هي قراءة في العمل الروائي (الصعود الى المنفى) لسامي النصراوي الذي يقع في 228 صفحة من الحجم المتوسط , وحاول من خلال هذا البياض توجيه الاضواء وتحريك خلايا الفكر وانمال الكتابة عن صراع خفي ظاهر , صراع ذي طبيعة زئبقية فضفاضة بين عدالة الارض وعدالة السماء . ومّثل ذلك فوق خشبة المسرح بداخل حارة فيها من الجلبة والتنافر الشيء الكثير... الكثير .
فما بين من يملك مطرقة العدالة السماوية ممثلا بالقسيس المبجل المشرف على الكنيسة , ومن يلوح بمطرقة العدالة الارضية ممثلا في الاغا : واذا طرق الاثنان احدثا دويا فيه من الالم والظلم ولغة الماسي ما في رفوف المكتبات من معرفة وعلم .
فبين ثنايا قرية تطل على وادي خصب ينبض بالحياة جرت كل دينامية الرواية مصحوبة بدوي الطرق الممزوج الى حد الالتحام بين الديني المخدر والسياسي المسيطر ,لأجل غاية لطالما وجدا لأجلها هما الاثنان منذ النشوء :السيطرة والتملك , وهذه المرة كانت قطعة ارضية يراها القسيس باحة من باحات جنات الخلد التي يوعظ الناس بها ويراها الاغا مصنع لصفائح الذهب الخالص لأجل افتراشه طيلة حياته , تلك القطعة المشيد على بساطها كوخ متداعي لا توقفه سوى صفائح رثة من الخشب يقطن بداخله يوحنا و زوجته ببساطتهما وكدحهما للحياة القاسية .اما مادلين التي تراقصها البراءة الطفولية فلا يستوعب خلدها ما يجري من صراع ومكائد قذرة يدبرها من يلوح بثوبه الابيض وكانه موكل من العدالة السماوية و الاغا الذي يلاعب مفاتيح السيطرة والحكم و يوحي لذته بميزان العدالة في الارض , مسلسل لا ينتهي من المكائد كسفاح لم ينهي ضحاياه فيها من هتك الاعراض واراقة الدماء ولغة الدموع ما سقط من مقلتي مادلين ابان وفاة من كان يرعى طفولتها الساذجة ويحميها من انياب تريد رمادها بل الاكثر من هذا استمرت هي الاخرى في صد الذئاب الشهباء التي لطالما تجولت حول الكوخ تنتظر ما وجب التهامه فتارة تحت عباءة الرب ومغفرة العذراء, وتارة اخرى تحت غطاء وصايا الحكم والمصالح المشتركة .
مشرفة تلك الوفاة بغض النظر عن اسبابها التي تأتي وانت تدافع عن حق اريد به باطل وتترك من يخلفك حتى اخر نبض وهذا ما حصل بين ثنايا رواية (الصعود الى المنفى) ,هذه الاخيرة التي مثلت صراع كان وسيبقى محرك الانسانية والوجود .
-
خالد بوفريواكاتب