اقتراف واعتراف
من بوح الجرح العربي. بقلم محمد خلوقي
نشر في 16 شتنبر 2019 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
اقْتراف ..واعْتراف
من بوح الجرح العربي
بقلم محمد خلوقي
———-
أنا العربي أعترف اليوم بعجزي وأُقرُّ بألقابي وصفاتي المُخْجِلة : عربي همجي - فوضوي - شهواني - غبي - شقي - مزاجي - دموي - انفعالي -اتكالي ...
لقد صرت اليومَ قاموسا غنيا بمفردات الوساخة والندالة ، وصرت عَارِيا من كل أبجديات التدبير السليم ، والتسيير الحكيم ، ووصلت حدَّ العجز في أن أحدث فعل التفكير، ناهيك عن اسم التغيير ، كل شيء من حولي ألمس فيه رداءتي :
افكاري المشتتة والمظطربة ، طموحاتي المحدودة ، أزقتي وشوارعي المتسخة ، ملابسي المتهلهلة ، مساكني المتهالكة ، مساجدي شبه الخاوية ، حاناتي ومراقصي العامرة ، مدارسي السَّابتة ، وتكاليف معيشتي وتطبيبي غير المتيسرة و الباهضة، رداءة طالت حتى ابنائي وشباب أمتي الذين من هول الفراغ والبطالة توزعوا بين عشاق للانحراف والانجراف والاعتكاف ،اما المسؤولون عن رداءة طقس حالي واحوالي ، فهم غارقون في النوم واللهو والعبث .وهكذا تقهقر حالي وصارت لي ألقاب وصفات قرينة بالعربي ( العروبي )؛ المسكين المستكين ، المسالم والمستسلم و الناشز والعاجز .
صار كل شيء من حولي يتجاهلني ويُخاصمني ،ويُعاديني: التراب والماء ، والضباب والهواء والنماء والرجاء ، لم ييق لي ، انتصاب ، ولا نصيب، لا في الارض ولا في السماء ..
صرت كالبَعير الأجْرب ، كِبَار الأمم تبعدني وتَنهرني ، وصغارها تَتَجنَّبُني وتتحاشاني .. فقدت الامل في شفائي ، وقبلها في رجولتي وفُحولتي ، وبعولتي ، حتى أنني لم أعد أقْربُ( نَاقتي )الشمطاء صُحبةً او رغبةً، بل آتيها ببهيميَّة جارفةٍ ، خاليةٍ من كل عشق و هيام ، وكانت النتيجة ان ماتت بيننا كل مشاعر الحب والعطاء ،و عَنِتَتْ نُطَفي وفسدت ، وتَبَلَّدت ، وبعد ان شاخت تَاهَت حتى علقت ببويضتها المستعبَدة ، وصار يأتي من صُلبي :الولد الرقيع والوضيع ،والمهبول والمخبول ، والناقم والظالم ، والجارح والطالح ..ولم أعد قادرا على الاتيان بالنسل الصالح ..
لعلها لعنة من السماء.
انا العربي العاجز أعترف اليوم ؛ انه لم يعد في أغصاني أوراق تُزهِر ، ولا بين فجاجي رياح تُعصِر ، صرت كفزاعة الحقل التي اكتشفتها صغار العصافير ،فصاروا بها عابثين..
لم يبق من كينونتي الا ثلاثُ ثُقب ، لا يصدر عنها سوى النتانة ، منها فَم لَوَّاكٌ نَتِنٌ ، وقَضيبٌ شهواني عَفِن ، ومَخرَج حيواني نَجِس .. فانحَسَر بصري ، وانحَصرتْ بصيرتي بين أكل ، وانتصاب وتفريغ ..فانحدر بي المقام من مرتبة الانسان العاقل المكلف الى مرتبة الحيوان .
أشعر اليوم ان صلاحيتي البشرية قد انتهت ،واني اصبحت منتوجا غير صالح للاستعمال ،و صرت عارا وخزيا ومسخا في سجلات التاريخ والقيم ، وعيبا يُشوه جغرافية الشعوب والامم ، وعِبْئا وضررا على البيئة . وصرت جيفة تعافها الضباع قبل السباع .
انا الامةًالعربية العاجزة ، والنغمة الناشزة عن مثيلاتها ، ظننت اني سأسعد لاني امتلك القرآن الأمجد ، ورسالة محمد ، وبين جوانبي كعبة وحجر أسعد ، لكني شقيت حين لقيت تحت هذا الارث بترولا أسود حارقا ومحرقا ، فانساني الامجد والاحمد ، وانشغلت بالسائل الاسود ، عن الامر الاوحد ، و حين صار لي سلطانه ، أشعلت به نيران التطاحنات ، ومولت من عائداته كل الصراعات ، والمؤامرات.فما نفعت ولا انتفعت. بل أحرقت ودمرت وأَخَّرت وتأخرت .
فانا اليوم بغروري وجهلي وبلادتي أنسج وأفتل حبل مشنقتي ،وقد يشهد نهايتي ذاك الشيطان الذي طالما اوسعته ضربا ورميا بسبع جمرات.
مراكش محمد خلوقي
——————