أحب القراءة و الكتابة ثم الشجاعة ، و بين الأولى و الثانية تكمن الثالثة. إن اللغة أكبر مميز للإنسان عن بقية المخلوقات ، لنعتبر الكتابة أو تلك الورقة البيضاء ساحة المعركة التي ستتقاتل بداخلها الكلمات بعضها البعض ، فتموت الكلمة غير الملائمة و تسقط خارج الساحة البيضاء (الورقة) وتبقى الكلمات القوية مصفوفة كأنها جنود مكَوِّنَةً جيشا مرتبا و منظما و دقيقا فلكل جندي مرتبته وموقعه الفعل و الفاعل و المفعول به و هكذا... كل هذا بفضل الجنرال "الشجاع" المحنك الموجود خارج رقعة المعركة. إنه الكاتب الذي أمدّ جنوده خطة محكمة أزال فيها كل الرواسب ليفوز بجيش متراص من الكلمات ،وبالتالي يصبح النص (الجيش) جاهزا للانتقال من هذه الساحة البيضاء -التي لم تعد بيضاء - إلى ساحة أكبر منها وهي ساحة القراءة أي ساحة الحياة. إن اختيار المواضيع شأن يتطلب شجاعة كبرى خاصة البعض منها ، حيث نجد هذا عند بعض الفلاسفة الذين تكلموا في مواضيع مقلقة وحرجة بكل شجاعة وجرأة ، سواء نجحوا في ذلك أم لم ينجحوا، كل ما يهمنا في هذا المقام مسألة توظيف الشجاعة نحو موضوع معين ، بحيث ينطوي مفهوم الشجاعة هنا على الجرأة و المعرفة و الأدلة التي يعزّز بها هذا التصور أو ذاك بأسلوب منطقي و معقلن.
نعلم أن القراءة و كثرتها تخول لنا الكتابة وتمثل المرحلة الأولى بالنسبة لها ،لكي نقرأ كتابا أو نصا معينا يستلزم منا أن نحبه حتى نفهمه - هنا حب الكتاب للكتاب و النص كنص للقراءة لا للمضمون - ولكي نحبه يستوجب منا شجاعة فحب الشيء يتطلب منا شجاعة و هذه هي القاعدة . إليكم الآن تصور العاشق : كلنا نعلم أن العاشق الحقيقي إذا ما أراد الحصول على معشوقته أو محبوبته يفعل كل شيء بل يفعل المستحيل، يُقْدمُ عليها بكل شجاعة و إقدام ولا يأبه للناس ولكلامهم ، ولا يخشى الأهوال و المهالك و الصعوبات التي يصطدم بها و تعيقه عن مراده ، فكم من جبان حين عَشِقَ أصبح أشجع الشجعان ، وكم من ضعيف غدا أقوى الأقوياء ، و كم من بليد غبي أمسى أذكى الأذكياء ، و كم من عديم الصبر راح أصبر الصابرين . إذن كل هذا من أجل الحصول على المحبوبة و المعشوقة، هكذا هم العشاق الحقيقيون. لذا أدعو بإسقاط نظرية العاشق هذه على القراءة و الكتابة بل على كل شيء في هذه الحياة أردنا الحصول عليه ، إذا أردت أن تصبح قارئ جيدا طبق نظرية العاشق إن كنت تحب القراءة ، و اذا كنت تريد أن تصبح كاتبا جيدا عليك بنظرية العاشق -طبعا- إن كنت تحب الكتابة ، تريد أن تكون ناجحاً في حياتك تعلم نظرية العاشق فهي يسيرة وصعبة لكن ليست مستحيلة إطلاقا.