اولئك الذين لم يجدوا من يسمعهم,المتصدعون من الداخل,المتماسكون أمام الناس ,لن ينساهم الله*

أوقف المدير ذلك المجرم في حق الإنسانية (الطفل طبعا)أمام الإدارة طوال اليوم الدراسي,وفي نهاية اليوم سلمه مظروفا يحتوي رسالة استدعاء لولي أمره.

غادر الطفل مدرسته بحذائه المتهالك الذي لا يقيه حر الصيف ولا برد الشتاء منطلقا الى بيته المتواضع سالكا طريقا مختصرا بين الوديان الوعرة في حين ركب ابن المختار سيارة كانت بانتظاره مزهوا بنفسه منتشيا بالانتصار.

في المساء ,وصل والده من عمله منهكا,وجلس قليلا ثم قام وتوضأ لصلاة المغرب والأم تقوم بتجهيز العشاء.

اقترب الطفل من أبيه خائفا وقال بلسان متلعثم والكلمات تخرج منه بصعوبة :أبي,إن المدير يطلب حضورك للمدرسة غدا صباحا.

الأب:لماذا يا بني..

الطفل:وبلهجته العامية ,تمشكلت مع ابن المختار وضربته..

الأب تعلوه الدهشة :الم تجد الا ابن المختار لتتمشكل معه,ثم استدرك قائلا, ولماذا تمشكلت معه؟

الطفل: لقد سخر مني وشتمني وقال كذا وكذا..

وضع الأب يديه فهو رأسه وبقي صامتا لوهلة ثم اتبع قائلا,وعملي كيف اتركه وأنا اعمل بالمياومة؟! واستدرك الصباح رباح (خلص روح نام)

كانت تلك ليلة عصيبة طويلة على الطفل,فهو يعلم ا ن أباه يعمل بالمياومة,وعدم ذهابه للعمل معناه أن مصروف البيت لذلك اليوم قد انتهى..

وفي الصباح ,جاء الأب يوقظ ابنه للذهاب بمعيته إلى المدرسة..

انطلق الاثنان إلى المدرسة والوالد يقلب كفيه ويهمس قائلا:لا حول ولا قوة إلا بالله..رزقكم في السماء وما توعدون..

وصل الأب وابنه الى المدرسة وتوجها مباشرة إلى الإدارة..بادر الوالد بإلقاء التحية على الموجودين من مدير ومدرسين طبعا والمختار الذي سبقه هو وابنه إلى المدرسة.

كانت صدمة المشهد مروعة..المختار بعباءته وعكازه يتوسط الحضور.. جالسا مزهوا بنفسه كالطاووس وابنه البليد يقف بجانبه والمدير والمدرس البدين وباقي المدرسين يلتفون حوله.

بادر المختار حديثه إلى والد الطفل :يا فلان بصير هيك ؟

الوالد:خلينا نفهم يا مختار الموضوع أولا

المختار:ابنك قليل أدب وما يستاهل يكون في المدرسة وانا ممكن بكل سهولة ان اطرده منها..

((الغريب في الأمر أن المدير لم يقل كلمة إلى الآن وكأن المختار هو المسؤول عن إدارة المدرسة))

الوالد : له له يا مختار أنت ابن الأصول ما تقول هيك –بدا لي وكأن الوالد يستعطفه- ثم استطرد قائلا:يا ابو فلان خلينا نشوف شو اللي حصل اولا وان كان ابني هو المذنب فحسابه عندي وابشر بالخير.

المختار :ههههه,ابنك مش مربى ..كيف يتطاول على ابني ويضربه؟

الطفل :والله يا عمي انه ابنك...

المدير :اخرس يا ولد ..

الوالد :مليح اللي سمعنا صوتك يا أستاذ ,وأنت يا مختار ما راح أرد عليك لأنك معصب,بس لازم تهدأ حتى نعرف نتفاهم

المدير قاطعه قائلا:خلاص ,توقع على تعهد انه ابنك ما يكرر هذا مرة أخرى.

الوالد : يا أستاذ, هدول أطفال وانتم عملتوها قضية الشرق الأوسط

((ثمة أوجاع تسقط على قلوبنا حتى تجعلنا نصرخ,في الوقت الذي نبحث فيه عن مفترق للنسيان ))

كانت تلك صفعة أخرى ,هل تشعرون شعور المظلوم؟؟

اضطر والد الطفل _حتى ينهي النقاش – أن يكتب ذلك الإقرار!!

((كان الطفل على قمة جبل ,وعندما أغمض عينه ليحلم,انحدر به الحلم الى القاع بقسوة))

مرت تلك اللحظات بمرارتها وانطلق الطفل إلى صفه..

دخل الأستاذ الكريه إلى الصف ولم يكتف بما حدث في الإدارة,فقد طلب من ذلك الطفل إن يعتذر من ابن المختار البليد على الملأ وأمام المختار شخصيا..هههههه,وكأنها قضية مصيرية تتطلب تدخل الأمم المتحدة..

لم يجد الطفل مفرا من الاعتذار..هرول الأستاذ لمناداة المختار مبشرا له بالانتصار على طفل لم يتجاوز الستة أعوام..يالها من مهزلة!!