الإسلام أم الحياة! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الإسلام أم الحياة!

ماذا نختار؟

  نشر في 19 شتنبر 2022  وآخر تعديل بتاريخ 09 نونبر 2022 .

لماذا هذا السؤال الذي لطالما تردّد في الأذهان؟ لماذا علينا الاختيار بين ديننا ودنيانا؟ وهل ذلك يعني نهاية الإسلام مع الوقت؟ أي هل سنصل للحظة التي يصبح الإسلام فيها من عقائد أو خرافات الماضي؟ هل سيعود الإسلام غريبا كما يقول التراثيون؟ طيب، ومن المسؤول عن ذلك؟ هل الإسلام نفسه أم المسلمين أنفسهم ورجال دينهم؟ وعن أي إسلام نتحدث؟ وهل يعني ذلك أن القرآن الكريم الذي هو مقدّس وصالح لكل زمان ومكان لن يعود كذلك في الأزمان القادمة؟ وإذا لم يعد الإسلام صالحا لكل زمان ومكان، فذلك يعني أنه لن يبقى له مصداقية لدى العالم أجمع، وذلك سيُخلّف ردود فعل جنونية وغير مسبوقة لدى من لا زالوا يعتقدون بأن الإسلام دين الله وهو الدين الوحيد الصالح لكل زمان ومكان، وأنه دين الحق وخاتم وأصدق الأديان.

كثيرة هي الأسئلة التي ستتفجر جرّاء عنواني الذي وضعته لهذا المقال "الإسلام أم الحياة!"، بل وغيرها من الأسئلة التي لا تنتهي كهذه مثلا: لماذا جعلت الإسلام نقيضا للحياة؟ هل يعني ذلك أن الإسلام أصبح مرادفا للموت والخَوار؟ وهل يعني ذلك أن على المليار ونصف مسلم حول العالم الخروج من ذلك الدين لأنه أصبح من هرطقات الماضي؟ كيف ستقنعهم؟ وهل يُعقل للدين الذي استمر عبر كل تلك الأزمنة والأمكنة أن يُصبح فجأةً غير صالح لكل زمان ومكان؟ طيب، وهل هناك حل ما؟ أي هل هناك فرصة أمام الإسلام ليعود للحياة؟ هل من فرصة له للبقاء على قيد الحياة في ظل هذه الإنذارات والتهديدات بانعدام صلاحيته وافتقاره لأدنى مقومات الحياة؟

لن تتوقف الأسئلة من هذا المنوال، بل ستزداد، فهكذا عنوان من شأنه أن يخلق لدى الإنسان المسلم قلقا رهيبا، بل رعبا لا وصف ولا حد له، وربما يصل به ذلك الرعب لدرجة الانتحار أو ترك كل شيء في هذه الحياة. ولكن لنعد لعنوان هذا المقال لنرى ماذا أقصد به، وما إذا كان لتلك الأسئلة أي ضرورة من الأساس.

لا يخفى على ذوي الاطلاع وأصحاب الألباب ماذا أعني بالإسلام. فيعلمون جيدا أن الإسلام الذي أعنيه من هذا الكلام؛ هو إسلام التراث ومعه إسلام البترول الذي لا علاقة له بدين الإسلام على الإطلاق. فالإسلام حق الإسلام موجود في هذه الكلمات: هو تسليم بالله رب العالمين وسلام مع خلقه أجمعين. أي أنه دين روحاني وربّاني لا تتعدى حدوده طرفي علاقته؛ الإنسان وخالقه.

لقد تم العمل من قديم على حرف معنى الإسلام وربطه بنبي محدد وهو محمد ابن عبدالله عليه السلام، ولكن من يقرأ جيدا ومن يتدبّر مفهوم الإسلام وآياته التي تحدّثت عنه سيفهم أن الإسلام لم يبتدئ بمحمد ولا بعيسى ولا بموسى ولا حتى بإبراهيم، هو قبل أولئك كلهم عليهم السلام أجمعين. لقد ابتدأ الإسلام من اللحظة التي أدرك فيها الإنسان أن هنالك إله خلف هذه الأكوان وهذا الوجود، فأصبح ركن الإسلام الأول؛ التسليم بالله خالقا ومُوجدا لهذا الوجود، والسلام مع خلقه أجمعين كركن ثانٍ له. ولا يخفى على مطلع أن التسليم بالله يعني ضمنا التسليم باليوم الآخِر، وتحقيق شرط العمل الصالح الذي لا حد ولا حصر له.

إذن، فالإسلام الذي قصدته في بداية هذا المقال لم يكن إسلام التسليم والسلام، لم يكن إسلام الله والحياة، بل الإسلام التراثي البترولي الذي تعرّض لضروب لا حصر لها من التشويه والتحريف عبر مسار التاريخ، بل وتم ربطه بنصوص وأحكام وقصص وشرائع لا تمت له بأي صلة.

فوضعوا للإسلام نبيا محددا وكتابا محددا رغم أنه كان قبل كل الأنبياء وقبل كل الكتب، ثم احتكروا تفسير ذلك الإسلام وذلك الكتاب لهم وحدهم دون غيرهم. لقد خلقوا لنا إسلاما جديدا ثم اُبتُلينا نحن اللاحقين به، فذلك الإسلام الذي جاءنا عبر التاريخ القديم وصحاري الخليج لم يكن في حقيقته ذو أي علاقة بركني الإسلام الصحيح.

لقد كان ذلك الإسلام في معظمه "دينا مُسيّسا" ذو أهداف ومطامع سياسية وتوسعيّة، فبعد أن ركبوه العرب أزمنة طويلة غزوا فيها بلادا عديدة واحتكروا ثرواتها وأذلّوا شعوبها، وبعد أن تقهقرت الخلافات الإسلامية المليئة -ككل إمبراطوريات العالم القديم- بقيم القتل والنهب والصلب؛ بدءا بالخلفاء الراشدين وانتهاء بالعثمانيين، انزوى ذلك الإسلام المسيّس وصار محشورا في الجزيرة العربية التي اُحتُلت بدورها فيما بعد من قِبل عائلة آل سعود ليصبح اسمها اليوم "المملكة العربية السعودية". وبعد أن اُستُعمل هذا الإسلام -أقذر استعمال- لقرون طويلة من قِبل الخلافات الإسلامية الطويلة وانتهاء بدويلات النفط الخليجية، أُعيد استخدامه ولكن بصورة وهيئة جديدة.

فجاء محمد بن عبدالوهاب مؤسس المدرسة الوهابية الإرهابية بأيديولوجيا دينية تتخذ من مفردة الإسلام عنوانا لها، وتحالف مع محمد بن سعود صاحب الأطماع والطموحات السياسية، وأسّسا لدولة ستسمى فيما بعد بـ"السعودية" تحمل على عاتقها مسؤولية نشر تلك المدرسة والرسالة الوهابية التي تتخذ من الإسلام عنوانا لها وهي أبعد ما تكون عنه وعن روحه وقيمه.

وبعد أن تمكّن حفيد محمد بن سعود عبدالعزيز بن سعود بدعم من أسياده الإنجليز من السيطرة على كامل الجزيرة العربية وبعد أن تم اكتشاف النفط على أيدي الأمريكان وصار مصدر دخل رهيب يدر مئات المليارات على تلك الدولة -أو بالأصح المزرعة- الناشئة وأصبح لها قوة مالية غير مسبوقة، ظهر لنا ما سمّاه المرحوم فؤاد زكريا بـ "إسلام البترول".

لقد تم استهلاك إسلام التراث القديم حتى صار عبئا وحملا ثقيلا على تلك الدويلات، فقرّر طغاة الخليج خلق دين جديد، وبدأت في تلك الحقبة اللعينة من ذلك الزمن التعيس حكاية إسلام البترول الجديد الذي شُوِّهت معه أجيال كثيرة، بل ووصلت عمليات التشوّه تلك إلى كل دول العالم التي يتواجد فيها مسلمون.

إن الإسلام الذي أتحدث عنه هنا وأعنيه والذي جعلته مضادا للحياة ومرادفا للموت والهلاك هو إسلام التراث القديم وإسلام البترول الجديد. لقد خلّفت لنا تلك الإسلامات عاهات وهلوسات وأزمات، لم يعد الإنسان معها إنسانا كما كان، بل صار أداة لدى زمرة العربان، أولئك الذين ركبوا الدين واغتصبوه وربطوه بأمراضهم وهلوساتهم وأطماعهم.

 لقد قُتل ونُبذ باسم إسلام التراث علماء وفلاسفة كبار، كما قُتل ونُبذ باسم إسلام البترول علماء ومفكرين عِظام.. لقد اجتمع هذين الإسلامين على القتل والتنكيل بكل مختلف وحي. واستمر العذاب والتشويه في عالمينا العربي والإسلامي إلى يومنا هذا، بل وخرج ذلك التشوّه لينال من مسلمي أوروبا وأمريكا وكل مسلمي العالم.

أصبحت مفردة "الإسلام" تحمل فيها عكس مضامينها ومعانيها، فبدلا من اقتران الإسلام بقيم السلام والتعايش والحوار، صار مربوطا بأحاديث القتل والسبي والهوان. وبدلا من ارتباط الإسلام بخالق الوجود والأكوان صار مربوطا بأشخاص وجمادات!! لقد تم تشويه كل شيء، حتى البداهات مثل معاني ومضامين كلمة الإسلام!

يعادي الإسلام بشقيه التراثي والبترولي كل شيء في هذه الحياة، فالعلم حرام والفلسفة حرام والرقص حرام والغناء حرام والرسم حرام والمتعة حرام، بل حتى السؤال حرام حرام. كل شيء فيه حرام وكل شيء يراه حرام، هكذا كان وما يزال ديدن الإسلام بشقيه التراثي والبترولي. عادى ذلك الإسلام كل شيء في هذا الوجود، وصار أقوى سلاح بيد الشيوخ والطغاة ضد كل من بقي فيهم شيء من حياة.

إن ذلك الإسلام بشقيه التراثي والبترولي، ليس صالحا ولم يكن صالحا في يوم ما  لأي زمن أو مكان، ولم تكن له من غاية سوى حفظ عروش الملوك والسلاطين والخلفاء الطغاة. كان ذلك همّ وغاية ذلك الإسلام الذي لا علاقة له برب الإسلام والإنسان.

إن الإسلام كما أوضحت في غير مكان هو: التسليم بالله رب العباد ورب كل شيء في هذا الوجود وخارج هذا الوجود، والسلام مع خلقه أجمعين بكل اختلافاتهم وتنوّعاتهم. تلك هي ركني الإسلام الوحيدين: تسليم بالله بما يعنيه من إيمان بيوم الحساب وضرورة عمل الصالحات، وسلام مع خلقه  كلهم أجمعين. وما عدا ذلك التعريف للإسلام لا يعني لي شيئا، ولا قيمة له في عالم اليوم بما يحمله من قيم الحقوق والحريات والتعايش والتنوّع والاختلاف.

وبالنسبة للقرآن الكريم، ينبغي علينا الانتباه إلى هذه الحقيقة التي تقول : أن النبي عليه السلام لو كان بيننا اليوم وأعطيناه هذا الكتاب (القرآن الكريم) بطبعة "الملك فهد"، فلن يعرفه ولن يدري ما هو هذا الكتاب. هذه حقيقة وجب علينا الاعتراف والتسليم بها. كما أنه لو كان بيننا اليوم لنقل لنا الوحي الذي أُنزل على قلبه بصيغة حداثية وعصرية دون أدنى شك. ولذلك هذا الأمر يدعونا لفهم وتقبّل حقيقة أن الإسلام سابق على القرآن، وأن كل الأنبياء كانوا -من أولهم إلى آخرهم- مسلّمين ومؤمنين بالله قبل أن يأتي القرآن أو يعرفوه.

وقد شرحت في كتابي الأخير (من أين يبدأ التغيير؟) أن القرآن الذي بين أيدينا اليوم ليس هو ذاته الوحي الذي أُنزل على قلب محمد، وإنما الذي وصلنا نحن هو القرآن "المحمدي" كما سمّاه سعيد ناشيد في كتابه (الحداثة والقرآن). والقرآن المحمدي لم يكن سوى محاولة من النبي عليه السلام لنقل أو ترجمة ما أُنزل عليه من وحي للناس كافة بلغة مفهومة، واستخدم في محاولته تلك لغة عصره بكل ما تحمله تلك اللغة من نقص وتمييز وقيم ومفاهيم قديمة وعتيقة. وبالتالي، فالذي وصلنا اليوم ليس هو ذاته الوحي الأصلي، بل ترجمته ومحاولة نقله التي قام بها النبي الكريم والتي جاءت على حروف أو "لهجات" عدة، اُستُبعدت كلها في زمن عثمان بن عفان وتبقّى منها حرف واحد أو لهجة واحدة هي "لهجة قريش".

ومع ذلك فقد وضعت لآيات القرآن ثلاثة مستويات واعتبرت أن اثنان منها صالحة لكل زمان ومكان وهي المتعلّقة بآيات التعبّد والقيم الإنسانية الرفيعة، وواحد منها فقط هو الذي لا يُعمل بآياته ولا تُقرأ إلا كقراءة أحدنا لأخبار أي كتاب تاريخي وتراثي.

المهم من كلامي هذا كله هو؛ أن نعي أن الإسلام دين ربّاني وسيبقى ما بقي الإنسان في هذه الحياة، وأن كل من سلّم بوجود الله وحقّق السلام والتعايش مع خلقه، كان مسلما حق الإسلام حتى لو سُمّي مسيحيا أو بوذيا أو يهوديا  أو لا دينيا، فالإسلام جامع لكل تلك الأديان والملل والأفكار.. الإسلام بالأصح هو الدين الذي يجمع كل البشر باختلاف  انتماءاتهم وهويّاتهم، يجمعهم دون نفي لخصوصياتهم، وتلك هي العظمة التي في هذا الدين باعتباره دين ربّاني أبدي.

وعود على بدء؛ هل سنختار الحياة أم الإسلام؟

أنا بالنسبة لي سأختار إسلام الحياة الذي به يتحقق التعايش والسلام بين كل الأنام.. إسلام الحياة الذي هو إسلام الله، إسلام الحياة الذي يعتبر وجود القرآن فيه كمجرّد محاولة عفوية بلغة قديمة للتعبير عنه وليس بالضرورة جزءا منه، لتكن هذه واضحة؛ فرق بين الخطاب القرآني وبين الدين الإسلامي، فالأول لا يعدو عن كونه محاولة للتعبير عمّا في الثاني وليس بالضرورة جزءا منه أو مرتبطا به، وبالتالي، من لم يقتنع ببعض ما جاء في الخطاب القرآني ليس ملزما بأن يؤمن به ولا يُعتبر خارجا عن الإسلام، فالإسلام كما بيّنا محصور في ركنيه المتمثلين بـ(التسليم بالله والسلام مع خلقه)، وما عدا ذلك ليس جزءا منه.

وختاما؛ الإسلام الذي سيستمر مدى الحياة هو إسلام الحياة، هو الذي عبّرت عنه هذه الآية بهذه الكلمات (بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون).. أقول قولي هذا والسلام.



   نشر في 19 شتنبر 2022  وآخر تعديل بتاريخ 09 نونبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا