في المصطلحات التطورية يتعلق الجنس بالتكاثر، ويحظى الرجال بمكافأة ممتعة في كل مرة ينشرون فيها مادتهم الوراثية (الحيوانات المنوية)، لكن الأمر مختلف بالنسبة للنساء. تُظهر الدراسات أن (25%) من النساء فقط تصلن إلى النشوة الجنسية عبر الإيلاج وحده، لهذا يعتقد البروفيسور (ليود) أن نشوة الأنثى ليست مكافئة لتلك التي لدى الرجال، إنما محصلة أخرى لماضينا الجنيني المشترك. ففي أول (8) أسابيع من حياتنا الجنينية يكون لدى الذكر والأنثى نفس النوع الجسدي، وأثناء هذا الوقت تتكون عضلات النشوة وممراتها العصبية في الذكر والأنثى على حد سواء؛ كحلمتيّ الذكر، هو لا يحتاجهما بالأساس، لكنهما تتشكّلان نتيجة تشاركه نفس البنية الجسدية مع الأنثى في الثمانية أسابيع الأولى من حياته الجنينية. كذلك الأمر بالنسبة للنشوة الجنسية، فالذكر يحتاجها من أجل قذف الحيوانات المنوية، والمرأة تحصل عليها مجانًا بسبب هذه المشاركة في البنية الجسدية. تسمى هذه النظرية «المكافأة الرائعة» وتبرهن أن النشوة الجنسية للأنثى ليس لها أي غرض تطوري على الإطلاق. لكننا مازلنا نواجه أسئلة دون إجابات؛ فلو كانت النشوة الجنسية للأنثى تأتي بسبب التشابه في البنية الجسدية مع الذكر، فلماذا تكون أقوى من نشوة الذكر ومتنوعة ومعقدة؟
نظرة جديدة تمامًا لتشريح الأنثى علميًا توضّح بعض الحقائق الصادمة؛ ما اعتقدنا بمعرفته عن أجسادنا كان مجرد غيض من فيض!
لفهم ماهية النشوة الجنسية لدى النساء علينا أن نفهم التركيب الجسدي للمرأة؛ لقد بدأنا للتو بفهم مدى تعقيد عضو «البظر». حتى ظهرت مؤخرًا «بقعة جي» المحيرة التي تم تمييزها في ستينات القرن العشرين. لكن يكشف علماء اليوم أمورًا جديدة، حيث اتضح أن ما يحدث في جسد الأنثى أكثر مما يتصوره المرء.
(أوديل بويسون) هي عالمة رائدة تؤرخ منطقة جديدة في البحث الجنسي، حيث تستخدم الأشعة فوق الصوتية لدرس تعقيد تركيبنا الداخلي. حتى عام (1998) لم يستطع الباحثون اكتشاف حجم «البظر» وقدره الحقيقي، إنه ليس مجرد جزء صغير خارجي؛ بل هو تركيب داخلي أكثر تعقيدًا، فهو يتكون من مخروطان من النسيج الانتصابي يلتفان حول المهبل.
قامت الدكتورة (بويسون) بتكوين فريق مع البروفيسور (إيمانويل جينيني) من جامعة (لاكيلا) في إيطاليا؛ وأرادا دراسة التركيب الجنسي الأنثوي أثناء عمله. تم استخدام الأشعة فوق الصوتية لرؤية ما يحدث داخل المرأة بطريقة حركية أثناء الاستثارة المباشرة للبظر الداخلي بالإضافة للمهبل. وبهذه الطريقة تمكن العلماء من التقاط تفاصيل جديدة -ولأول مرة- للقضيب والمهبل والبظر الداخلي وقت العمل. مرارًا وتكرارًا يُسحب البظر الداخلي ثم يُسحق بفعل القضيب المتحرك. تُظهر التغيرات أثناء الإيلاج بوضوح أن تلك التركيبة التشريحية ليست ساكنة بل تتغير طوال فترة الاستثارة، يبدو أن البظر هام بالداخل كما هو بالخارج.
بدأ العالمان (بويسون) و(جينيني) في دراسة وسيلة اللذة الجنسية للأنثى، واكتشفا معزوفة كاملة معقدة ومنسجمة تعمل في تناغم؛ فمقارنة بنشوة الرجل التي تستمر في المتوسط لست ثواني، فإن النشوة الجنسية لدى النساء تدوم لعشرين ثانية، وقد تحظى بنشوات متعددة أيضًا. كما اكتشف العلماء حديثًا أن لها قوى جسمانية تتعدى أيًا ما تصورناه؛ إذ يتسارع النبض وتتوتر العضلات، ويصبح التنفس سريعًا حيث تمتلئ الرئتان بالأوكسجين، وتتسع حدقة العين لتسمح بدخول المزيد من الضوء، كما يقف الشعر منتصبًا، ويتشكّل العرق، وتتزايد الدورة الدموية بسرعة، ويتنامى النشاط العقلي، وباقتراب النشوة تنشط حوالي ثلاثين منطقه في الدماغ، وعند ذروة النشوة؛ تُفرز منطقة صغيرة في الدماغ تسمى «الوطاء» هرمون «الأوكسيتويسن» في مجرى الدم.
عند الرجال، يجعل هذا الهرمون عضلات قاعدة القضيب تنقبض بقوة فتسبب القذف، أما عند النساء فيحرك الهرمون موجة من الانقباضات المهبلية تتكرر كل ثمانية أعشار من الثانية؛ عشرون ثانية من اللذة القوية، ثم ينتهي الأمر .
يبدأ الدماغ الآن بزيادة النشاط، فلقد بدأت النشوة عند المتطوعة، وجهاز الرنين المغناطيسي يُظهر نشاطاً قوياً في شبكة الأعصاب، المناطق الحركية مثل «المخيخ» تعج بالنشاط حيث تتوتر العضلات وتنبسط. ثم ينشط مركز المتعة والإدمان في الدماغ؛ وهو المنطقة التي تُسمّى «النواة المتّكة». وبالمجمل فإن ثلاثين منطقة مختلفة في الدماغ تنشط عند الوصول إلى النشوة الجنسية.
يقول الدكتور (باري كوميساروك): «في الأساس، جميع المناطق في الدماغ تنشط أثناء النشوة الجنسية، القشرة والمخيخ والوطاء وجذع الدماغ يتم تنشيطها في تسلسل مختلف؛ لكن بالنهاية تصبح كلها نشطة.»
لا يوجد نشاط بشري آخر يُثير مناطق متعددة بالدماغ في ذات الوقت كما تفعل النشوة الجنسية، والذي يثبت هذا النشاط هو ازدياد معدل استهلاك الأكسجين، هذا يعني أن النشوة تُحدث إمدادًا وفيرًا من الأكسجين والمواد الغذائية للدماغ؛ أي لا يمكن لها أن تكون مضرة لنا، بل العكس، النشوة الجنسية مفيدة للدماغ، فهي أكثر من مجرد تفاعل فسيولوجي؛ النشوة شعور رائع ولذة قوية وهذا مهم للغاية لنا.
تعد النشوة الجنسية عند النساء إحدى أكثر الألغاز غموضًا في الحياة الجنسية للإنسان، وبالعودة إلى القرن التاسع عشر، لم يقتنع الناس بوجود النشوة الجنسية للمرأة أبدًا، لم يعتقد الأوائل بوجودها لدى النساء؛ بل اعتقدوا بوجود اعتلال أطلقوا عليه اسم «الاضطراب العصبي للمرأة»، لكن مع حلول القرن العشرين ثارت النساء ضد القوانين الطبية للرجال، وبزغ نوع جديد من الحرية الجنسية.
أما اليوم فنشوة المرأة الجنسية حقيقة ثابتة، لكنّ السؤال المهم هو: ما هو الهدف منها لدى النساء؟
الهدف من النشوة الجنسية لدى الرجال واضح؛ لقذف الحيوانات المنوية في المهبل حيث يتم تخصيب البويضة، فلا حيوانات منوية دون نشوة جنسية، ولا حمل دون حيوانات منوية. لكن وظيفة النشوة الجنسية لدى النساء أقل وضوحًا، فهي لا تقذف البويضات، أي أنها ليست مهمة للتكاثر.
قامت المؤلفة (ماري روتش) بتأريخ البحث الجنسي، ودراسة حياة النساء المعاصرات؛ تقول (روتش): «يوجد تباين كبير فيما يتعلق بسهولة وصول النساء إلى النشوة الجنسية؛ فهناك نساء لم تصلن أبدًا للنشوة الجنسية، وهناك نساء كثيرات الانتشاء؛ بعض النساء يمكن أن تصلن إلى النشوة بمجرد لمس شفاههن، وهناك نساء تصلن إلى النشوة الجنسية من العدم ودون لمس أي جزء من جسدهنّ.» ، و عليه يبقى عقلنة و تفاعل و مراعاة نوازع و رغبات كل من الرجل و المرأة مهم لنسقية هذه العملية البيولوجية .