أثر تغير قيمة النقود مع تغير الوقت في سداد الدين - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أثر تغير قيمة النقود مع تغير الوقت في سداد الدين

هل تتغير قيمة الديون مع مرور الوقت؟

  نشر في 14 ماي 2019  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

تمهيد:

تميزت الشريعة الاسلامية بنهجها القائم علي تنظيم وتوجيه عادات الناس ومعاملاتهم على أسس من العدل المطلق وإزالة كل أشكال الظلم أو الوسائل المؤدية إليه، فكان تنظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاملات المسلمين، ومنها ما يتصل بالنقد، وكان الضابط الذي يشكل جوهر هذا التنظيم الحفاظ علي مصلحة الطرفين، وعدم تغليب أحدهما علي الأخر.

أهمية البحث:

إن ظهور النقد وتطوره يشكل أحد الأمور الهامة التي أثرت في الحياة الاقتصادية للبشر، وأحدثت انقلابا كبيرا في النظم الاقتصادية والاجتماعية ولا تزال. وتأتي أهمية الدراسة من خلال:

حقيقة أن تغير القيمة الفعلية للعملات، مع مرور الوقت، واحدة من أهم المشكلات الاقتصادية المعاصرة، سواء علي مستوي الدول أو الأفراد. والتي يظهر تأثيرها علي أفراد المجتمع بصورة واضحة، من خلال سدادهم للديون المترتبة علي معاملاتهم المالية. فقد يحل أجل الدين، وقد تغيرت قيمة العملة من حيث قيمتها وقوتها الحقيقية بحيث لا يكون المستحق عند الوفاء مكافئا للمتفق عليه عند عقد المعاملة، مما قد يلحق ظلما كبيرا بأحد الأطراف، دون تقصير من جانبه.

مشكلة البحث:

وقد تعددت أراء الفقهاء قديما وحديثا فيما يتعلق بالأحكام الضابطة للمعاملات النقدية الخاصة بتغير القيمة الفعلية للعملات مع مرور الوقت، وأثر ذلك في سداد الديون. وقد أثر عدم وضوح نشأة و تطور مراحل النقد علي هذه الأراء بشكل كبير. (الناصر، د.ت)

وعليه يمكن صياغة مشكلة الدراسة في التساؤلات الأتية:

1. ما هو تعريف العملات النقدية، وما هو تاريخ تطورها؟

2. ما هو أثر تغير قيمة العملات النقدية في سداد الدين؟


أهداف البحث:

-1- الوقوف علي تعريف العملات النقدية، وتاريخ تطورها.

-2- تحديد أثر تغير قيمة العملات النقدية في سداد الدين.


خطة البحث:

تضمن البحث: مقدمة، ومبحثين، وخاتمة، وقائمة المراجع.

المقدمة تضمنت: أهمية البحث، ومشكلته، وأهدافه، وخطته.

المبحث الأول: العملات النقدية. وفيه مطلبين:

المطلب الأول: تعريف العملات (النقود) لغة واصطلاحا.

المطلب الثاني: تاريخ تطور النقد والعملات النقدية.

المبحث الثاني: أثر تغير قيمة العملات النقدية في سداد الدين. وفيه مطلبين:

المطلب الأول: حكم العملات الورقية (الأوراق النقدية) في سداد الدين.

المطلب الثاني: أثر تغير قيمة العملات النقدية.

الخاتمة: وتشمل النتائج  والتوصيات.

قائمة المراجع.


المبحث الأول: العملات النقدية

المطلب الأول: تعريف العملات (النقود) لغة واصطلاحا

العملات: جمع عملة، وهي وحدة التبادل والتعامل التجاري، فمعني كلمة عملة يأتي من كلمة التعامل، أو من أجرة العمل. والعملة هي النقد (معجم المعاني الجامع، د.ت). ويفرق البعض بين مفهومي النقد والعملة، علي أساس شمول النقد، وخصوص العملة، فالنقد يشمل كافة المبادلات التي تتمتع بقبول عام في الوفاء بالإلتزامات، أما العملة فهي نوع من أنواع النقود الحكومية وهو ما يكون لها قوة إبراء الديون وتقتصر على المسكوكات المعدنية والعملة الورقية الحكومية. (عبدالله، 2013)

إلا إننا غالبا ما سنستخدم مصطلح النقد لشموليته بديلا عن العملة خلال هذا البحث.

والنقود لغة : جمع نقد، جاء في القاموس المحيط: "النَّقْد : خِلاف النَّسيئَةِ ، وفي مختار الصحاح: نقدَه الدَّرَاهِمَ وَ نقََدَ لَه الدَّرَاهِمَ أَيْ أَعْطَاه إِيََّّاهَا فَانْتَقَدَهَا أَيْ قَبَضَهَا. وَ نقََدَ الدَّرَاهِمَ وَ انْتَقَدَهَا أَخْرَجَ مِنْهَا الزَّيْفَ . (الخميس، 2014 ). فالنقد هو تمييز الشيء وتقدير قيمته، والنقد هو: الثمن، ولهذا كان من خصائص الثمن أنه مقياس للقيم. (البيضاوي، 2013)

والنقد اصطلاحا: هو كل شئ يلقى قبولا عاما كوسيطٍ للتبادل مهما كان ذلك الشيء وعلى أي حالٍ يكون. 

ومن خصائصه: أنه مستودع للقيمة فمن ملك النقد فكأنه ملك كل شئ لأنه يستطيع أن يشتري به ما يشاء، ولذلك لا ينبغي كنزه ومنعه من التداول أو الاقتصار على مبادلته ببعضه وجعله غاية لا وسيلة ، لأنه في ذاته لا غرض فيه كما ذكر ذلك الغزالي رحمه الله.كما أن دورانه يؤدي إلى تكثير الاستفادة منه بخلاف تكدسه في أيدي فئةٍ قليلة. (البيضاوي، 2013)

المطلب الثاني: تاريخ تطور النقد والعملات النقدية

في بادئ الامر غالبا ما كان يتم التعامل بالمقايضة من خلال تبادل السلع التي يحتاج الناس إليها. ثم إتخذ الناس المعادن المختلفة من الذهب والفضة كأساسٍ للتقييم وكان يستعملونهما على شكلِ قِطع متباينةِ الحجم، والوزن، والنقاء، وكان التعامل بها يتمُّ بالوزن. ثم ظهرت النقود المسبوكة والمختومة من الذهب والفضة والمعادن الأخري كوحدات متساوية في الحجْم والوزن والنقاء ، وكانتْ قيمة القطعة الاسمية مساوية لقِيمة ما تحتويه مِن المعدن. (البيضاوي، 2013). فتخوف الأثريَّاء من تخزين كمياتٍ كبيرة من هذه القطع في بيوتهم، فبدوأ في إيداعها عند بعض الصاغة في نظيرِ أن يعطيَهم هؤلاء الصاغة شهادة بما أوْدَعوه بدقَّة، ويتعهَّدوا بردِ هذه المعادن عندَ الطلب.

ثم صارتْ هذه الإيصالات تستعمَل في دفْع الثمن عندَ المعاملات، بدل من دفع القِيمة نقدا. وكانت هذه هي بداية الأوراق النقديَّة، فهي في بدايةِ أمرها لََم تكن لها صورة رسمية، ولا سلْطَة تلزم بقَبولها، وإنما كان المرجِع في قَبولها وردِها إلى ثِقة البائع أو الدائن بمَن أصدرها.

وبمرور الوقت، وظهور التجاوزات في إصدار تلك السندات من الصاغة بما يجاوز قيمة العملات المعدنية المحتفظ بها لديهم، اضطرت الدولة للتدخُّل، وتكليف مؤسَّسات خاصة لديها باحتكارِ إصدار هذه النُّقود، وإحكام رقابتها. (ديبان، 2011)

إلا أن الدول ونتيجة النمو الإقتصادي وظروف الحروب المختلفة إضطرت إلي إنتهاج نفس النهج من عدم تغطية النقود الورقية بقيمتها الحقيقية من العملات المعدنية، فقامت بطبع كميات كبيرة من تلك الأوراق النقدية مع استمرار التعهد بتحويل تلك الأوراق لقيمتها عند الطلب.

ومع تجاوز كميات الأوراق النقدية المطبوعة لأضعاف قيمة الغطاء المؤمن لدي الدول، قامت الدول بإيقاف استبدال الأوراق النقدية بمقابلها المعدني، وألزمت الناس بقبول التعامل بها. وبهذا فقدت النقود الورقية قيمتها الذاتية كسِلعة، وإقتصرت علي قوَّتها الشِرائية بناء على ثِقة الأفراد فيها وأمر القانون، فاكتمَل بذلك تطوُّر النقود الورقيَّة، حتى أصبحتْ نقودا ائتمانية خالِصة، يصبغ عليها القانون صِفةَ الشرعية، ولها القدرة على تسويةِ الدُّيون، والإبراء منها. (ديبان، 2011)


المبحث الثاني: أثر تغير قيمة العملات النقدية في سداد الدين

المطلب الأول: حكم العملات الورقية (الأوراق النقدية) في سداد الدين

إختلفت أراء الفقهاء حول تصورهم لحقيقة وحكم الأوراق النقدية، وذلك في خمسة أقوال رئيسة:

القول الأول: أنَّ الأوراق النقدية إسناد بدَين على جِهة إصدارها

وبه قال الشيخ الشنقيطي في "أضواء البيان"، وعبدالقادر أحمد بن بدران، وأحمد الحسيني، وبعض مشايخ الأزهر، وبه أفتَى معظم علماء الهند وباكستان. (ديبان، 2011)

القول الثاني: إنَّ الأوراق النقديَّة عَرَض مِن عروض التجارة، لها ما للعروض مِنَ الخصائص والأحكام

وبهذا قال الشيخ عليش المالكي، وعليه كثير من متأخري المالكية، واختاره الشيخ يحيى آمال، والشيخ سليمان بن حمدان، والشيخ علي الهندي، والشيخ حسن أيوب. 

القول الثالث: أن الأوراق النقديَّة كالفلوس (وهي عملات نحاسية تستمد قوتها من اعتراف ولي الامر لها وإعطائها قيمة معينة). (عبدالله، 2013 )، يثبت لها ما للفلوس مِنَ الأحكام

وهذا ما ذهب إليه الشيخ عبدالرحمن السعدي، والشيخ ابن عثيمين.

القول الرابع: إنَّ الأوراق النقديَّة بدل عن الذهب والفضة، لها حكمهما مطلقا.

وقد ذهب إلى هذا القول جماعة مِن أهل العلم، منهم: فضيلة الشيخ عبدالرزاق عفيفي، والشيخ حسنين مخلوف، واختار هذا القولَ الشيخ أحمد الساعاتي في بلوغ الأماني شرْح الفتح الربَّاني، ومحمد رشيد رضا، والشيخ يوسف القرضاوي. (ديبان، 2011)

القول الخامس: أنَّ الأوراق النقديَّة نقد قائم بذاته، كالذهب والفضة، وغيرهما من الأثمان مما يلقي قبولا عاما كوسيط للتبادل بين الناس، لها حكمهما مطلقا. وأنها أجناس تتعدَّد بتعدُّد جهات إصدا رها. (هيئة كبار العلماء، 2013)

و أكثر الباحثين المعاصرين علي هذا القول، وبه صَدَرت فتوى هيئة كبار العلماء بالبلاد السعودية، وكذلك قرار المجْمع الفقهي الإسلامي حيث قرر في مؤتمره الثالث المنعقد بالمملكة الأردنية في عام 1986 بخصوص أحكام العملات الورقية: أنها نقود اعتبارية فيها صفة الثمنية كاملة ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامهما.


المطلب الثاني: أثر تغير قيمة العملات النقدية

والمراد بتغير قيمة النقود أي تغير قوتها الشرائية، والتي هي عبارة عن مقدار السلع والخدمات التي يمكن أن تتبادل بها وحدة النقد في السوق.

