فخ الامتنان - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

فخ الامتنان

  نشر في 20 شتنبر 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

إِذا أَنتَ أَكرَمتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ وَإِن أَنتَ أَكرَمتَ اللَئيمَ تَمَرَّدا

لا يخيفني عجز البيت، بقدر ما يرعبني صدره!

نعم، الشطر الأول هو مكمن الرعب الفعلي من التواءات الحياة وتقلبات الزمن، وليس ما تعلق بنُكران اللئيم وتمرده، فما دام اللئيم لئيما فلم العجب من ردة فعله؟!

ثمة فخ نصبه المتنبي بعناية في نهاية الصدر، عن قصد أو عن غير قصد، لا أ حد يدري، إنه فخ الامتنان المخيف الذي لخصه بكلمة جامعة وهي "ملكته".

المعنى الذي نتجاهله ونمرّ لنرصد لؤم اللئيم ونعرض به، دون أن ندري أن أسوء ما في الإكرام هو الامتنان، حين يخولك امتلاك الكريم والاستيلاء عليه لفظا ومعنى ان انت أكرمته، والامتلاك هنا يشمل كل المناحي من أشياء ومشاعر ونفس وحتى المواقف، وهو يحيل أيضا إلى السيطرة التامة والتحكم الكامل، وهنا تماما يكمن مربط الخوف ومبعث الرعب !

فالامتنان يرهن المُكرَم بكل متعلقاته لمن أكرمه، وبالتالي فهو بامتنانه ملزم وأحيانا مكره، وفي أحيان كثيرة هو أسير مسلوب الحرية والإرادة، خشية أن يصنف أخلاقيا في عجز البيت لا في صدره، فالامتنان إذا يولد حالة متقدمة جدا من الانتهاك للخصوصية الذاتية، وقد يخرج بالممتن ذاته عن الجادة والمروءة ولو بقدر قليل، بغية إرضاء المُكرِم ورد الجميل.

ولو أسقطنا ذات المعنى على أحوالنا في أعوامنا هذه، فالمعنى سيتجاوز مفردة " ملكته" بأشواط طويلة ، لِما ذاع في زماننا هذا من انتهاكات وُقعت باسم العرفان بالجميل و الامتنان والمنة، زمن تحول فيه الإكرام إلى مساومة رخيصة و استعباد ممض ، ومقايضة سافرة وقحة، وصفقات موقعة سلفا على بياض تشذ عن كل أعراف المروءة والكرم والفضيلة..

أعتقد أن هذا البيت هو ذاته فخ، فاللئيم ربما في تمرده رام حريته من استنزاف المنة ، وقد كان كريما من قبل فلم يُحترم امتنانه، والكريم في البيت ربما هو إمعة متملق تابع لا كرامة له ولا شخصية، يستمرئ الذل ويخوض الصفقات متسلقا وصاعدا نحو مجد موهوم أو هابطا نحو شهوة زائلة..ومن يدري؟!

وقد نأخذ الامتنان بشقه الأخلاقي الإلزامي، ويبقى مع ذلك  مسؤولية تثقل الكاهل وتهد الظهر، ويبقى الممتن رهنا لمكرمه حتى يرد جميله، أسيرا في مواقفه، متحرزا في أحكامه، يشفق أن يؤذي من تفضل عليه ولو بسوء فهم أو عن غير قصد.. 

عموما ، كثيرة هي فخاخ المتنبي وكثيرون هم الواقعون فيها !


  • 8

   نشر في 20 شتنبر 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

حقيقة اول مرة انظر الي هذه المقولة بهذا الشكل
فدائما من نستشهد بنهايتها حين نكرم شخصا ما وينقلب علينا فنذكر هذا البيت
شاكر ومقدر لي فاطمة على لفت انتباهي الي صدر البيت لقد افادنى مقالك هذا في فهم كثير خفى عنى مع الكرماء
1
Ahmed Tolba منذ 6 سنة
اذا كان لاحد علي جميل وكان لديه شيئ يمكن ان اساعده فيه دون ان اسلك مسلك سيئ فما المانع اما لو كان العكس ففي هذه الحاله لم تكن جميل وانما كانت رشوه ومطلوب سداد ثمنها
2
فاطمة بولعنان
في هذا الزمن لم يعد هناك جميل .. كلها رشوات مقدمة .. إلا القليل الشاذ
Ahmed Tolba
وهذا القليل هو الذى يبقى للحياه بعضا من الجمال
Salsabil Djaou منذ 6 سنة
صاحبة المقال ذكية اول ما يتبادر الى الذهن،لغتك سليمة ومقالك جيد بالتوفيق
1
لم تخيبي ظني فقد كنت على إيمان تام أن هذا الإنقطاع يكمن وراءه مقالاً يحمل فكر صحفية ذكية، تختار المواضيع بأعجوبة تستولي بها على عقل قارئ المقال ووجدانه ،فيحتار هل يترك تعليقاً حول فكرة المقال ،أم يصف الجمال الأدبي والبلاغي الذي قد اكتسى المقال واحدة من أبهى حلله ، مابرز لي من قرائتي لمقالك هو أنك تحملين تفكيراً منقطي ونقدي بدرجة متقدمة (ماشاء الله)، حاولت ألا أعلق على مقالك خشية أن امردغه في التراب وأنا أود أن اسمو بكِ وبما تكتبين ! اعذريني إن فعلت هذا بدون قصد ، أوافقكِ الرأي حول ماكتبتي هذا أيضاً يتفق مع المنهج القرآني ( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) فكثيراً مايخرج الامتنان من مضمونه الأخلاقي ، أود سؤالك هل تقصدين أن الامتنان يخرج بعض الشئ من صف التراحم القائم بين المُكرِم والمكرَم ، إلى صف التعاقد القائم على مصلحة بحته؟ رغم أن التراحم قد يحمل في طياته مصلحة أيضاً ،وكونك ذكرتي أن الامتنان يولد حالة متقدمة جداً من الانتهاك للخصوصية هذا ما أعتبره الكثيرون أن التراحم من يفعل ذلك !
هل الممتن يُعتبر واقع في فخ في كل أحواله، لأن كما هو متداول أن الممتن يقوم بهذا لرد الجميل، لا لشئ آخر من وجهة نظري؟ اعذريني على سؤالي فلم يبرز شئ في مقالك عن التراحم والتعاقد ، لكن فهذا فضولي دفعني لأن أسأل..

