة

- إخص عليكي يا (رهف) وجعتيه .. ليه كدة!

قالتها (فرح) التي لم تنتبه لنظرات (عمر) و ضربت كتف (رهف) في لين معاتبه و نظرت إليها أمها متعجبة في حين مسح هو بيده الأخرى على موضع اللطمة و لم يعلق بكلمة

- إيه يا جماعة مالكم .. (عمور) أول راجل يدخل العيلة من سنين لازم نختبر قوة تحمله .. ده لسة هنمَسِكُه السلك العريان

ضحكت (فرح) و أمها في حين إبتسم هو في هدوء قبل أن تعود عيناه إلى مراقبة حمراء الشعر .. نظرت (رهف) في ضيق إلي الصهباء و قبل أن تلقي تعليقا وجدت (چوناثان) جالسا مع أخته و أحدا ما على منضدة قريبة .. يجلس مع مرافقيه بجسده و موجها عقله و نظراته فوق (رهف) .. تلاقت عيناهما فإنصرفت بوجهها سريعا ناحية عائلتها ناسية سبب إلتفاتها .. قلبها دُهِسَ و سُحِقَ تحت ثقل نظراته التي لم تنقطع نحوها .. لم تعد تدقق مع (عمر) و هو يتبادل النظرات مع حمراء الشعر اللعينة .. فجأة وقفت و إستأذنت للذهاب لدورة المياه .. مرت بمائدتهم و هزت رأسها في سلام فأجابتها أخته الشقراء بضحكة ظاهرها الود و باطنها الشماتة و التشفي .. رأته يقف و يقول لهم شئ وسط نظرات أخته الحادة و الساخرة .. أحست بيده تمسك ذراعها اليمنى قبل أن تدلف إلى حمام السيدات .. نادلة سمراء فضولية مرت بهم فألقت نظرة عليهما قبل أن تتجاوزهما .. إلتفتت إليه و يدها لا شعوريا تتحرك نحو وجهه لتفجر الألم في خده الأيسر براحة كفها اليمنى ..

- كلب عاهر!!!

تقيئتها بغل و إشمئزاز و هي تكتم صرخة غضب كانت منطلقة معهما جعلتها تلهث .. سكبت حمض غلها عليه بصفعة أخرى .. لم يمسك يدها أو يمنعها من صفعه .. وقف ينظر إليها و عدسة شفافة من الدموع ملتصقة بعينيه .. دفنت قبضتيها في صدره عدة مرات تحاول انتزاع قلبه فصدتها ضلوعه و عضلات صدره الممشوقة و هو يقف ككيس الملاكمة لا يدافع عن نفسه .. آلمتها قبضتيها فتوقفت و هي تتحسسهما و جسدها يهتز إنفعالا من جهادها كي لا تبكي أمامه ..

- أنا آسف (رهف)

- (Son of Bitch) .. عاهر .. حقير ..

- أنا آسف (رهف) ..

لا تدري كيف و لا متى سمحت له بأن يحتضنها أو لماذا تركت رأسها يغوص في صدره .. لا تدري كيف استسلمت لملمس شفتيه على شفتيها و وهج أنفاسه على وجهها ..

- أرجوكي .. أرجوكي لا تتركيني .. أقتليني و لكن لا تتركيني .. أرجوكي

شفتيه تتوسلان فوق شفتيها و ذراعيه القويتان يطوقانها مقتحمين دفاعاتها و أسوارها .. صوته يذيب أعصابها و أنوثتها ..

- أحبك يا (رهف) أحبك .. حماقاتي و نزواتي تحت حذائك اسحقيهم كيفما شئتي .. إسحقيني أنا نفسي لا أبالي لكن لا تتركيني ..

كلماته أنهار من عسل مصفى و خمر لذة للشاربين ..

- قابليني بعد العشاء .. أرجوكي (رهف)

رائحة عطره اللعينة تملأ أنفها و صدرها فتأسرها و تسلب إرادتها .. أومأت برأسها و هي تتنفسه و تلهثه .. تركها بعد أن دغدغ أعصابها بقبلة امتص فيها رحيق شفتيها و ما تبقى من مقاومتها .. وقفت تلهث و ترتجف من الحر .. شاهدت النادلة السمراء تتأملها و تبتسم في خبث فنظرت إليها في ثبات و تحدي ثم بساقين رخوتين دلفت إلى دورة المياه .. نظرت إلى نفسها في المرآة بإرهاق و إشمئزاز .. تشمئز من ضعفها أمامه .. على الرغم من خطيئه في حقها إستسلمت له بلا أي مجهود .. إنهارت مقاومتها كإنهيار متاريس الألمان أمام السوفيت في حصار برلين .. واهنة .. ضعيفة .. غسلت وجهها غير مبالية بما سال على وجهها من ال(Eye Liner) .. مسحته بمنديل ورقي قبل أن تعيد ما فسد من مكياجها و قلبها يتواثب بين الفرحة و الضيق .. ستقابله بعد العشاء .. و لكن لا يجب أن تضعف أمامه كالمرات السابقة .. إبتعدت عن المرآة ملقية نظرة على كامل هندامها .. لا تصدق نفهسها أنها مازالت غارقة في حبه و لم تفعل أكثر من صفعه .. إنتهت و عادت إلى مائدة العشاء حاولت أن تكون كما بدأت و لكنها شعرت بثقل الدقائق .. مازال الوغد الجذاب جالس مع أخته و رفيقهما و لا زال يراقب كل خلجة و حركة و إبتسامة تخرج منها .. إنتهى العشاء فقاموا جميعا .. و قام (چوناثان) تاركا الشقراء مع المرافق و إتجه نحو الباب ..

- إرجعوا إنتو الفندق .. أنا لازم أقابل المدرب في الملعب .. بعتلي رسالة

- دلوقتي ؟؟

سألتها أمها في تعجب و (فرح) متعلقة بيد (عمر) وهو شارد النظرات و يداعب بيده شئ ما في جيبه

- عادي يا ست الحبايب مش هتأخر ..

- و هاتروحي الملعب بلبسك ده ؟؟

أشارت أمها إلى الفستان الأحمر الذي إنحصر عن ساقيها و ذراعيها و جيدها و منتصف ظهرها فابتسمت (رهف) قبل أن تجيب بسرعة:

- لبسي هناك يا ست الكل .. و إيه الحكاية خايفة على الفستان و لا خايفة عليا

- بس يا مجرمة

قالتها أمها و هي تضحك ثم تنظر إلى (فرح) و (عمر)

- يلا بينا يا عرسان .. (رهف) هتحصلنا

وقفت (رهف) على أطراف أصابعها حتى ركبوا جميعا في تاكسي و تحرك بهم ثم بدأت تشعر بالدماء تهرب من أطرافها و هي ترى العربة الحمراء الرياضية الأنيقة تقف أمامها و چوناثان على عجلة القيادة ينظر إليها مبتسما .. ذابت للحظة في عينيه قبل أن تقفز بجواره .. تلهث بردا لا تدري له سببا و قلبها ينبض أسرع من دورات محرك السيارة

- (رهف) ..

نظرت إليه و خانتها عيناها فأظهرتا مشاعرها و شبقها .. إلتقطه كعادته فمد يده خلف ظهرها و وضع راحة كفه على كتفها يقربها منه .. لم تقاوم و وجدت رأسها ساكنة على صدره ..

- أنا آسف .. كنت في حالة سُكْر و لم أعي ما أفعله

تنهدت بحرارة لفحت وجهه و صدره و جعلته يخفض رأسه ليقبل جبينها

- أعدك أن لا أقرب الخمر مرة أخرى ..

نظرت له بدهشة فرحة قبل أن تقول:

- من أجلي ؟؟

- من أجلك ..

- و ... و الدين ..؟؟

زفر في ضيق مخفي و صمت لوهلة قبل أن يقول:

- انتي تعرفين أني لا أؤمن بأي دين .. لا دين أبائي و لا أبائك .. و لكن من أجلك أفعل أي شئ ..

لم تتمالك نفسها فرفعت رأسها و هي تحرك يديها لتمسك جانبي رأسه و تقبل شفتيه في نهم .. إلتهم هو شفتيها قبل أن يدير رأسه لينظر إلي الطريق .. قاد السيارة لساعة أو أكثر في أنحاء لندن .. رأسها ساكن على صدره و أصابعها إنصهرت في تلاحم و تشابك مع أصابعه .. أوقف السيارة في مواقف أحد المقاهي (Cafes) و نظر لها .. لم تقاوم -كالمعتاد- .. لم تمنحه بوابتها المقدسة -كالمعتاد- .. و إن كانت -كالمعتاد- أعطته ما يجعله جائعا لها .. و يجعلها جائعة له!! .. كانت متيقنة أنه يعرف أنها لن تمنحه أكثر من هذا .. و أنه لا يمكن أن يصل إلى كامل جسدها إلا بطريقتها و التي تتضمن إسلامه و دبلتين و إعلان زواج .. و لم تعرف سببا يجعله يرغبها بهذه الشدة على الرغم من أنه لم ينل كامل متعته منها كما نالها من قبل ممن عرف قبلها .. و هي أيضا تخالف ما نشأت عليه و ما تعلمته من أمها و من مجتمعها الشرقي .. تثورأحيانا على نفسها لخروجها عن تقاليدها كل مرة لكن ما إن تراه تذوي ثورتها جانبا و تجد نفسها بين أحضانه و شفتيه .. ارتمت بجانبه على المقعد تلهث و تحاول السيطرة على النيران الملتهبة في دمائها و تعيد هندام ملابسها و هو جلس يلهث و يضحك .. ضحكت مع ضحكاته .. لم يقطع ضحكاتهم إلا رنين هاتفها المحمول بنغمة (Lady in Red) و إسم (فرح) يضيئ على شاشته و قبل أن تجيب أغلق هو الخط و سبق اعتراضها بقبلة جعلت رأسها تتوسد صدره .. حُبُه مخدر أدمنته و لا خلاص منه .. أخذ يداعب شعرها بيده و هو يقول

- لا زلت خائفة من أن تقودي سيارة ؟؟

ضحكت في غنج و دفنت وجهها في صدره و هي تومئ برأسها إيجابا .. ضحك على طريقتها قبل أن يترجل منها و يدور حول السيارة و يفتح بابها يزيحها بحزم لين نحو مقعد السائق

- (چوناثان) لا أرييييييد ..

- هيا (سندريلا) ..

قالها و هو ينحني عليها و يزلزل أطرافها بقبلة طرحتها على مقعد السائق قبل أن يركب على مقعدها .. هاتفها يرن في إصرار فمد يده و قطع الاتصال و هو يبتسم و يقول لها:

- لا إلهاءات .. ركزي في القيادة ..

أخذت نفسا عميقا قبل أن تبدأ قيادة السيارة .. إبتسامة على وجهها و شفتها السفلي بين أسنانها في دلال .. تحركت السيارة ببطء فصرخت مرحا و حماسا ..

- أسرع (سندريلا) .. أسرع

صرخت و هي تضغط على بدال الوقود فتسرع السيارة الرياضية في نعومة و تنطلق موازية لنهر التايمز (Thames River) .. الطريق شبه خال في هذا الوقت من الليل و نصف الأسبوع .. علا صراخها و ضحكاتهم على محاولات الاتصال المتكررة من (فرح) .. فجأة لمحت (عمر) .. بعيدا عن الفندق .. في سيارة مع حمراء الشعر .. يضحكان بشدة و يبدو مختلفا تماما عن هدوءه الذي إعتادته منه .. مرت بهما و لم يلمحها لإنشغاله .. شردت لثوان غير مصدقة ما رأت جعلت (چوناثان) يسألها

- (رهف) هل انتي بخير ؟؟

نظرت له و عقلها في عالم آخر قبل أن تنتبه للرنين الملح فرفعت الهاتف إلى أذنها و أجابت على الرغم من نظرة التحذير في عينيه

- ألو .. انتي فين يا (رهف) –بكاء و هلع-

- أيوه يا (فرح) مالك بتعيطي ليه ؟؟

قالتها في فزع و هي تنظر إلي (چوناثان) في لوم

- (عمر) مش لاقياه في أودته و ما بيردش على التليفون –بكاء بإنهيار-

شعرت بالغل يحرق صدرها و هي تسحق أسنانها و تجيب بصوت جاهدت ليبدو هادئاً

- إهدى إهدى أنا قريبة من الفندق .. دقايق و هكون عندك إستنيني و إهدي .. هو يعني (عمر) صغير ؟؟ هيكون فين يعني دي أول مرة يجي (لندن)

إهتزت من الغضب لإضطرارها أن تكذب من أجله .. حقير .. ستسحقه كما تسحق الحشرات!!

- أنا سبت ماما نايمة و نزلت أدور عليه جنب الفندق –بكاء و لهاث-

نظر إليها (چوناثان) في عدم فهم و هي تصرخ بالعربية في غضب و تكاد تحطم الهاتف بيدها من شدة الغضب

- انتي مجنونة ؟؟!! .. تنزلي ليه لوحدك في وقت زي ده .. إطلعي أودتك إستنيه أو إستنيني .. ما تقلقينيش عليكي .. انتي فين دلو ..

(چوناثان) يصرخ بأسمها و هي لا تعرف لماذا يصرخ

... بييييييييييييييييييييب !! إإيييييييييييييئئئئئ.

سمعت الصوت في الهاتف قبل أن تسمعه من السيارة نفسها .. إصطدام من الجانب الأيسر .. العربة تدور .. تصرخ .. العربة تصدم عربة أخرى ثم تقفز أعلى افريز الطريق قبل أن تصدم شئ ما فوقه بجانبها .. (چوناثان) يصرخ .. الهاتف وقع من يديها .. الكائن الحديدي يتوقف أخيرا .. تلهث غير مصدقة ما حدث .. مذهولة .. عاجزة عن النطق .. حزام الأمان و الوسادة الهوائية حماهما من الموت .. ما حدث في ثانية أو أقل بدا لها دهرا حين وقفت السيارة ..

- (رهف) ترجلي من السيارة فورا و إبتعدي .. لا تكوني بالجوار عندما تأتي الشرطة .. أنا سأتولى كل شئ

- ...... -صامتة ترتجف من الصدمة-

صفعة رقيقة على خدها الأيسر أعادتها إلى أرض الواقع

- لا وقت ترجلي الآن أرجوكي .. لا يجب أن تكوني هنا عندما تأتي الشرطة

قفز من السيارة .. الطريق شبه خالي .. سائق السيارة الأخرى لازال في سيارته .. أنزلها من السيارة و دفعها دفعا و هو يتلفت حوله .. مرتبكة غير قادرة علي التفكير . .عقلها يسبح في نيتروجين سائل جمده في ثوان .. سارت بقدمين مطاطيتين مبتعدة نحو الفندق .. لم يشاهدها أحد .. شخصان يجريان نحو الحادث و أحدهما يسألها ماذا حدث .. لم تجب .. وقفت عن بعد تراقب .. (چوناثان) يقف بجوار السيارة من ناحية السائق و يلهث .. ينظر إلى الجانب الأخر .. يبدو الفزع في حركته و يجري نحو افريز الطريق .. لا تستطيع أن ترى ما يجري نحوه .. شخص ما طلب الإسعاف .. صدرها يعلو و يهبط في عنف في محاولة مستميتة كي لا تنفجر بالبكاء .. (چوناثان) يضحي بنفسه من أجلها .. لم يفعل أحدا من أجلها شيئا منذ زمن بعييييد .. إعتادت العطاء حتى أنها تتعجب مذاق الأخذ الآن .. الإسعاف تصل و سيارتي شرطة .. (چوناثان) يقف و ينظر إليها بفزع .. الإسعاف تحمل جسدا و تضعه على المحفة

*تقفز عن إطار الطريق قبل أن تصدم شئ ما فوقه بجانبها ..*

لقد نسيت أنها إرتطمت بشئ ما .. هل قتلت أحدا ؟؟ أمسكت خديها بكفي يديها في فزع ..

فجأة تذكرت هاتفها و (فرح) ..

*سمعت الصوت في الهاتف قبل أن تسمعه من السيارة نفسها ..*

جرت مرة أخرى إلى مكان الحادث .. (چوناثان) لا زال ينظر لها بعينين زائغتين .. الظابط يوقفها و يسألها هل تعرف أحد .. راكبة السيارة الأخرى سليمة و تلتقط أنفاسها خارج السيارة .. (چوناثان) يتحدث مع ظابط و هو ينظر إليها و لعربة الإسعاف .. رأت دماء غزيرة على حافة الافريز .. الظابط يسألها .. تنظر إلى المحفة فترى (فرح) محمولة و المسعف يحاول إيقاف نزيف رأسها .. صرخت بأسمها و الدموع تجري من عينيها .. الظابط يخفض رأس (چوناثان) و هو يدخله سيارة الشرطة .. نظر إليها في حزن و هي تصرخ و قبضة الألم الثلجية تعتصر قلبها و عيناها معلقتان على (فرح) و المسعف يثبت قناع الأوكسجين على وجهها ..

                                                          *********

... بييييييييييييييييييييب !! إإيييييييييييييئئئئئ.

- Are you blind?? (هل انتي عمياء) ؟؟

توقف قلب (رهف) لوهلة قبل أن يعود إلي سابق دقاته عندما ضغطت بكامل قوتها على بدال الفرامل و توقفت العربة قبل أن يقع حادث الا أن ذلك لم يمنع سائق العربة الأخرى من توجيه هذه الملاحظة لها و يمضي في طريقه .. استردت انفاسها و راقبت الطريق جيدا قبل أن تعاود الانطلاق نحو تدريبها.


  • 1

   نشر في 12 يونيو 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا