مذكراتي الأخيرة بعد الممات
قصة قصيرة
نشر في 03 أبريل 2016 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
استيقظتُ أو ظَنَنتُ أني مُستيقِظ في اللحظة التي لم أستطِع فيها فتح عينَي، حاولتُ أن أرفَعَ رأسي...حاولت لكن بدون جدوى أحسستُ أن جسَدي خارج عن طاعتي كأنه انتظر الفرصة السانِحَة لكي يثور...أَوَلَم يكن يُطاوِعني في كلِّ سَكَناتي وحَرَكاتي،كُلُّ هاتِه الأسئلة نَزَلَت عليَّ صباًّ صباًّ فأنسَتني سبب الإستيقاظ وأَنهَت لحظاتِ نومي السَّرمديَّة...نَحيب وعويل من حولي لا أعلم مغزاه وأياد لا مرئية مرتعِشة تلمِسني و أفواه تُقَبِّلني،حاولت أن أغفو بعدها عساني أنسى هذا الكابوس وإذا بي بعد حين أسمع صوتا ينادي "جنازة رجل"،من الميت؟تساءلت في ارتباك فأنا لم أسمع بموت أحد منذ مدة؛أعساه ذلك الشيخ الجالس دوما بجانب حانوته ،أم هو أب جارنا المريض...سأعلم لكن عندما أخرج من حالة السكون المزعجة هاته،ولكن هيهاتَ هيهاتَ للرُّعب الذي اعتَراني بعدها،عندما أحسست بنفسي مرفوعا على الأكتف ونَفَرٌ ليس بالقليل من الناس من حولي...أمعقول أن أكون هو، ولكن لماذا،هل من من المعقول أن يَدفِنوا اِمْرِئا حيا يرزق،ولِما قد أكون أنا بالذات...يا أيها الناس مالَكُم لا تعقلون!صرخت وبكيتُ مراتٍ ومراتٍ ولكن لا أحد سمِعَني فمنهم من يتحدث لصاحبه ومنهم من يضحك حيناً ويتأسف حيناً أخر وغالبهم منغمس في تِكرار بعض الكلمات...تَمْتَماتٌ وقَهْقهاتٌ من هنا وهناك من حاشِيات الطرق والمقاهي ومن شُرَفِ المنازل المطلة على الشارع،كل العالم من حولي يتحرك إلا أنا؛كأن الزمان وصَل عندي فتوقف؛أحسَسْتُ بالامُبالاة من الجميع وحتى من قلبي وعقلي وروحي فلم أحسَّ ولو للحظة بألم من داخلي رغم حزني وآهاتي...مشينا أو مَشوا بي حتى وصلنا لمقبرة المدينة الوحيدة والتي يخيل لك من ازدحام قبورها أنها ستَنقضُّ على الشارع في أي لحظة...توقف الموكب بجانب قبر فارغ،فتجلت بين عيني مراسيم المشهد المفزع في انتظاري"دفني وأنا حي...يا الهي" وهذا ماكان! رفعوا جسدي الملفوفِ بثوب أبيض ناصِعٍ كما تخيلته،والكل من حولي يترَقَّب؛أبناء الحي الصعالِكِ الذين وجدوها فرصة ليثبتوا أنهم يصلحون لفعل شيئ نافع؛والأهل والصحب رغم غياب البعض منهم...ربما قد منعهم شغل عن الحضور؛قلتها بحسن نية؛والبعض الأخر لا أعرفه.وضعوا جسدي بكل خِفَّةٍ داخل القبر؛خفة حَرمتني من أن أُدَقِّقَ النظر فيمن حولي ومِن أن أرى أناسا تمنيتُ أن أجِدهم مع القوم؛.لم أحاول أن أصرخ ولم أحاول أن أستغيث فلى أَملَ يرجى ولا عودةً بعد هذا الغيابِ الأخير.رَدموا علي التراب حتى تلاشَت ملامِحي وامْتَزَجَت بالتراب وهنا تلاشت الأصوات وخفت صدى الخطوات وانتهى وقت الكلام المباح فقد بلغت اليقين ولن أستطيع أن أكمل حكايتي حتى تبلغ أنت هذا المقام،ولكن وصيتي الأخيرة لك "أن تموت قبل أن تموت".