4
فاطمة بولعنان
سامحك الله يا يُسرى !
أولا تعلمين أن سؤال قارئ النص هو أجمل مجاملة للنص وكاتبه ؟ السؤال والمناقشة والنبش بالاستقصاء والتحقق هذه كلها تمد في عمر النص وتزيد فيه دون أن تنقص، سواء بالتبيان والتوضيح، أو بالتصحيح و التشذيب ، فاعتبريني قد وقعت في فخ الامتنان لك عن سؤالك الوجيه :)


بالنسبة لسؤالك، أخذت الامتنان من زاويتين، من زاوية الممتن الذي يلتزم بامتنانه من منطلق أخلاقي ويشق عليه ذلك ، ومن زاوية العقلية التعاقدية التي تسود مجتمعاتنا اليوم، فقد أصبح المرء يخاف أن يُكرم خشية أن يقع في فخ الابتزاز والاستنزاف..

واعتقد قطعا أن المُكرم في كلا الحالتين التراحم أو التعاقد هو واقع في فخ كما تفضلتِ، ففي الأولى الالتزام الأخلاقي يطوقه، وفي الثاني المصلحة والعلاقات المادية والنفعية تأسره ، فأين المفر؟

أقباس فخري
هو فخّ بالفعل، وقليل من ينتبه له. وأظنّ أن المتنبي كان يقصده لإحراج بعضهم: إن لم تكونوا لئاماً فاعطوني ما أسألكم عنه. كما لو كانت القضية من باب كرم الأخلاق. ورأيت بعضهم في عالمنا بالفعل يعتبرون المجاملة الفارغة من الأخلاق! فمثلاً يجاملك في مسألة وحين يجلس مع سواك يجامله في مسألة معاكسة!

أعجبتني لغتك القويمة، أختي. وأتشرف بإضافتك إلى قائمتي.
شيماء
ما أروع أن تعود إلى الموقع ليصادفك مقال رائع جميل ماتع كهذا...حيث الأفكار والمعاني تتماوج وتتنازع بسبب بيت واحد للمتنبي، أبدعتِ الكاتبة في تحليله ومناقشته، وأحسنت التحليق في سماء معانيه وظلاله وصوره، وكأني لأول مرة أقرأ بيت المتنبي وأقف مع كلمة "ملكته" والصور المستوحاة من صدر البيت.
شكرا لك أختي فاطمة الأديبة المتألقة، كل فقرة في مقالك كانت رائعة لها قيمتها ودلالتها...واسمحي لي بهذه الإضافة التي أثارتها قراءتي لموضوعك: فعلا الامتنان فخّ ومصيدة لكسب القلوب واستعبادها (من برّك فقد أوثقك ومن جفاك فقد أطلقك)، ولعل أقرب تفسير للهدي النبوي في رد معروف المكرِم مباشرة: "من صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه" هو التحرر من فخ الامتنان حتى لا نقع في قيوده وسجنه! فالمسارعة في مكافأة من أحسن إلينا بشكره ورد الجميل بطريقة ما ولو بالدعاء، تُشعرنا بنوع من "الخلاص" و"التحرر" من ربقة معروفه فلا نجد في أنفسنا ذاك القيد والاستعباد اتجاه المحسن، ليبقى القلب حرا طليقا متعلقا أبدا بالمنان وحده من غير ذل ولا مهانة.
ويبقى الحر الأبي الكريم عزيزَ النفس لا يقبل المساومة والمقايضة ولا يرضى بالدنية والمذلة..بل "يقتله" الإحسان وحفظ الجميل في غير هدر لكرامته (وما قَتَلَ الأحرار كالعفوِ عنهم**ومن لكَ بالحُرّ الذي يحفَظُ اليدا)
وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان... !

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا