"عالم المحكمة الجزائية".
نشر في 03 ديسمبر 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
في مكانٍ ساده الصمت لم أعد أسمع بداخله إلا صوت الأنفاس، تفاوتت نظرات المتهمين بين شخص عالقاً يجهل بوابة الخروج والعيش بسلام، وبين شخص لا يأبه بالعيش فإن عاش بداخل السجن أو في خارجة، وبين شخصاً يتوسل للقاضي بإن يخفف عليه الحكم.
تقدم أحد المتهمين أمام القاضي لمحاكمته ، فما أن نطق القاضي بالحكم وأن له حق الاعتراض، عاد للخلف ليودع أهله ويعود للسجن كانت والدته وزوجته وطفله حوله، رأيت في ذلك الموقف حنان أم، وعتاب زوجة، وجهل طفل، كانت والدته تمسح بيديها على جسدة، بكت بكاءً مريراً أما زوجته أطالت النظر في عينيه عتباً وأسفاً، وأما ذلك الطفل جاهلاً أباه كان كلما اقترب منه ابتعد وكأنه يقول له : أنت لست أبي!
فما دعاني لكتابة هذه الأحداث المؤلمة إلا أحد المتهمين الذي كانت عينيه توحي بأنه عالق في همه، لم يكن ذلك ظاهراً ليراه الجميع بل ما أحسست به، كان بين الحين والآخر يطيل النظر في الأرض شارد الذهن كان يتنفس بصعوبة وكـأنما حمل الحياة بما فيها من هموم على عاتقه لم يحضر لمحاكمته أحد من أهله، رأيت في ذلك الشخص عمق همه وتورطه في جرمة.
فكلما صدر حكم القاضي على أحد المتهمين رأيت ملامح وجهه ووداعه لأهله مسحت دموعي مرة تلو مرة، ذلك المكان الذي تمنيت الدخول فيه ما أن خرجت من تلك الجلسة إلا وتغيرت تلك النظرة كنت بداخل الجلسة في ضيق عظيم، لم يكن الأمر كما كنت أرى قبل دخولي للمحكمة الجزائية.
كنت قبل دخولي للمحكمة الجزائية شخص لديه عدة كلمات بلا نقاط وما أن خرجت وجدت تلك النقاط لأضعها، أدركت عند خروجي صعوبة وعظم ما يقدمه القضاة والمحامين والمحاميات، ما أن خرجت إلا ودعوت الله لهم .. فلم يكن ذلك شيئاً يسيرا.