يوميات كاتب في مركز المعلوما ت ( العاميريزم ) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

يوميات كاتب في مركز المعلوما ت ( العاميريزم )

  نشر في 05 ماي 2017 .

اكتسب مع توالي الأيام ، محبة خاصة في قلوب زملائه ، الذين أطلقوا عليه لقبا أصبح مشهورا به داخل مركز المعلومات ، كانوا ينادوننه باسم منطقته التي ينحدر منه ، كان لقب الدكالي لقبا عزيزا على قلبه ، فهو يعتز أنه ينحدر من هذه المنطقة قرب مدينة الجديدة ، المشهورة بكرم أناسها ، و خيرات أرضها الوافية ، و كان يعقوب ، حينما يدخل يلقي السلام على الكل ، و كانت جملته الشهيرة التي لازمته مذ حل هناك بينهم : السلام عليكم أيها الأحبة ! كانت هذه الجملة حبيبة على قلبه ، قريبة إلى روحه ، تذكره بمقولة بلال رضي الله عنه مؤذن الرسول صلى الله عليه و سلم ، حينما أتته الوفاة ، و في سكرته ، كانت زوجته تقول له ، واكرباه ، وابلالاه ، فكان يقول لها ، بل قولي وا فرحاه ، وا سعداه ، غدا نلقى الأحبة ، محمدا و صحبه ! فكانت هذه اللازمة الجملة ، يرددها كل يوم ، و يمني نفسه ، و يدعو الله عز و جل أن يحشره و جميع زملائه مع الأحبة ، محمدا و صحبه .. و كان كل من يراه ، يلقبه بالدكالي ، و الحق أن هذا اللقب لم يأت من فراغ ، فأفراد قبيلة دكالة ، يتميزون دونهم دون شعوب المغرب الأخر ، ببسطة في الخلق و الجسم ، طوال عراض ، سمر الوجوه ، لا يضاهيهم في الأكل أحد ، من أجل كل ذلك كانوا يطلقون عليه لقب الدكالي ، و الحقيقة ، أنه من بين أخويه الأخر ، كان هو الذي ورث هذه الصفات و المزايا الخلقية .

كان الجو العام في مركز المعلومات ، يبعث عموما على الإبتهاج ، و كان يذكره في كل مرة بمكتب البريد في ألمانيا كانت وظيفته محببة إليه جدا ، كان يحبها حبا جما ، و كان يعمل عمله بإخلاص شديد ، و يحرص على أن لا يقترف أخطاء ، و هذا ما أعجب رئيسه في العمل ، و ما أعجب زملاؤه ، و لحسن قدره ، أن البريد الذي كان يوصله ، لم يكن بريدا عاديا ، بل كان يوصل الفواتير ، و أحكام الإفراغ بالنسبة للمكترين الذين لم يدفعوا واجب الكراء ، و نحو ذلك ، فكان الزبناء الذين إليهم يوصل الرسائل يرحبون به ، و يمتعضون في نفس الوقت ، و ينتظرون رسائلهم بلهفة ، لينظروا ما تحوي ، و كثيرا ما كان يكافئ حسب المناسبات ، ففي أعياد الميلاد ، كان يحصل على الشوكولاتا و النقود ، و في الأيام العادية ، و إذا قدر له أن يوصل رسائلا لمتاجر معينة ، أو لخضار مثلا ، يفوز بتفاحة أو بمانجا، استمتع بعمله أيما استمتاع ، و كان أحسن الأعمال التي عملها في المانيا على الإطلاق ، و لم تكن المهنة ممتهنة قط بين الناس ، بل كان ساعي البريد يرتقي مكانة جميلة بين المجتمع ، باعتباره أداة الوصل بين المؤسسات الحكومية ، المختلفة و بين أفراد المجتمع الألماني ، و كانت وظيفته ايضا مصدر ثقافته ، فقد كان يحصل على الجرائد مجانا باعتبار شركته ، المسؤول عن توزيع الجرائد و الصحف ، فكان يأتي كل صباح ، و يحصل على نسخته مجانا ، فيقرأ ما تيسر مطالعا الأخبار بعد أن يكون قد رتب رسائله حسن المناطق ، فبعد أن كان يستغرق ساعة من أجل إنجاز ذلك أصبح ينجز ذلك في 15 دقيقة ، ليتبقى له بعد ذلك من الوقت الكثير ، فيه يقرأ الجرائد ، أو يشرب حليب الصباح ، أو يخرج قبل موعده ، لينتهي باكرا ، من أجل أن يرجع إلى منزله مبكرا ... و كانت جملته المعتادة : صباح الخير لدي بريد !! جملة محببة لسامعه ، حتى أن من بين المواقف المضحكة ، أن هناك كشكا تشرف عليه سيدة المانية عجوز ، و كانت كل يوم تتوصل ببريدها ، فكان حينما يردد جملته المعهودة تجيبه هي بكلمة نعم و هي بالالمانية : ياااااا بشكل منغم ملحون ، مثير للضحك ، فيبادلها الضحك ، و يناولها بريدها ، لتتمنى له بعد ذلك قضاء يوم سعيد ...

و كان المكتب بالنسبة إليه أكثر الأماكن التي تجعله يغرق في ضحك متواصل من القلب ، فبعض الألمان ، و الزملاء ، يبدعون في السخرية من حكوماتهم ، و البحث عن طرائف يقللون بها من روتين اليوم ، غير أن العامل المشترك بينهم كان حبهم لوضيفتهم ، فالبريد كان بالنسبة إليهم ، عالما فريدا ، و نافذة من خلالها يطلون على الشارع الألماني ، بتطلعاته ، آماله و همومه التي لا تحصى ، و كان مغمرة في حد ذاتها ، حينما يأتي فصل الشتاء ، و تمتلئ الأرض بياضا ، فيصبح عليهم ، و هم سواق الدراجات الهوائية ، أن يحافظوا على سلامة الرسائل ، و في نفس الوقت ، يحافظون على توازن دراجاتهم ، البريد ، ذلك العالم الحبيب ، الذي طالما احترمه ، كان له عالما ، فوق كل العوالم ، و لا يظن أن كل الناس أحبت أو تحب وظيفتها ، كما تعلق هو به قلبه ، فأحسه كشخص عزيز عليه ، يصعب عليه فراقه ...

كان السيد حسن عامر ، رجلا مكتمل الصفات أو يكاد ، فيلسوفا في أحيان ، مرحا في احيان أخرى باعثا على الضحك و البهجة ، مشاكسا للكل في كل وقت تسنح له الفرصة بذلك ، و كان يعقوب معجبا به جدا ، و يقصده كلما استشكل عليه شيء في العمل ، فكان يرحب بمساعدته هو و أصحابه أيما ترحيب ، و كان ينقل بين طباع عديدة ، في يوم واحد ، فيمكن أن تجده ، صموتا في حين ، ضحوكا بعدها ، و يتنقل عبرها في سلاسة غي معهودة ، لكنه على العموم كان شخصا يحب ، و يؤلف ، و كان الشخص الوحيد في مركز المعلومات الذي يتميز في طريقة نقاشاته حينما يكون الحوار بين الزملاء حول موضوع ما ، حتى أن السيد محمد حبيب عامر ، أطلق علي طريقته في التفكير و الحوار و التحليل اسما فلسفيا ، و هو : العاميريزم ، أو الطريقة العامرية الفلسفية ، و الحق أنه و بعيدا عن المزاح ، كان شخصا يثير الإعجاب من كل من يدور في فلكه ، و صادف أن أراد يعقوب أن يتقرب منه في يوم ، فغادر معه مركز العمل في الساعة السابعة مساء ، و ذهبا معا إلى المسجد القريب ، و أديا صلاة المغرب ، ثم سارا في طريق واحد حيث أن السيد عامر يقطن غير بعيد عن المكان الذي يقطنه يعقوب ، فلم يحس يعقوب بالطريق ، من حلاوة النقاش الذي داربينه و بين السيد عامر ، و كان السيد عامر لا يؤمن بالمس ، و لا بالأذى الذي تسببه الشياطين للإنس عكس السيد محمد حبيب الذي كان يؤمن بذلك أشد الإيمان و في كل مرة يناقش هذا الموضوع في مركز المعلومات ، كان يقسم غلاظ الإيمان أنه شاهد بعينيه ، أشياء ، تؤكد أن المس موجود ، و أذى الشياطين للإنسان موجود كما أنه يرى بعينه السيد عامر .. كان السيد عامر على العموم شخصا عقلانيا أكثر منه تسليما و إيمانا بهذا الموضوع بالذات ، كان شخصا فلسفيا ، يمارس عملية الشك في كل الأشياء إلى أن يتبين العكس ، و تتبين حقيقتها و كان يعقوب يستمتع أيما استماع في كل مرة يستمع إليه و إلى تحليلاته .



  • يعقوب مهدي
    اشتغل في مجال نُظم المعلومات .. و اعشق التصوير و الكتابة
   نشر في 05 ماي 2017 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا