تحت ظل العرش 1
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ
نشر في 02 ماي 2018 .
اعلم يا رحمني الله و إياك ، أن رب العزة إذا أحب عبدا ، حبب إليه الخُلوة إلى مخلوقاته .. فينعزلُ بذاته إلى الفضاء الفسيح ، متأملا في ملكوت الله .. في الدنيا .. في جريان الساعات و عدو الأحقاب ، و كيف أنه تعالى و جل ساق إليك الرسائل تلو الرسائل ، من أول الشيب يغزو رأسك ، إلى آخر حبيب لك زففتهُ إلى التراب و دموعك معه ..
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ
يخبرنا الله عز و تبارك عن مشهد من مشاهد يوم القيامة .. عن نوع فريد من الخلق ، الذين آمنوا بالله و رسله ، و جاهدوا أنفسهم و الشهوات ، كانوا يعلمون أن الدنيا خيرها ترك ما فيها ، و كانت طريقهم بالشوك ملئى و كل همهم كان أن يتقوا الأشواك و هم حُفاة .. عاهدوا مليكهم على الوفاء حتى آخر قطرة من أرواحهم ، و يتحملون في سبيله الأذلى .. يسعون في الدنيا كانوا ، أغرابا غرباء ملتحفين أثواب الليالي ، كل همهم كان .. نصف الليل الأخير .. حينما يقدم المليك .. تحن جباههم إلى الأرض في جوف الظلام كي تنعم ، و تجري دعواتهم تترى على خدودهم .. يعرفهم سكانُ السماء و يغفل عنهم أغلب أهل الأرض ..
كفافٌ عفافٌ هم كانوا لا يسألون الناس إلحافا ، أخلاقُهم قرآن يمشي على الأرض ، أغلى أمانيهم كانت أن يروا رسولهم صلى الله عليه و سلم في المنام ، يودون لو أنهم يدفعون مقابل رؤية صفحة وجهه الأهل و الولد و المال .
كانوا في خدمة إخوانهم ، قلوبُهم أصفى من اللبن ، و ألين من الزبد ، لا يُسلمون أرواحهم إلى وسائدهم قبل أن يتصدقوا بأعراضهم و يصرخون في صمت .. يا الله يا الله ، هذه أعراضنا بها نتصدق عساك تعفو عنا يوم نلقاك عرايا .. "مولاي قد نامت عيون ، و تيقظت أيظا عيون ، نامت عيون الخائنين و عين نجمك لا تخون " ثم إلى الملكوت يخلدون ، كما تخلد الفراخُ إلى أمهاتها ..
"إلهي ..و خلاقي .. و حرزي و موئلي .. إليك لدى العسر، و اليسر أفزعُ .. إلهي لأن جلت خطيئتي ، فعفوك عن ذنبي ، أجل و أوسعُ ..إلهي ترى حالي ، و فقري و فاقتي ، و أنت مناجاتي الخفية تسمعُ "
يخرجون من قبورهم ، يسطع نورهم أمامهم و خلفهم و بين أيديهم ، تتلقاهُم الملائكة ، أن لا خوفٌ عليكم و لا أنتم تحزنون ، أبشروا بالجنة التي وُعدتم ، فيقبلون على رب الأرباب مستبشربن يأتون جماعات و جماعات ، زمرا يحشرون إلى الله عز و جل ، منهم من لا حساب عليه يساقُ إلى الجنة مباشرة ، و منهم من يحاسب حسابا يسيرا ، حتى إذا جُمعوا إلى باب الجنان ، تلقاهم على الباب نبيهم محمد صلى الله عليه و سلم ، يستفتحُ فيفتح لهم فيدخلون ، لا حقد بينهم و لا تباغض يفرحون بهبات الله ، و يرو وجه الله الكريم في مستقر الرحمة .. و يشفعون في إخوانهم ممن أوبقتهم معاصيهم فيشفعون .
صفوة الصفوة ، صفوة الله من خلقه ، يفاخر بهم في الملأ الأعلى ، و هو أعلم بأحوالهم ، يراهم يتسللون في ظلمات الليالي ، يتركون الفرش و اللذيذ من النوم و م أنعم الله عليهم به ، و يأتون إليه ، المليك جل المليك .
"مع الله في سبحات الفكر .. مع الله في لمحات البصر ، مع الله في زفرات الحشا ، مع الله في نبضات البهر ، مع الله في رعشات الهوى ، مع الله في الخلجات الأخر ، مع الله في مطمأن الكرى ، مع الله عند امتداد السهر !"
اعلم يا رحمني الله و إياك ، أن الدنيا حُلم طويل ، تستيقظ منهُ في القبر ، فاعمل ، و لا تنساني من دعوة بظهر الغيب .. و إلى آية جديدة .. و تحت ظلال العرش
أحبك في الله
مهدي يعقوب
-
يعقوب مهدياشتغل في مجال نُظم المعلومات .. و اعشق التصوير و الكتابة