في نقد فلسفة الديمقراطيّة : الفكرة والواقع
لا شكّ أنّ التساؤل في الإنسان ميزة فطريّة, وتعتبر المحرّك الرئيسي في اكتشاف أيّ شيء في هذا العالم ...
نشر في 10 أبريل 2017 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
لا شكّ أنّ التساؤل في الإنسان ميزة فطريّة, وتعتبر المحرّك الرئيسي في اكتشاف أيّ شيء في هذا العالم. فمن يعتبر كلّ شيء قابل للتساؤل ووجب التفكير فيه فإنّه, سيبحث في أصل الأشياء وانعكاساتها على أرض الواقع.
بحكم أنّنا أصبحنا نعيش في عصر الاستهلاك والروتين القاتل على مستويات عديدة وخاصّة الفكريّة منها, فإنّ الكثير أضحى يرى الديمقراطيّة كفكرة مثاليّة لا تخطأ طريقها ولا يحقّ نقدها, وإمّا أنّه ستتلّقى التهم بالرجعيّة وتبرير الظلم مهما تنوّعت أشكاله, لذلك أردت في هذا المقال أن أنظر بعقلانيّة لفلسفة الديمقراطيّة, وليست الغاية من هذا الحديث تقديم بدائل أو حلول خياليّة, بل أردت فقط أن أقدّم تصوّر عقلاني نقدي يبرز هذه الفكرة وتجليّاتها كعقيدة وكواقع نعيشه .
ماذا تعني الديمقراطية ؟ هذا سؤال مهمّ يجب أن نبدأ به هذا المقال حتّى ننطلق منه من خلال الكشف عن المغالطات خاصّة للناس الذي تستهويهم الأشياء الجميلة ولا يبحثون كثيرا عن مضامينها وما أكثرهم مع الأسف .
نبدأ أوّلا بتعريف الديمقراطية المتفق عليه في أغلب المراجع ألا وهي مصطلح يوناني مؤلف من لفظين الأول ( ديموس ) ومعناه الشعب ، والآخر ( كراتوس ) ومعناه سيادة ، فمعنى المصطلح إذاً سيادة الشعب أو حكم الشعب . والديمقراطية نظام سياسي اجتماعي تكون فيه السيادة لجميع المواطنين ويوفر لهم المشاركة الحرة في صنع التشريعات التي تنظم الحياة العامة ، والديمقراطية كنظام سياسي تقوم على حكم الشعب لنفسه مباشرة ، أو بواسطة ممثلين منتخبين بحرية كاملة .
لا شكّ أنّنا كناّ بصدد دراسة المفهوم كما هو متعارف عليه.
عندما تقرأ هذا المفهوم من نواحي عديدة, فإنّك ستشعر بأنّ النور يسطع في كلّ مكان, وقرار الإنسان أصبح بيده تماما. لكن الحقيقة أبعد من هذا بكثير, فهذا المفهوم يجعلك من الوهلة الأولى تقبل المسألة كأنّها حقيقة لا تقبل الشكّ .عندما تفكّر قليلا, فإنّك ستجد من الاستحالة أن تقنع صاحب العقل بهذه الفكرة المثاليّة, أو تطبيقها بصورة تحوّل المنشود إلى موجود, إنّها في الحقيقة مجرّد تضخيم لمصطلحات رقيقة تخاطب العاطفة قبل العقل, لأنّ الناس بطبيعتهم يتقبلون الأشياء التي يميلون لها ولو لم تكن في صالحهم. كما أنّهم لا يقبلون كلّ ما لا يوافق هواهم ولو كان في صالحهم. لذلك فإنّ شعوب العالم تدار بهذه الطريقة, أي من خلال السيطرة على العاطفة ومخاطبة الغريزة البشريّة, بدل التوجّه للعقل. لأنّ العقّل بالنسبة لروّاد الديمقراطية, سينتج عنه تمرّد عن الفكرة وصنّاعها, ليسقط بذلك تاريخ كامل وكأنه لا يمثل شيئا كقيمة بني عليها الحاضر. لقد ساعدت الكثير من العوامل وأدوات السفسطائيّة كغياب رؤى واضحة للمستقبل عند غالب الناس باختلاف عصورهم, وصولا إلى العصر الحالي. إلى جانب ذلك توفّر الأرضيّة الخصبة من صعوبات في الحياة وعدم الرضا عن الواقع, في محاولة الناس الهروب إلى واقع آخر, قد يكون في نظرهم أفضل, لكنّه أعمق مشكلة من الوضع الأوّل. فعندما يهرب الإنسان من واقعه فإنّه لا ينظر للقادم. بل المهمّ بالنسبة له أن لا يرى مجدّدا ما هو عليه. لهذا تمّ هيكلة السيطرة على الإنسان, من خلال أبرز نظام عرفته البشريّة لحدّ الأن ألا وهو النظام الدّيمقراطي.
إنّ المشكلة ليس في النظام كاجتهاد بشريّ, لكن المشكلة في من يضعه كمصير حتميّ للبشريّة, دون السماح بظهور اجتهادات, قد تكون أفضل, خاصّة وأنّ لكلّ بيئة خصوصيّة.
إن الأكثرية والعدد كما يسميها المدافعون عن الفكرة الديمقراطية كشكل لنظام حكم, ليست ضامنا ضد سلطة الفرد الواحد, لأنّه عندما تكون مصالحهم في خطر سيجتمعون ويتنازلون لبعضهم البعض, من أجل المصلحة الكبرى, المتمثلة في البقاء أكثر ما يكمن على رقعة الحلبة السياسية. لذلك هم يشكلون كتلة واحدة إذن ما الفرق بينها وبين الفرد الواحد ؟
إنّ الرغبة التي تقود مجموعة معينة في البقاء في السلطة والتشبث بها, هي نفسها الرغبة التي تنتاب الفرد الواحد, فالعدد ليس دليلا على المشاركة والإيجابية كما يدعيه دعاة الديمقراطية الحديثة.
إن الدول ضاعت ومرت عليها السنين المتراكمة من عدم التقدم خطوات, بسبب النظر للسلطة كمخبر تجارب يجرّب فيها الذي يسيل لعابه للوصول إليها, فنونه الشخصية, أي أنه من المحتمل أن يفتقد مقومات الحكم من قبل أن يصل إليها. لهذا أعتبر أن حق الترشح الغير مرتبط بدراسة القدرات الفكرية ومقياس التأهل لكلّ شخص, سيجعل السلطة حصان يركب عليه كلّ تافه من أجل أن يمهد الطريق للخراب والانقسام .
إن تصدير القوّة الأمريكيّة لما يسمّى بالحملة التبشيرية الديمقراطية الشبيهة بحملة التبشير البابوية في زمن سطوة الكنيسة في القرون الوسطى زمن تخلّف العالم المتمدّن, نابع من وعيها بأنها الضربة القاسمة للعالم الذي تسميه الثالث وهذه التسمية في حد ذاتها غير ديمقراطية ! رغم انها تطبق النموذج الذي تدعو إليه إلا أن جوهره سيطرة أصحاب النفوذ ومن يدفع نقدا ،فالشعب الأمريكي مثلا لا ناقة له ولا جمل في المشاركة السياسية والقرارات المصيرية على مستوى الدولة, كالمرتبطة بالأمن القومي خصوصا.
لا يفوتني أن أعرّج على مقولة هامّة لأرسطو, حيث يصف النظام الديمقراطي بأنّه حكم طغياني مقسّم على عدة افراد. لا تكاد تلمح طغيانيّة شكل نظام الحكم, إلاّ من خلال التركيز على الشعارات البرّاقة التي يدعو إليها ويتمنّاها كلّ إنسان لديه ملكة العقل وغمره حبّ الخير للعالم.
إنّ الشعارات البراقة التي لمعت لتزيين مفهوم الديمقراطية كالحرية-المساواة- الإخاء لم تحلً مشكلة التسلط وغياب العدالة والعداء داخل المجتمع الواحد, فما بالك على المستوى العالمي والاختلافات القائمة منذ فجر التاريخ. بل أجزم في الواقع وبنظرة واقعية موضوعية بعيدا عن الانحياز العاطفي, أنّها عمّقت القطيعة بين أفراد الأسرة الواحدة مرورا بالمجتمع فما بالك بمن يجعلها شعارا لتوحيد العالم.
إنّ التسلسل الطبقي المجحف الذي مزّق الأمم منذ القديم وسعت الحضارة العربية والإسلامية إلى إزالته وتغيير معيار الأفضلية, جعلت منه الديمقراطية مبدأ أساسيا في تصنيف المجتمع, ارتباط بالعولمة وسياسة ما يعرف بالكونيّة, التي تعتبر المناخ الطبيعي الذي تنشط من خلاله الديمقراطية. لقد جاءت في شكل مفاهيم جديدة لا تليق بعصر العلم والمعرفة، حيث تعطي صكوك النشاط السياسي لمن يكتب جملتين, وتعطي صكّ خبير اقتصادي, لمجرد تمجيده للخوصصة والسعي إلى التفريط في السيادة بالتدريج.
إنً الديمقراطية بالنسبة لي كمفهوم ذو صبغة اجتماعية, لا يتعدى أن يكون إلا أعادة لتوزيع الثروة بين أصحاب النفوذ والمصالح المشتركة في الحكم, وهو ما يعتبر في حدّ ذاته استهانة بإنسانية الإنسان, فأنت تعطيه الحرية المطلقة وتأخذ ابسط مقومات العيش فلن تغني الحرية عن شيء يذكر, فالحرية لا تعطي الخبز ولا تمنح الحياة الكريمة, وإنما يمنح ذلك, البناء القيمي للمجتمع بدءا بالفرد ووصولا للطبقة العليا, حتى يستشعر الإنسان تغييرا جذريا في حياته. والأهمّ من ذلك الاستراتيجية التي توضع لتطبق على مدى أطول ،لأنّه عندما يغيب التخطيط للمستقبل يصبح الواقع وليد الفوضى وغياب العقل السليم.
لا أبالغ عندما أقول أن الدعوة للديمقراطية في العصر الحالي وبهذه الكثافة في حد ذاتها, خدمة للصهيونية العالمية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة, حيث تسعى لتجريد البشر من كافة الميزات الإنسانية . إنّ حبّ السيطرة مغروس في الإنسان بطبيعته, لكن عندما يصبح هذا التغطرس غير مقيّدا بحدّ معين, فإنّه سيزع إرادة الإنسان في سبيل قيم لا يؤمن بها إلا من وضعها في إطار معيّن يتمثل في تغير السطوة التي كانت في الماضي بالقوة, إلى سطوة جديدة بآليات أكثر رفقا يتقبلها الإنسان تدريجيا, حتّى أصبحنا نجد في يومنا هذا من يطالب بشكل النظام الديمقراطي ولو كلّفه ذلك إراقة الدماء الكثيرة ونصب المشانق في الشوارع, رغم الفجوة العميقة التي خلفها على المستوى الطبقي الاجتماعي أو المستوى الدولي في ما يتعلق بالعدالة وحق الدول في تقرير مصيرها كما هو منصوص في القوانين الدوليّة التي وقعتها الدول المنتصرة في الحرب العالميّة الثانية. الغريب أكثر إن من يدعم تطلعات الناس في إتباع نسق مثل هذه الأشكال من الحكم, هو نفسه من احدث تلك الفوارق والكوارث التي تعاني منه البلاد التي يطالب فيها بذلك . فكأنًما يأتي في المخيلة أن الغنم يقفز في حضن الذئب فجأة ليطلب منه طعام يسد رمقه.
لا يسعني إلا أن أقول أن الديمقراطية تمثّل مفهوم يلمع من بعيد لكن عمقه مظلم ، يخدم فكرة الكونيّة أي فكرة توحيد العالم, فكرة جميلة توحي بأن كلّ البشر على هذه الأرض متساوون. لكن السؤال المنطقي المطروح, على ماذا سيتوحدون ؟ وما حال من يريد التفرّد ولا ينخرط فيها ؟ كيف سيتم التعامل معه ؟ هل يمكن أن يتساوى البشر, رغم أنّ مفهوم المساواة قد يختلف من مجموعة بشريّة إلى أخرى ؟
بالنسبة لهم عندما تتحدث, لك الحرية في كل شيء وتتحدث بما تشتهيه نفسك ولو كان ضدّ مصلحتهم, لكن عندما تنتقل للفعل سواء كنت دولة متواضعة أو فرد, فهنا سيحسبون لك الف حساب, و يعرقلونك تحت شعار تطبيق القانون. لهذا تخدعك الديمقراطية لأنها تعطيك حق الكلام, وتنزع منك حق الفعل الإيجابي او الإصلاح الهيكلي .
لا أبالغ عندما أقول أن إسكات الافواه عن الكلام ومنعها من الفعل في الديكتاتوريات, أهون بكثير ممن يسمح لك بالكلام دون الفعل, وهو ما يخلق لنا إنسان يثرثر صباحا مساءا ويوم الأحد ويغطي عن عجز الطبقة المهيمنة على الحكم, التي لا تبالي بعمد أو غير عمد, لان هناك جدار بينها وبين مواطنيها اسمه المجلس التشريعي الذي لا يمثل صوت جميع فئات المجتمع. فتصبح معركة التقدم محصورة بين المؤسسات السياسية, والشعب خارج اللعبة تماما.
إنّ كثرة الأحزاب تعني كثرة الموارد المالية المخصصة لها, وهنا نتحدث عن الأحزاب الرسمية المعترف بها, وهو أمر يثير الاشمئزاز, فالدولة تدفع لمن يعارض حتى يمسك بالحكم يوما ما وهكذا دواليك, حتى يأخذ حصته الكاملة والوافرة عندما يصبح قرار الدولة في يده. إلى جانب ذلك ، عوض أن تستثمر هذه الأحزاب التي من المفترض أن تكون ذات موارد مالية عالية في المجتمع, بهدف تحقيق التنمية توازيا مع المجهود الجماعي الذي يفترض أن يقوم به كافة الأطراف مع الدولة لأجل الوطن, لكن تذهب هذه الأموال هباء منثورا في صور معلقة لجذب الناخبين وشراء أصوات ضعاف النفوس ، فلا تتحقق حينئذ الاستفادة ويخسر الجميع.
إنّ مسار الديمقراطية وطريقة طرحها لفكرة انتقال السلطة لا ينمّ إلا عن جهل عميق حيث عادة تكون تلك الأحزاب لها امتدادات في بلاد أخرى وموارد مالية غير مكشوفة, فهنا يصبح الوطن سوقا لمن يدفع اكثر, ويكاد يكون معيار الوطنيّة ومدى الالتزام تجاه الوطن كالخدمة العسكريّة في مهبّ الريح. فتضيع الإيديولوجية الوطنية ويحلّ محلّها حكم جزء من الشعب, وليس كلّ الشعب وفي هذا الإطار, أؤكّد على أنً الديمقراطية عمقت فكرة الأغلبية والأقلية, ولم تتمكّن من الحدّ منها. فنتحصل في الأخير على أرض خصبة للصراعات السياسية الجانبية, وتدخل القاصي والداني في هذه المعارك تحت رايات عديدة أغلبها لا وجود لها في الحقيقة.
إنّها تفتح الباب على مصراعيه للصراعات العرقية والدينية في بلد معيّن, من خلال حقّ تكوين تكتلات من شأنها أن تلعب دورا خطيرا, يصل لدرجة أن يكون دورا انفصاليا, أو جبهة تنخر جسد الدولة الواحدة المتماسكة.
إنّ من المهانة للوطن أن تمارس السياسة ولم تدخل يوما ثكناته أو تعطي وقتك الكافي له من دون مقابل.
إنّ إعطاء صلاحيات كبيرة من شأنها أن تجعل القضاء مستقلا عن الدولة, يخلق فجوة وصراع وإن كان غير ظاهر بين الدولة وسلطتها القضائيّة .هذا الصراع بطبعه يضعف من قدرات الدولة, ويشتّت أولوياّتها التي تشمل الأمن القومي بصفة عامّة.
إنّ غياب مراقبة الإعلام أمر في غاية الخطورة فالمؤسسات الإعلامية هي البوابة الأولى في صناعة الرأي العام وتوجيهه نحو فكرة معيّنة . فمن يملك الصوت والصورة قادر على أن يصنع الفوارق, ويدخل كل النفوس من بابها الواسع وبسهولة .فيمكن أن تكون مثل هذه الوسائل, لسان لدولة أخرى في داخل الدولة الوطنية فيتحول الصراع من صراع كبير لفرض السيادة, إلى صراع داخلي لا يسمن ولا يغني من جوع .لا يمكن منع زحف كثرة المعلومات في هذا العصر وإن كان غالبها إغراء الناس بالأكاذيب والتفاهات, التي تجاوزت مرحلة الترفيه إلى مرحلة تقرير المصير! بل في مراقبتها ووضع حدّ لها, وابرز معيار لذلك عدم تهديدها للأمن القومي للدولة, ولا وحدة ترابها. إضافة إلى الأزمات الجانبية التي يركز عليها الإعلام التي تشتعل لتصبح قضية كبرى تغطي الأولويّات.
إنّ وجود إعلام خاص يقتضي ضرورة المراقبة المكثفة لنشاطاته, فلسلطة الخواص, لا يجب أن تتجاوز المعقول, لتصبح من أساسيات الدولة فالدولة هي الدولة, ولو كان على رأسها رجل أعمال.
إنّه من الضروريّ, صناعة إعلام وطني قوّي عابر للدولة, يعرف بها في الخارج, ويكون جزءا من سلطة الدولة, كوسيلة للضغط الإعلامي ورافدا من روافد ديبلوماسيتها.
إنّ من الصعوبة حقيقة, صعوبة تحقيق التوازن بين مختلف التصوّرات المجتمعية والرغبات. هذه الحقيقة يتم تجاهلها عمدا في النظام المثالي الذي يدعو له الديمقراطيون !.
إنّ الفرق بين النظام الديمقراطي والنظام الاستبدادي, يتمثّل في أنً الأوّل ينتزع حقّك بالقانون والثاني ينزع حقّك بالقوة.
إن المبدأ القائم على المشاورة بهدف اتخاذ القرارات في الديمقراطية, أمر مثالي جدا وغير مجدي, لأنه عندما تختار غالبية بالإجماع قرار ليس بالضرورة أن يكون مناسبا لتلك الظرفية, او مراعيا لمصلحة البلاد من نواحي معينة, تعمّ الكارثة وأحيانا تعارض الأقلية من أجل استبصار خطر قرار معيّن وتبعاته فيما بعد في المستقبل, وبالتالي نظام تقسيم المجتمع إلى أغلبية وأقلية اكثر ما وصلت إليه السلبية في الفكر, وغياب الرؤية العقلانيّة فهذه في حد ذاتها, ضربا لمبدأ المساواة التي تدّعيها الديمقراطيات بين جميع الأطراف المختلفة. فالعقل الفردي قد يفعل ما لا يفعله العقل الجماعي .فتجد أحيانا شخص واحدا يقدم رؤية مختلفة ومقنعة اكثر من الآخرين, لكنّ التصويت لا ينصفه فتبقى الفكرة جوفاء وتعتلي المنابر, من دون أن تأخذ المكانة التي تستحقها.
كما لا يفوتنا التأكيد على أنّ غياب معيار الكفاءة, سيادة معيار الاختيار بالاقتراع وبالخصوص عدم وجود شروط موضوعيّة لأناس يمثلّون دولة بكلّ ثقلها. هذا يخلف كارثة سياسية, ويصنع رجل دولة ضعيف, ينتهي به المآل للإضرار بوطنه, او ضعفه في وجه اطراف تتقوى داخل الدولة , لها أهداف في غالب الأحيان بيروقراطيّة, ممّا يجعله مجرد ديكور لقرارات يتخذها آخرون.
إنّ من الذكاء الذي يجب أن يتوفر في المواطن هي الحكمة في الإصلاح لكن كيف؟ عن طريق الضغوط وليس عن طريق تشويه البلاد في الخارج بغض النظر عن ممثلها, فهو في الأخير صورة الدولة وجزء منها .وعدم إعطاء فرصة للركوب السياسي على أي حدث .فالسياسة لا تصنع الحلول السحرية, بل الوعي والحكمة هو من يصنعها بالتدرج ووضع استراتيجيات تنطلق من الواقع.
مازالت الديمقراطية حكرا على أصحاب النفوذ منذ ظهورها إلى يومنا هذا ، وبغض النظر عن بقائها تحت سطوة طبقة واحدة. فإنّ الأخطر من هذا, هو أنها في حدّ ذاتها قامت بصناعة طبقة جديدة داخل المجتمع تلعب وحدها, وتتهم الآخر بالاستبدادية والتسلّق.
إنّ الرؤية المثالية للأنظمة الديمقراطية ذهبت أدراج الرياح حتى عند المدافعين عنها ، فالمبدأ الذي قال به مكيا فيلي" الغاية تبرّر الوسيلة", كافي لأن يقسم ظهر هذه النظرية, لأنّها خرجت من رحم بيئة لا تبرز ذاتها إلاّ من خلال هذا المبدأ المشهور.
نلاحظ أنّ التجارب التي قدمها قادة الدول الديمقراطية خارج بلدانهم لم تعر الأنسان أدنى اهتمام, بل استعملته لضمان مصالحها الاستراتيجية, ناهيك عن الاقتصادية, حتّى ولوكان على حساب إنسانيّته ,ممّا يقودنا إلى التساؤل .ما هو النظام الذي يمكن أن يحقق الرفاه للإنسان المعاصر أو شكل النظام الذي يمكن أن يكون مهيكل بطريقة أفضل ؟
-
محمد جاباللهقارئ بشغف/ أحب الكتابة/ البحث/ لا أستطيع الكتابة إلاّ عندما أشعر أنّي غير مقيّد بشيء !