الحبُّ لا يحتاج للغة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الحبُّ لا يحتاج للغة

الحبُّ لا يحتاج للغة

  نشر في 17 يونيو 2020 .

عندما نجلس للورق، لا نكون قد أعددنا ما سنكتبه أو فكَّرنا به، وأحيانا ربما لا نكون قر كوّنا الفكرة الأولى عن ماذا سنكتب، ولكن نُشدُّ إليه بحبل العاطفة، وشهوة القلم, والحياة خارج الحياة. نأتيه هرباً من براكين المشاعر الّتي تغلي فوق تضاريس قلوبنا، وتقذف بحممها كلَّ عواصم الجسد.

لطالما ظننت أنَّ على المغرم بالحبر والأوراق، ومَن يحترف الأدب، أن يموت في اليوم آلاف المرات، ليتمكن من اختراق أسوار اللغة، وفتح أسرارها المغلقة، وأن يطعن الحرف في مقتل حتَّى يترك دماً ممتزجاً بلون الهزيمة والنصر معاً فوق بياض ورقة، يشهرها أمام أعين القرّاء كما يشهر المتزوج الجديد من فتاةٍ عذراء دمَ اللذّةِ الأولى، على شرشف الليلة الأولى، ليعلنَ انتصار الفحولةِ في مجتمع يحتقر اللذّةَ ويتابع تفاصيلها سرّاً من ثقوب الأبواب.

في جلوسي هذه المرّة  مع أوراقي التي تستثير شهوة الكتابة لدي - كما تفعلين أنتِ - تخلّيتُ عن كلِّ معتقداتي الشعريّة والأدبيّة؛ فأنتِ لستِ المرأةَ الّتي يصلح معها أيُّ اعتقادٍ مُسبَق الصنع، ينطبق على باقي النّساءِ بسلاسة، ويجري مجرى العادة الّتي أثبتت بجدارةٍ نجاعتها.

أنتِ لستِ اعتياديّة أبداً، وأنتِ لا تتسعين في قوالب الجُمل الجاهزة أو العبارات المستعملة، ولا تنفع معك طقوس الكتابة الرتيبة، ولا يمكن لشاعرٍ أن يبدأ قصيدةً عنكِ قبل أن يتعمَّد بماء الجنون والخروج عن المألوف، ويتقن السطو على كلِّ منفيٍ منَ المفردات لكي يستطيع تكوّين صورة لغويّة تقريبيّة لملامحكِ الأنثوية الثائرة والفريدة.. وقد لا يستطيع.

فيا امرأةً ذوَّبت لغتي، وجفّفت بحوري، وسرقت جميع أوزاني المخبَّأة بعيداً عن دواتي في درج الطوارئ، واستدرجتني لملعبٍ لا أتقن اللعب فيه، وإلى مضمارٍ لا أجيد الركض بين خطوطه المنحنية الضيقة، وتركتني تائهاً بين ورقتين، بين لغتين,وبين حُبّين.

كيف لي أن أضع صولجان الشِعر - ولو قليلاً - وأذهب للنثر لاجئاً مع ثمانٍ وعشرين حرفاً فوق زورق الهزيمة، لأصفَ عينيكِ، وأرسم الحياة كيف تبدو بحراً وبرّاً وسماءاً من شُرفَتي نهدَيكِ، وأحكي عن لذّة الموت على تخوم شفتَيكِ.

كيفَ لم أنل منكِ شِعراً؟!

وكيفَ نلتِ أنتِ مني بدون لغة؟!

ذات يومