الخوض في النفس
همومنا وتفاصيل الركام بداخلنا بمثابة عورات نصير مخطيئين إنْ ألقينا بها في غير موضعها
نشر في 07 ديسمبر 2018 .
بين الواقع والخيال خطوط تماس كثيرة، فالخيال هو الواقع الذي نتمناه في أوقات معيّنة، لاسيما إذا ضاق المُتَّسع، لكنّ أبواب الخيال موصودة في الغالب بمرارة الفشل، على الأقل حين لا يقبل القدر تحويله إلى واقع أو جزء منه.
عندما تصير شخصًا يميل إلى العزلة، ويُعالج الرُّكام بالوحدة، فإن مساحة الخيال تصير أكثر بمراحل من تلك الواقعية، ذلك أنّ الحديث الداخلي يتناسب طرديًا مع مساحة الابتعاد عن كل شخص، لا سوشيال ميديا، لا هاتف، لا أصدقاء، لا أهل، لا شيء على الإطلاق غير سلاسل متقاطعة من التكفير غير المجدي في أغلبه.
ترددتُ كثيرًا في الكتابة، رغم أنّها جزءٌ من متسع صار متاحًا أمامي خلال الفترة الأخيرة، غير أنّ رصّ الكلام وإن كان بشفرات غير مفهومة يزيد من مساحة اللاواقع، لاسما مع ميلي الدائم لترتيب الأفكار في إطار عكسي.
تدفق هائل من الأفكار التي تزيد سخونة الرأس، لماذا، كيف، متى، أين، يصير المستقبل، لا إجابات بقدر تزايد الأسئلة، لا قناعات بقدر اتساع مساحة الوهم، لا شيء يبقى ذا معنى أو قيمة، تصبح آلة الزمن مجرد استهلاك لأنفاس محسوبة.
واقعية التفكير يمكنها إنهاء الجدل الدائر في عقلي، لكنّ أي إنسان يُحاط بكمِّ من الضغوط ربما يترك لنفسه مساحة للخيال، على أقل تقدير يقضي دقائق خارج الواقع، ربما يؤمن بالخيال أو يعود لدائرته الكلاسيكية، بيدْ أنه سيعود محمّلاً بأثقال فشلٍ وهمي، نعم هو فشلٌ وهمي، ذلك أنّه لم يخضْ اختبارًا من الأساس، فقط رسم لنفسه حَلَبة صراع ذهني وختمها بخسارة عقلية، بينما لم يبرح مكانه.
الأكثر تأثيرًا هو أن أغلبَنا يجعل نفسه عُرضت لعمليات فشل وهمية طوال الوقت يدخل بنفسه في خيالات ويخرج خاوي الوفاض، حتى الأحلام الخرافية صارت شيئًا عبثيًا، هل الأمر بات نوعًا من الهروب، أم ضعفًا، أم استكانةً إلى الثبات العبثي أيضًا؟!، حتى هذه لا إجابات مقنعة لها، نعم (ضَعُفُوا واسْتَكانُوا)!.
أصبحت عصبيًا، متوترًا، خاملاً، طباعي الهادئة تزيد من اتساع دائرة الفراغ، وتتسارع آلة الزمن في أوقات الهدوء، بينما تتباطئ بقدر غير مفهوم مع لحظات الألم، الأغرب من ذلك أنّ مرات الإيماء بالرأس موافقًا أو مؤيدًا أو راضيًا بدأت تتزايد بشكل غير عادي، حتى صرت لا أفهمني، كيف تحوّلت من مجادلاً، مشاكسًا، راغبًا في إيضاح تفاصيل رأيه، إلى ذلك الشخص الذي يقطع أية محاولة للنقاش، أو حتى للدفاع عن النفس.
كررتُ مراحل الهروب، ابتعدتُ عن كل شيء بشكل مخيف لمن هم حولي، مُرْضٍ تمامًا لنفسي، يشفع ذلك عدد مرات الصدمات النفسية التي يتلقاها من يتناسب حجم الخجل لديه مع قلة مرات الطلب.
ذات مرة راودتني خاطرة دوّنتها عبر صفحتي على «فيسبوك»، مفاداها أنّ همومنا وتفاصيل الركام بداخلنا بمثابة عورات نصير مخطيئين إنْ ألقينا بها في غير موضعها، فكشفُها لمن لا يحفظها يضيف إليها رقمًا جديدًا، غير أنّ مستوى التلقائية ودرجات متفاوتة من الانخداع بالأشخاص جعلني لا أضع نصيحتي في عقلي.
لا أنكر أنني أخطأت مرات عديدة، في حق نفسي، وحق غيري، أو لم أكد على قدر من حسن الظن لدى آخرين، لكنَّ على أقله لم أكن متعمدًا اللكمات، بقدر ما كان الواقع ظالمًا لكِلاَنَا.
ربما تكون تلك التقديمة سطرًا لما أريد أن أدوِّنه خلال الفترة المقبلة عن مراحل عديدة طُويت صفحاتها سابقًا، تخوض بشكل أوسع في الذات، إن كان في العمر بقية.. طاب مساؤكم.
محمود غريب
التعليقات
#مقالتك اعجبتني
يسعد أوقاتك أحببت القراءة لك ، بالتوفيق .