الكتابة نعمة لا تمنح مفاتحها الا للساكتين او الذين يحاولون اطباق افواههم، واصلين فكيهم،واضعين السنتهم في عبوات مسددة بإحكام تصيب منك ما لا يصله الرصاص و تحرق فيك ما لا تحرقه النار، من دون ان تتوفر شروط الاحراق و دواعيه. المدى هو جزأ صوري ،ضروري و يستدعي الاحكام ،الذي لا يتأتى الا بعينين صحيحتين تمكنان المتفحص من تمحيص المتمحص ، و هو امر تابث يتساوى فيه اختلاف الوان العين، من الاخضر الزبرجدي إلى البني العسلي، أو شكلها، من المقوس اللوزي إلى القمري.والضرير في هذا لا يختلف على من سبقه من المبصرين على علة بصره و بوصلته في ذلك بصيرته التي تمكنه من تحديد جوغرافيا الجسد و البلد ،عابرا الى دواخلك كسندس لا تدرك دخوله الا بعد حين ،بعد ان يتمكن من حواسك و اضطرادات نبضك الغاضب، رائدا للملاحة في سحائب رأسك.
الكتابة نعمة لا تمنح أقفالها الا لغير الساكتين، المنعوم عليهم بسلطان اللسان، و هذا اللسان هو مطيتك الى عوام الناس ممن عزفت عقولهم عن التبصر و الامعان و الانصاط، و ضاعت بين التفكير و التكفير.الجريمة الحميدة عندهم هي التفكير مع سبق الإصرار و الترصد غير مبالين بالاغتراب و لا الاقصاء ،متصنعين للاكتئاب...