ويعرِض للأوراق النقدية نوعان من التغير وهما التضخم والانكماش، بيد أن الواقع قد طغى فيه جانب التضخم، والتضخم يعني الارتفاع في المستوى العام للأسعار الذي ينتج عنه وجود فجوة بين حجم السلع الحاضرة، وحجم الدخول المتاحة للإنفاق، بما يؤدي إلي غلاء الأسعار ورخص قيمة النقود. وللتضخم العديد من الأسباب التي قد تؤدي إليه سواء الناتجة من عادات الأفراد، أو من تعاملاتهم، أو من أنظمة الدولة ، أو من الظروف الخارجية، أو الأسباب القهرية. (الخميس، 2014 ). ولا شك أن تغير قيمة النقود تترك آثارا اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة سواء علي مستوي الأفراد أو المجتمعات بشكل عام.

إن تغير قيمة النقد أمر ليس بالمستحدث أو المعاصر، وإنَّما هو أمر واسع الشيوع علي مر الأزمنة، والمختلف إنَّما هو شدة وأثر هذا التغير. والمتتبع للتاريخ الإسلامي يقف علي هذا بوضوح. ومن ذلك: 

- ما ذكره الحافظ ابن كثير في تاريخه من أن السلطان الملك الناصر حسن أمر بضرب فلوس جدد على قدر الدينار ووزنه، وجعل كل أربعة وعشرين فلسا بدرهم، وكان قبل ذلك الفلوس العتق كل رطل ونصف بدرهم. وكان ذلك في القرن الثامن الهجري.

- و ما تحدث عنه الحافظ ابن حجر عن أحداث سنة ست وسبعين وسبعمائة، عن الغلاء وتغير أسعار السلع وما تبع ذلك من الغلاء الشديد، ثم إنقضاء الأزمة وتراجع الأسعار.

- وما ذكره السيوطي في رسالته التي خصصها لموضوع تغير العملة والتي سماها "قطع المجادلة عند تغيير المعاملة" قوله: "عزت الفلوس بمصر وعلى الناس ديون في مصر من الفلوس وكان سعر الفضة قبل عزة الفلوس كل درهم بثمانية دراهم من الفلوس ثم صار بتسعة، فعزت الفلوس ونودي على الدرهم بسبعة دراهم".

- وفي ظل الدولة العثمانية وخصوصا في أواخر عهدها تغيرت قيمة العملة أكثر من مرة، وهذا الاضطراب الاقتصادي في تغير العملة، أدى بلا شك إلى إشكالات في البيوع الآجلة خاصة، والبياعات التي تمت قبل الأوامر السلطانية، وهذا الذي تشير إليه إفتاءات الفقهاء في ذلك الوقت، ومن أبرزها رسالة الخطيب التمرتاشي، حيث ألف رسالة سماها "بذل المجهود في مسألة تغير النقود".

- وفي القرن الثالث عشر الهجري ألف الشيخ عبد القادر الحسيني رسالة بعنوان "رسالة في تراجع سعر النقود بالأمر السلطاني"، ثم ألف محمد أمين عابدين رسالته"تنبيه الرقود على مسائل النقود". (النشيمي، د.ت).

وفي ذلك وغيره ما يؤكد علي ما سبق من شيوع تغير النقود، سواء من حيث القيمة بالإنخفاض أو الإرتفاع، أو من حيث النوع بإبطال القديم وفرض عملة جديدة ولا ينشأ ذلك غالبا إلا بفرض ولي الأمر ، واهتمام الفقهاء بتصنيف المؤلفات في ذلك الأمر وأثاره الشرعية. 

وما يهمنا في هذا المبحث هو أثر ذلك التغير في سداد الدين سواء كان ناتجا عن الشراء أو الإقتراض أو الإلتزامات المترتبة علي العقود. وقد إنقسمت أراء الفقهاء في ذلك إلي ما يلي:

اولأ: في حال تغير نوع النقد بإبطال القديم، وفرض عملة جديدة:

-1- يلزم برد القيمة، وهذا قول قال الجمهور، وهو قول المالكية والحنابلة في القرض والثمن المعين وأوجبه ابن تيمية في سائر الديون.

-2- ينفسخ العقد ويرد المبيع إن كان قائما، أو قيمته أو مثله إن كان هالكا، وهو قول أبو حنيفة.

-3 - يلزم برد المثل، لأن ذلك ليس بعيب حدث فيها وقياسا على نقص سعرها، وهو قول الشافعية. (البيضاوي، 2013) ، وقول إبن رشد الذي أنكر علي من قال برد القيمة فقال"لا يلتفت إلى هذا القول. فليس بقول لأحد من أهل العلم". (النشيمي، د.ت)


ثانيا: في حال تغير قيمة النقد بالزيَّادة أو النقصان:

1- قضاء الدين بالمثل لا القيمة، ولا عبرة للغلاء والرخص، قياسا على المثليات، ولأن العدد المذكور هو المترتب في ذمته. وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة. وهو ما افتي به مجمع الفقه الإسلامي الدولي في مؤتمره الخامس المنعقد بدولة الكويت في 1988 م ،حيث قرر أن "العبرة في وفاء الديون الثابتة بعمله ما، هي بالمثل وليس بالقيمة، لأن الديون تقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أيَّا كان مصدرها، بمستوى الأسعار. وأكد عليه في مؤتمره الثامن المنعقد بسلطنة بروناي في 1993 م، حيث قرر ما يلي:

- يجوز أن يتفق الدائن والمدين يوم السداد – لا قبله – على أداء الدين بعملة مغايرة لعملة الدين إذا كان ذلك بسعر صرفها يوم السداد. وكذلك يجوز في الدين على أقساط بعملة معينة، الاتفاق يوم سداد أي قسط على أدائه كاملا بعملة مغايرة بسعر صرفها في ذلك اليوم. ويشترط في جميع الأحوال أن لا يبقى في ذمة المدين شيء مما تمت عليه المصارفة في الذمة.

- الدين الحاصل بعملة معينة لا يجوز الاتفاق على تسجيله في ذمة المدين بما يعادل قيمة تلك العملة من الذهب أو من عملة أخرى، على معنى أن يلتزم المدين بأداء الدين بالذهب أو العملة الأخرى المتفق على الأداء بها.

2 - المدين ملزم بوفاء قيمة النقد عند غلائه أو رخصه فإن كان الدين بيع قدرت قيمة النقد يوم البيع، وإن كان من قرض فالقيمة يوم القرض. وهو قول أبو يوسف، وهو المفتى به عند الحنفية.

3-  العبرة بمدي التغير في القيمة، فإن كان التغير شديدا، ألزم المدين برد القيمة يوم ثبوته في الذمة، وإن كان غير ذلك ألزم المدين برد المثل. وهو قول بعض المالكية. (عبدالله، 2013)

واختاره من المعاصرين الدكتور نزيه حماد، والدكتور رفيق المصري، وغيرهم.

وفي فلكه دار قرار مجلس المجمع الفقهي برابطة العالَم الإسلامي في سداد الديون المترتبة علي العقود المتراخية التنفيذ كعقود التوريد والتعهدات والمقاولات، حيث تضمن أنه في حال التغييرات الكبيرة للأسعار والتي تلحق خسائر جسيمة بأحد المتعاقدين، فإنه يحق للقاضي تعديل الحقوق والالتزامات العقدية بصورة توزع الخسارة على الطرفين المتعاقدين، كما يجوز له أن يفسخ العقد إذا رأى أن فسخه أصلح وأسهل في القضية المعروضة عليه، بحيث يتحقق العدل بين الطرفين. (الخميس، 2014)


- الخاتمة:

بعد الوقوف علي تعريف العملات النقدية، و تاريخ تطورها، وتحديد أثر تغير قيمة العملات النقدية في سداد الدين المترتب علي المعاملات المالية المختلفة. يمكن إبراز أهم النتائج التي توصل اليها الباحث في النقاط التالية:

- تظل قضية أثر تغير النقود علي سداد الديون واحدة من القضايَّا الخلافية الشائكة قديما وحديثا، لما لها من ارتباط كبير بكثير من المعاملات المالية التي تشكل عصب الحياة.

- ذهب بعض الباحثين المعاصرين إلى ترجيح الأخذ بالقول بسداد الدين بالقيمة لا بالمثل في ظل وجود تدهور شديد في أسعار العديد من العملات. مما يلحق ظلما كبيرا بالبائعين بالأجل، أو المقرضين.  (الأشقر، د.ت)

- ذهب البعض الأخر إلي ترجيح الأخذ بمذهب الجمهور سدا لذرائع الربا، ونفيا للجهالة لدي المقرض أو المقترض في تحديد المبلغ عند الوفاء. (عبدالله، 2013)

- وفيما يلي أهم التوصيات المقترحة بخصوص موضوع البحث:

أولا:- ينبغي التمييز في الديون، بين ما إذا كانت متعلقة بنفقة واجبة أم عقدا متراخيا أم بيع بالأجل أم قرض. كما ينبغي التمييز في التغير الطارئ علي النقد، بين ما إذا كان تغير قيمة أو تغير نوع. وكذلك التمييز في تغير قيمة النقد بين التغير الصغير المقبول، والتغير الكبير الغير مقبول.

ثانيا:- عند حدوث تغير لنوع النقد، بإبطال ولي الأمر لنوع النقد القائم، وإصداره نوعا جديدا، فالراجح في مسألة سداد الدين بسائر أنواعه أن يتم السداد برد القيمة، لأن إلزام الدائن بقبول المثل يعني إضاعة حقه في أخذه ما لا قيمة له، وهذا ظلم يتنافي مع قواعد الشرع.

ثالثا:- عند حدوث تغير لقيمة النقد إرتفاعا أو إنخفاضا، فالراجح في مسألة سداد الدين يتوقف علي نوع الدين نفسه علي التفصيل التالي:

-1- الدين الناتج عن النفقة الواجبة يكون السداد برد المثل، سواء كان التغير صغيرا أم كبيرا، لأن مناط تحديد مبلغ النفقة هو طاقة ووسع المنفق (الزوج) ، وهو في ذلك يتأثر بتغير قيمة العملة بنفس المعدل، إرتفاعا أو إنخفاضا.

-2- الدين الناتج عن العقود المتراخية كعقود التوريد والتعهدات والمقاولات، وكذا البيع بالأجل، يكون السداد برد المثل في حالة التغيرات البسيطة، أما في حالة التغيرات الكبيرة، فيكون السداد طبقا لقيمة جديدة يتم إقرارها من خلال القضاء. ويلزم إدراج ذلك كأحد بنود التعاقد.

-3- الدين الناتج عن القرض، يكون السداد برد المثل، سواء كان التغير صغيرا أم كبيرا، وذلك لأن دين القرض له خصوصية من عدة جهات علي النحو التالي:

- الأخذ برد القرض بقيمته يوجب رده زائدا عن قيمته الأصلية في حالة تغير قيمة العملة بالإنخفاض مما يدخل في دائرة الربا.

- القرض عقد إرفاق له ما له من عظيم الأجر والثواب، وهو من الأمور التي ندب الشرع إليها لما فيه من توسعة على المسلم وتفريجا عنه. روى ابن ماجه في "سننه" عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا : الصدقة بعشر أمثالها، والقرض: بثمانية عشر، فقلت لجبريل: ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة».  (المغربية، 2016)

 وقال صلى الله عليه وسلم «من أنظر معسرا كان له كل يوم صدقة، ومن أنظره بعد حله كان له مثله في كل يوم صدقة» رواه أحمد وغيره، (الفتوي، 2011 ). كما أنه قد ينتهي بالتصدق، وهو ليس من عقود المعاوضة التي يقصد من ورائها الانتفاع.

