الإدارة المدنية في عصر المندوب السامي الأول. 

بتعيين هربرت صموئيل مندوباً سامياً على فلسطين في آب/ أغسطس 1920م انتهى الحكم العسكري، وبدأت الإدارة المدنية البريطانية التي استمرت حتى تطبيق صك الانتداب في أيلول/ سبتمبر 1923م ولا بد من التنبه إلى أن هذه الإدارة المدنية لم تكن قانونية، ولم تأخذ شرعية من عصبة الأمم، بل لقد وجدت معارضة كبيرة داخل مجلس اللوردات البريطاني، ومع ذلك تسلم صموئيل مهام منصبـه، وأحـدث تغييـرات، وسـنّ تشريعـات بهـدف الإسـراع فـي تحقيق تصريح بلفور وإقامة دولة يهودية .

يعد هربرت صموئيل أحد الشخصيات اليهودية البريطانية دور هام في إنشاء لوطن القومي اليهودي من خلال انتمائه للحركة الصهيونية بين عامي 1902 – 1914، إذ انه في البداية لم يكن مهتماً بأمرها ثم تغير موقفه حينما تبنى الفكرة الصهيونية عام 1914 بعد دخول الدولة العثمانية الحرب الى جانب دول الوسط (المانيا والنمسا والمجر) في مواجهة دول الحلفاء (بريطانيا وفرنسا وروسيا).

لعب صموئيل دوراً مهماً في رسم السياسة البريطانية عند توليه المناصب المختلفة في الحكومات البريطانية المتعاقبة، ففي عهد حكومة إسكويث(Asquith) 1914-1915 قدم مذكرته الى الحكومة البريطانية حول مستقبل فلسطين، إذ حاول اغراء السلطات البريطانية بقبول إقتراحه بالتأكيد على منافع بريطانيا من وراء سيطرتها على فلسطين، كما أن تلك المذكرة كانت المقدمة لإصدار وعد بلفور عام 1917 الذي قام فيه صموئيل بدور كبير. وأثناء إنعقاد مؤتمر الصلح في باريس عام 1919 كان لصموئيل أثر كبير مع الوفد الصهيوني الذي حضر المؤتمر برئاسة حاييم وايزمن (، ومن ثم دوره كمندوباً سامياً على فلسطين 1920 – 1925 من خلال سنه القوانين والأنظمة في أثناء حكمه فلسطين، مما جعلها في النهاية صالحة لا لإنشاء وطن قومي يهودي فحسب، بل الى إنشاء دولة إسرائيل.

اجتمع هربرت صموئيل بعد وصوله للقدس بوجهاء المدينة في تموز/ يوليو 1920م، وفي اليوم التالي اجتمع بوجهاء حيفا، ووعد الوفدين بضمان الحرية والمساواة، وتطوير البلاد إدارياً واقتصادياً، وأعلـن العفـو عـن المعتقلين الفلسطينيين منـذ انتفاضة موسـم النبي موسى.

لكن صموئيل ومنذ تسلمه لمنصبه أظهر انحيازاً للصهاينة، وقام بعده أعمال من شأنها الإسراع في تحقيق إنشاء الوطن (القومي) لليهود في فلسطين، ومن ذلك:

1. عين يهودي نائبا عاماً له، وترك له مهمة إعداد القوانين والأنظمة.

2. عين عسكرياً متعصباً للصهيونية سكرتيراً عاماً لإدارته، 3. جعل نسبة الموظفين اليهود أربعة أمثال الموظفين العرب وملأ الإدارة المدنية بعشرات

كبار الموظفين اليهود.

4. جعل المناصب االكبيرة والحساسة في يد اليهود مثل السكرتير العام والنائب العام ومدراء التجارة والهجرة والأراضي.

5. اعترف باللغة العبرية لغة رسمية إلى جانب الإنجليزية والعربية.

6. سمح للصهاينة بإدارة مؤسساتهم التعليمية، فيما جعل تعليم العرب تحت الإدارة البريطانية.

7. أنشأ مجلساً استشارياً لإضفاء الصفة الشرعية على حكومته، وجعل المجلس مكوناً من سبعة يهود، وسبعة عرب (4 مسلمين و3 نصارى) وسبعة بريطانيين وأوهم بذلك عرب فلسطين أن ذلك خطوة نحو الحكم الذاتي.

8. سنّ تشريعات وقوانين، سمحت بتدفق الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، فطوال فترة الحكم العسكري وصل

إلى فلسطين 4.200 مهاجر صهيوني، أما خلال نصف عام من الإدارة المدنية (بعد تسلم صموئيل حتى نهاية عام 1920م) وصل 8.200 مهاجر وأعلن أنه سيسمح بإدخال 16.500 مهاجر آخرين يمكن للبلاد استيعابهم.

9. أصدر قانون انتقال الأراضي لعام 1920م بحيث يمكن أن تباع الأراضي لليهود.