......ولأنني كنت سليلة الفقراء البسطاء...النازحين من البوادي. فقد كان حظي من الدار البيضاء، العيش في ضواحيها الفقيرة.. المكتظة.. حيث الجيران أهل.. والأبواب مفتوحة على مصراعيها.. ولا وجود لمفهوم السرية والخصوصية.. فحين تقع مشكلة للجار الخامس، تجد الجميع يدلي بدلوه في انتهاك صارخ لحقه في تقرير مصيره.
أجل كان حظي من مدينتي.. الجري في حواريها وأزقتها الضيقة، حيث الحي كله يشترك في تربيتك.. ومراقبة سلوكك.. وصفعك إن لزم الأمر.. وكنت أظن – والحق يقال- أن الدار البيضاء تنحصر في هذا الحي، وهذا الزقاق.
لم أكن أدري أن للدار البيضاء شطر آخر .. يعيش فيه سكان من نوع آخر، يكرهوننا نحن –بوزبال- بدون سبب.. بدون ذنب.. إلا لأننا نوجد.
اكتشفت في ليلة من ليالي طفولتي.. أن هناك في نفس المدينة –وكما الحكايات- يوجد شطر متسع.. بشواطئه.. ومسابحه.. ونواديه و....هوائه النقي، وسياراته الفارهة، ومساكنه ال...غير ملتصقة، ووجوه أصحابه المضيئة، وأطفاله ذوو اللهجة الفرنسية المكسرة بعربية رديئة.
كنت برفقة أمي.. نظرت إليها ونحن نجوب الشوارع الراقية في البحث عن إحدى المصحات.. كانت تمد يديها بين الفينة والأخرى إلى بطنها في محاولة تلقائية لحماية جنينها ذو الثمانية أشهر من تعب أصابها و..... أصابه، نظرت إلي وابتسمت في بطولة لتستحث قواي << قربنا نوصلو..>>.
عدت ليلتها وأنا أرى دار بيضائي تنظر إلي في حياد كبير.. مدينة إسمنتية غول.. أم تفاضل بين أبنائها.. الفرق بين شطري مدينتي كان كبيرا، أكبر من أن تستوعبه طفولتي.. هزمني إحساسي.. هزمني وجه أمي المتعب.. فكرهت الدار البيضاء.
كرهت برنامج القناة الصغيرة، وهو يصور أطفال الشطر الآخر يتمتعون بعطلتهم في مسابح وشواطئ البلاد.. << قناة تمرنت على نقل الأكاذيب>> .. فكرت وأنا طفلة قبل أن تمتد يدي لإقفال التلفاز في تحد جميل.. لأنطلق بعدها للجري في الحواري، لصنع واقعي الجميل .. وتزيينه.
زين الله واقعكم وأحلامكم
التعليقات
ان كان ذلك هو الذي يجمعنا في تلك الأحياء الفقيرة التى يسكنها البسطاء...النازحين من البوادي (فنعم بها من أحياء يمكن العيش فيها ) فتلك الاحياء هي التى اخرجت افضل الناس تعليما و خلقا وادبا وتواضعا وتراحما ومودة
المرء ليس من أي الاحياء ( فقيرة كانت أو غنية) جاء...
بل من اي البيوت والعائلات تربى ونشأ..
. طوبى لأهل تلك الاحياء الجميلة
وطوبى لكى سيدتى العظيمة فوزية لهلال
سردك مفعم بالاحساس والبراءة.
أعجبني سردك للأحداث .. .. و أحسست أنك سجينة ذكرى و جرح قديم لم يشفى بعد .
أوطاننا هي هكذا ..كما يقال الوطن للأغنياء و الوطنية للفقراء . .. . و ما اصعب أن تحس انك مظلوم و محروم في وطنك ..
دام سحر قلمك .. اتمنى لك التوفيق .
إعذريني على الكلمات .. فحروفي هكذا دائما حزينة ..
مقال معبر عن الواقع الذي يحيا فيه الكثير من الناس , دام قلمك .