- وجوب مراعاة النظرة الشمولية في تحقيق مبدأ العدل، فالعامل الذي له راتب شهري محدد، عندما تنخفض قيمة النقود ينخفض راتبه فعليا، فإذا كان هذا العامل مقترض، أو مدينا بثمن شراء، أومستأجرا، أو كلهم مجتمعين، فكيف نطالبه برد دينه زائدا لتعويض النقص الذي طرأ علي قيمته ، قبل تعويضه عما أصابه من نقص في قيمة راتبه. 

- ذهب بعض الباحثين المعاصرين، إلي أن المقرض إذا رغب في ضمان ماله بحيث يبقى على قيمته أو قريبا منها، فيمكنه أن يقرض أو يبيع من خلال السبائك الذهبية، ثم يستلمه وقت حلوله سبائك ذهبية أو قيمتها نقودا، كما يمكنه أن يربطه بعملة أجنبية يغلب عليها الاستقرار، فيقرضه مثلا بالدولار الأمريكي ثم يعطيه صرفها عملة محلية، وعند المطالبة يأخذ قرضه بالدولار الأمريكي، أو صرفها من العملة المحلية. (عبدالله، 2013) وهو توجه يستحق الاخذ بعين الاعتبار.


المراجع:

1. أبو صهيب البيضاوي. (2013). بحوث لبعض النوازل الفقهية المعاصرة.

2. أخبارنا المغربية. (2016). تفسير قولة تعالى (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) . تم الاسترداد من أخبارنا المغربية :http://www.akhbarona.com  

3. الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء.(2013). أبحاث هيئة كبار العلماء بالسعودية (الإصدار ط 5) .السعودية - الريَّاض: الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء.

4. المجمع الفقهي الاسلامي. (2009). من قرارات المجمع الفقهي حول العملة الورقية. تم الاسترداد من موقع طريق الاسلام http://ar.islamway.net/fatwa/ : 31639

5. ديبان محمد ديبان. (2011). الأوراق المالية نشأتها وتطورها. تم الاسترداد من شبكة الألوكة:http://www.alukah.net

6. عبد الرحمن عبدالله الخميس.(2014) تغير قيمة النقود وأثره علي الديون. تم الاسترداد من شبكة رسالة الإسلام - الملتقي الفقهي: http://fiqh.islammessage.com   

7. عجيل جاسم النشيمي. (د.ت). تغير قيمة العملة في الفقه الاسلامي. مجلة مجمع الفقه الاسلامي .

8. فهد عبدالله. (2013). أحكام العملة الورقية. تم الاسترداد من جامعة الإيمان:http://www.jameataleman.org

9. مجمع الفقه الاسلامي الدولي. (1986). قرار بشأن أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة. المؤتمر الثالث المنعقد بالمملكة الأردنية. عمان.

10 . مجمع الفقه الاسلامي الدولي. (1988). قرار بشأن تغير قيمة العملة. الكويت.

11 . مجمع الفقه الاسلامي الدولي. (1993). قرار بشأن قضايا العملة. المؤتمر الثامن بسلطنة بروناي. دار السلام.

12 . محمد الحاج الناصر. (د.ت). المعاملات الإسلامية وتغيير العملة. مجلة مجمع الفقه الإسلامي .

13 . محمد سليمان الأشقر. (د.ت). النقود وتقلب قيمة العملة. مجلة مجمع الفقه الإسلامي

14. مركز الفتوي. (2011) ثواب القرض الحسن وفضل إنظار المعسر. تم الاسترداد من إسلام ويب http://fatwa.islamweb.net  

15 . معجم المعاني الجامع. (د.ت). تم الاسترداد من المعاني: http://www.almaany.com



  • D. Ahmed Hassanien
    خبير إدارة المشروعات واستشاري الادارة الاستراتيجية ،باحث في مجال العلوم الإدارية والتنمية البشرية ،كاتب ومفكر استراتيجي ، له العديد من المقالات والمؤلفات .
   نشر في 14 ماي 2019  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم











عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا