لا زال المغرب يواجه اليوم شأنه شأن كل بلدان العالم، أزمة غير مسبوقة. وشكلت هذه الأزمة، التي يواجهها المغاربة بشكل جماعي، لحظة وعي حقيقية أبانت فيها بلادنا، تحت الريادة الملكية السامية، عن قدرتها على الصمود والتكيف، إذ أعلن جلالة الملك التعبئة العامة للحد من آثار الأزمة وجعل صحة المغاربة فوق كل اعتبار، فتجندت كل السلطات العمومية وانخرط المواطنات والمواطنين في إجراءات منفردة لمحاصرة الوباء وتملك المناعة الجماعية، وإن كان صحيحا أن الوباء المرتبط بفيروس كوفيد-19 لم يكن وراء كل الإشكاليات، إلا أن انتقاله السريع كشف بجلاء عن النواقص الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها بلادنا. وعَرَّت الأزمة عن ضخامة الاقتصاد غير المهيكل وأوجه القصور في القطاعات الاجتماعية وضعف شبكات الأمان الاجتماعي.
بعد الانتخابات التشريعية 8 شتنبر 2021، قدمت الحكومة في 11 أكتوبر 2021 البرنامج الحكومي برسم الفترة 2021-2026، يرتكز بالأساس على تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية وتحفيز الاقتصاد الوطني وتكريس الحكامة الجيدة، وأوضح رئيس الحكومة خلال جلسة عمومية مشتركة لمجلسي النواب والمستشارين، لتقديم البرنامج الحكومي، تطبيقا للفصل 88 من الدستور، أنه انطلاقا من مخرجات تقرير النموذج التنموي الجديد وبناء على مقترحات الأحزاب السياسية المكونة للائتلاف الحكومي، فإن البرنامج الحكومي يرتكز على ثلاثة محاور استراتيجية تتمثل في تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية، وتحفيز الاقتصاد الوطني لفائدة التشغيل، وتكريس الحكامة الجيدة في التدبير العمومي، كما أبرز أنه لمواجهة التحديات الراهنة والخروج من الأزمة الحالية بنجاح، يقوم البرنامج الحكومي أيضا على خمسة مبادئ موجهة تتمثل في تحصين الاختيار الديمقراطي وتعزيز آلياته، ومأسسة العدالة الاجتماعية، ووضع الرأس مال البشري في صلب تفعيل النموذج التنموي للمملكة، وجعل كرامة المواطن أساس السياسات العمومية، وتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى وتعزيز قدرتها الشرائية والادخارية، وسجل أيضا أنه في نفس الوقت، هذا لا يعني أن التركيز على هذه الأولويات إغفال لباقي القطاعات، وإنما هو من باب التجاوب الفوري لما عبر عنه المغاربة من انتظارات ملحة.
البرنامج الحكومي و إن تم إقراره السنة الماضية إلا أن نقطة ارتكازه الأساسية تنطلق الايام القادمة مع انطلاق مناقشة مشروع قانون المالية 2023 وتقديم البرمجة الميزانياتية للثلاث سنوات القادمة وحسب المذكرة التأطيرية للمشروع، تسعى الحكومة إلى تعزيز أسس الدولة الاجتماعية، وإنعاش الاقتصاد الوطني عبر دعم الاستثمار، وتكريس العدالة المجالية، واستعادة الهوامش المالية لضمان استدامة الإصلاحات، و استكمال ورش تعميم الحماية الاجتماعية من خلال اتخاذ الإجراءات اللازمة على المستوى القانوني والمالي والتقني من أجل ضمان انتقال المستفيدين حاليا من نظام “راميد” إلى نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، قبل نهاية سنة 2022، و تعهدت الحكومة، ضمن المذكرة التأطيرية، بإخراج السجل الاجتماعي الموحد باعتباره الآلية الأساسية لمنح الدعم وضمان نجاعته، وتأهيل القطاع الصحي عبر تنزيل مقتضيات مشروع القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية، كما تؤكد الأرقام الحكومية أن وضعية المديونية العمومية تبقى متحكما فيها، على الرغم من النفقات الإضافية التي تحملتها الدولة.
في مقابل هذا تأكد المعارضة أن الدولة الاجتماعية مفهوم غير وارد في الدستور، ولا في برنامج الأحزاب الثلاثة المشكلة للحكومة، وأن الأهم عند المغاربة هو الوعود التي يسمعون والقضايا التي تهمهم وليس كثرة الأرقام، كما أن مشروع "أوراش" الذي أتت به الحكومة لا يختلف عن "الإنعاش الوطني" وأن الاعتمادات المخصصة للأول كان يمكن أن تُحول إلى الثاني، و برنامج "فرصة" أيضا لم يأت بجديد ولم تُوضح بشأنه عدة أمور، تتعلق خصوصا بالضمانات وطرق التمويل، و بصفة عامة لا يمكن للحكومة أن تدعم ركائز الدولة الاجتماعية بالإجراءات الواردة في البرنامج الحكومي وقانون المالية لسنة 2023 لأنها استمرت في تبني نمط المساعدة الاجتماعية العينية من خلال عملها بالدعم المالي المباشر، وإنما عليها أن تستوعب أن الدولة الاجتماعية هي دولة الحوار الاجتماعي والتوافقات مع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وأنه لا يمكن لمنطق الهيمنة السياسية القائم على الأغلبية العددية أن يحافظ على السلم الاجتماعي الذي يعد شرطا جوهريا من شروط تقوية الدولة الاجتماعية و أن تلتقط إشارة جلالة الملك في خطاب العرش ليوم 29 يوليوز 2020 حين دعا جلالته إلى إقرار "التعاقد الوطني"، وأن تشكل عاملا حقيقيا للتعبئة الجماعية والتغيير الاجتماعي الهادئ".
ووسط نقاش حول الدولة الاجتماعية و الاعداد مشروع قانون المالية 2023، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب على نطاق واسع هاشتاغ "أخنوش ارحل" او #7dh_Gazoil #8dh_Essence الذي تصدر الترند المغربي على منصة التواصل الاجتماعي لن نفتح المجال هنا للحديث عن وهمية الحسابات التي تروج للهاشتاج يكفي الإشارة إلى ما صرح به الطالبي العلمي، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار بأن “الهاشتاغ” ليس نتاجا مغربيا، “وإنما مصدره جهات خارجية، لها أهداف ضد مصلحة وطننا”، مضيفاً : “إذا كان من المتفهم أن يتفاعل بعض المغاربة بحسن نية مع الهاشتاغ فإن الحقيقة التي لا غبار عليها هي أن الحملة خارجية وأهدافها بعيدة عن كل ما هو اجتماعي” ما يهمنا هنا هو أن المواطنين عبرو من خلال الهاشتاغ عن درجة تذمرهم لاستمرار غلاء أسعار المحروقات في غياب حلول عملية من طرف حكومة يتحكم أعضاؤها بما فيهم رئيسها في سوق النفط في مملكة تفتقر لأدنى مصادر الطاقة والتي أنهكتها أسعار استيرادها في ظل الارتفاع المتواصل لها في السوق العالمية. وأرفق النشطاء المغاربة الهاشتاغ بصور للأثمنة المعقولة التي يجب أن يقف عندها سوق المحروقات بالمغرب، مطالبين برحيل أخنوش بسبب فشله في التصدي لموجة الغلاء وبحكم دوره المزدوج كرئيس للحكومة وفي الآن نفسه كصاحب الشركة المحتكرة لاستيراد المحروقات وتوزيعها وبيعها. وطالب النشطاء بتخفيض ثمن "الغازوال" إلى 7 دراهم والبنزين إلى 8 دراهم وهو الثمن الذي كان عليه قبل وصول أخنوش إلى رئاسة الحكومة. وانخرط في نشر "هاشتاغ" سياسيون واقتصاديون ومختصين في عمل الاجتماع وصحافيين ومؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن ارحل رفعت في وجه مسؤولين سابقين، أخرهم رئيس الحكومة الأسبق سعد الدين العثماني، الذي خرجت احتجاجات، افتراضية وواقعية، تطالب برحيله.
مع مرور سنة من عمر الحكومة الا انها اثبتت ضعف في الخطاب السياسي والتواصل في الوقت الذي كانت الأحزاب المشكلة للحكومة نشيطة أثناء الحملات الانتخابية على المنصات التواصل الاجتماعي لعبت دورا بارزا في الدعاية الانتخابية لتختفي لاحق كما أن اعتماد المؤثرين لتسويق بعض المشاريع الحكومية دون الانفتاح اللازم على الصحافيين والمختصين والباحثين فتح نقاشا على مستوى الرأي العام حيث اعتبر البعض أن الاستعانة بالنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لتسويق منتوج أو مبادرة ما أمرٌ ليس بهذه البساطة كما قد يخيل لهؤلاء النشطاء، خصوصا عندما يتم ذلك بمقابل مالي حيث من الخطأ الاعتقاد أن نسبة المتابعة هي ما يُشكلُ مؤشراً على مدى قدرة الناشط الرقمي على الترويج والتسويق لأمر ما، مع علم ان غاليبتهم استمدها من خلال أنشطة ومحتوى تافه وهناك من بناها من خلال أعمال جادة ملموسة على أرض الواقع، وهذا الصنف الأخير هو المعني بهذه المسؤولية الأخلاقية لأنه غالبا ما يكون الهدف من الاستعانة بخدماته كـ"مؤثر" هو تلميع صورة ما أو التغطية عن عجز ما وخلاصة القول في هذا الباب اعتماد وزراء الحكومة الحالية على ما يسمى بالمؤثرين بمواقع التواصل الاجتماعي للترويج لمشاريع وبرامج حكومية رهان فاشل وله سلبيات على عدة مستويات و الاعتمادات المالية التي يتم رصدها لهؤلاء المؤثرين ولحملاتهم الإعلامية المحكوم بفشلها، كان يمكن استثمارها بطرق أفضل، من خلال وصلات إعلانية تقدمها القطاعات الوزارية عبر القنوات التلفزيونية والإذاعات والجرائد الورقية والإلكترونية، كما كان من الأجدر على هذه القطاعات التواصل والانفتاح على الجامعات ومؤسسات ومعاهد التكوين باعتبارها تضم النواة الرئيسية للمستهدفين كما ان للاعتماد المبالغ فيه من لدن القطاعات الحكومية على المؤثرين هو أن فيه إساءة حقيقية لصورة المؤسسات الرسمية ومسّ بهيبتها ورمزيّتها وإظهارها وكأنها مؤسسات تبحث عن تلميع صورتها عبر 'جلب الإعجاب' بدل تحقيق الأهداف والنتائج.
في الختام يبقى مفهوم "الدولة الاجتماعية" واسع و نوع من الخطاب السياسي الديماغوجية في ظل غياب تنصيص دستوري عليه او تأطير قانوني، و رهان الحكومة الحالية هو الخروج من دولة الإجراءات الاجتماعية إلى الدولة الاجتماعية…
-
يوسف قريشرئيس مركز المتوسطي للدراسات الاستراتيجية