السعودية 2030 بين الرؤية الحديثة والموروثات القديمة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

السعودية 2030 بين الرؤية الحديثة والموروثات القديمة

  نشر في 10 ماي 2018 .

طالعت تفاصيل الرؤية الإستراتيجية للدولة السعودية 2030 ، تغمرني مشاعر عديدة من السعادة والإعجاب والخوف والحذر .. نعم خليط من المشاعر تجاذبني أطرافه وأنا أقرأ تفاصيل تلك الرؤية الطموحة القوية الحالمة ، والتي تنبئ بقدر كبير من التحول الفكري والإستراتيجي لدي قادة الدولة السعودية.

أربعة وعشرون (24) هدف رئيس تضمنتها محاور تلك الخطة الإستراتيجية تنوعت بين أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية عكست ذلك الطموح الكبير لدي قادة الدولة ، وأظهرت ذلك الإصرار والعزم القوي علي التحول الإستراتيجي لمسار الدولة السعودية.

ومع عدم الإعلان عن البرامج التنفيذية التي سيتم وضعها لتحقيق تلك الأهداف الإستراتيجية يكون من السابق لأوانه الحكم على مدى إمكانية نجاح تلك الرؤية ، وقدرتها على تحقيق أهدافها الإستراتيجية.

ولكن ما دفعني حقيقة إلي كتابة هذا المقال هو حبي الشديد لهذا الوطن ، ليس فقط من منطلق ديني وعقائدي ، ولكن كذلك من منطلق اجتماعي وإنساني فلقد نشأت في هذا البلد طفلاً في سبعينيات القرن الماضي ، وعملت به شاباً منذ مطلع القرن الحالي.

وهذا في الحقيقة هو ما جعل مشاعر الخوف والحذر تنتابني وأنا اقرأ محاور تلك الرؤية ، فأنا أعلم جيداً طبيعة المجتمع السعودي كما يعلمه غيري ممن نشأ وترعرع في أحضان هذا البلد الحبيب.

كلنا نعلم أن لهذا المجتمع طبيعة خاصة تكونت على مر العقود الخمسة الماضية ، حملت أبنائه بموروثات اجتماعية أقل ما توصف به أنها غير داعمة لمسيرة النهوض والتقدم ، والتي أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :

- الركون للأعمال الإدارية والبعد عن الأعمال الفنية والمهنية ، فغالب المواطنين السعوديين قد اعتادوا أن يشغلوا وظائف إدارية وقيادية أياً كان مستواه الوظيفي .

- الأنفة عن ممارسة بعض الأعمال ، وتركها لجنسيات أخرى ، مع أنه لا يوجد لذلك مثيل على مستوى العالم الذي يشارك أبناؤه في العمل في جميع التخصصات والأعمال كل حسب إمكاناته وقدراته.

- انخفاض معدل الإنتاج لدى الشريحة العظمى من المواطنين سواء كان ذلك في القطاع الحكومي أو الخاص إذا ما قورن بمثيله من الجنسيات الأخرى في نفس العمل أو في أماكن أخرى ، ساعد في ذلك دعم الدولة اللامحدود لتوظيف المواطن السعودي (وذلك لخفض نسب البطالة) سواء بدفع أجزاء من الراتب أو فرض نسب للسعودة الإجبارية ، مما دفع أصحاب الأعمال إلى إجراء مجموعة من التعيينات الصورية علي الورق ، أو التعيينات شبه الصورية والتي يعمل فيها الموظف السعودي فعلاً ولكن بشكل غير فعال وبدون أن يتم تقييم جودة أدائه أو مستوى إنجازه ، لأنه من البداية قد تم تعيينه دون انتظار الكثير منه ، فقط لتغطية نسبة السعودة المطلوبة. وهذا ما خلق نسب عالية من البطالة المقنعة في سوق العمل السعودي.

- نظام الكفيل وغيره من الأنظمة الإدارية التي أعاقت اندماج المقيمين الأجانب (غير السعوديين) على أرض هذا الوطن بشكل فعال يسهم في نهضة وتقدم الدولة على غرار مثيلاته من الدول الأجنبية المتقدمة.

ما سبق وغيره من الموروثات الاجتماعية والإدارية في المجتمع السعودي قد يشكل العائق الأكبر أمام تحقيق هذه الرؤية الطموحة ، والتي تحتاج في حقيقة الأمر قبل وأثناء وبعد إعداد البرامج التنفيذية إلي الكثير من الجهد في إزالة تلك الموروثات ، والبدء بحملات قومية اجتماعية تهدف إلي اكتساب قيم اجتماعية وإدارية جديدة تسهم بشكل فعال في دفع عجلة التقدم ، وتشكل الركيزة الأساسية في إطار التحول الإستراتيجي.

علي أن تقوم إدارة تلك الحملات القومية بانتهاج النهج العلمي في إدارة تلك الحملات من حيث القياس والتحليل والتحسين والمراقبة ، وقياس الأثر الناتج عن تلك الحملات بشكل علمي ودقيق ، وتحليل تلك النتائج ووضع التحسينات المطلوبة على الخطة الموضوعة ، ومراقبة تلك التحسينات المستمرة للوصول إلي النتائج المرجوة.

وفي ختام مقالي هذا أدعوا إلي تدشين حملة قومية لتحويل تلك الرؤية إلي مشروع قومي يرتبط بوجدان كل مواطن ومقيم على أرض هذا الوطن العزيز الغالي عن طريق قيام المكتب الإعلامي المسئول عنها بتوزيع المنشورات والمطويات وعقد اللقاءات والمؤتمرات .

ينبغي أن تكون أهداف تلك الرؤيه معلقة في جميع الجهات الحكومية والخاصة ، وعلى لوحات الدعاية العامة ، وفي الميادين والشوارع الرئيسة ، وفي المدارس والجامعات .

يجب أن يحمل كل مواطن ومقيم أهداف تلك الرؤيه ، لا أقول في جيبه ولكن في قلبه. 


  • 1

  • D. Ahmed Hassanien
    خبير إدارة المشروعات واستشاري الادارة الاستراتيجية ،باحث في مجال العلوم الإدارية والتنمية البشرية ،كاتب ومفكر استراتيجي ، له العديد من المقالات والمؤلفات .
   نشر في 10 ماي 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا