فى ليلة رأس السنة نتلاقى جميعاً فى هذا المكان على إختلاف ماهيتنا .. نتذكر الأحلام والوعود ، ونتوق إلى المعانى التى لطالما رددناها وشدونا بعبق اتيانها .
فى ليلة رأس السنة يجذبى كل من على الكورنيش وقتها .. ترى هنا انساناً قد أتخذ من السماء منجاةً له فى تلك الليلة ، وآخر ينسجم حباً مع فتاة تعشقه .. ستجد هنا عجوزاً وزوجته تنتهك التجاعيد ملامحها ..ويقتلهما الزمن ، ستجد اطفالاً فى مقتبل العمر .
لكل فرد من هؤلاء حكايته .. وغاياته .. لكل منهم ذكريات تربطهم بهذه السنة وتأبى أن ترحل عنهم ، هنا تكمن شرزماتً من الأحلام والأمانى التى ظللنا نبحث عنها طوال العام دون جدوى .. هنا تكمن رائحة عطر لفتاة أحببتها وأبى القدر - أو أبينا نحن - أن يجمعنا اليوم كما كنا نحلم ..
هنا تكمن آخر كلماتِ قالها لى صديق قبل أن يرحل ومعه فتيلاً من روحى .. هنا الدمعات المكتومة التى لطالما أخفيناها فى لحظات الوداع
هنا تنتهى كلُ الأحلام .
يرسل لنا القدر كل عام أسراباً من الأمنيات تحلق فوق رؤسنا ثم يبيت بريقها خافتاً كلما مرت الدقائق .. حتى تتلاشى فتيلاً ونلملم أحزاننا بعدها. أتساءل إذا كان القدر على جسارته تلك يشفق علينا ونحن أسرى لحزن قد تملَكَ منا .. هل يدمع القدر مثلما نفعل نحن ؟! هل يتألم فى صمت كما نتألم ؟ هل يعتلى هماً كذلك ل ليلة رأس السنة مثلما أفعل ؟ هل يخضع للقدر لقانون النهاية مثلنا ؟
دائماً وأنا أكره النهايات .. أكرهها كثيراً .. لأنها تسلب منا نشوتنا بالحياة ، النهايات تطوقنا ، تدخل فى قلوبنا الخوف من ان يرحل من نحب ، أو ان نرحل نحن عنه .. النهايات تسرى قى قلوبنا حنين لذكريات قد إنتهت .. النهايات تخلق منا أشباه كائنات تتشبث بما لديها وهى مدركة أنه سينتهى يوماٍ ما ..
يوماً قريباً لا محال منه . النهايات تجعلنا نخاف المغامرة ، نخاف أن ننزوى مع من نحب خوفاً منا أن يرحل ونجد أنفسنا بين أركان حجرة تكاد تمتلىء بعبقه وبذكرياته التى قد أحقنها لنا دون أن ندرى .
النهاية الوحيدة التى لا أخشاها هى الموت
فالموت رغم كونه نهاية الرحلة إلا أنه فى حد ذاته بداية لحياة لا أحد يعلم عنها شىء ، فأنا أحياناً أشتاق إلى ان أعرف ماهيته .. إلى ان أدركه بحواسى ، إلى أن أعلمه عله يصبح النهاية الأولى التى أحبها ..
تاخذنى رائحة المطر فى هذه الليلة من ليالى ديسمبر وكأن السماء تواسى المنزوين وحدهم ليلتها يتألمون فى دواخلهم ، ولكم داعب مسامعى صوت المطر الذى يأتى ليضاحى ألحان موزارت وريو . لكم اظن أن أجمل ذكرياتنا تحدث فى ديسمبر أو حتى بين أحضان المطر ، وكأن فى هذا الجو سحر ، لا يضاهيه أى سحر .. فى الشتاء معانى كثيرة تتجلى فى هذه الليلة الباردة ، لكنى اشعر بما قال أنطون تشيخوف .. ف أنا أيضاً وحيد لا حب يدفِئنى .
فى ليلة رأس السنة أتنصل من كل ما اقترفت فى هذا العام وأبدأ بداية جديدة تختلف كل الاختلاف عن سابقتها .. فى هذه الليلة أرتمى فى أحضان أوراقي والموسيقى الكلاسيكية وأكتب كل ما حلمت به ..
أستطيع فى تلك الليلة خلال ثوانٍ أن أصبح مع من أحب .. أن أكون بطل لفيلم سينمائي .. أستطيع أن أصبح أى شىء وكل شىء
فى هذه الليلة نمضى مع الثانية عشر ... نمضى إلى حياة أخرى ، حياة لا نعرف عنها شىء سوى أنها ستنتهى قريباً فى ليلة رأس السنة !
التعليقات
أبدعت ..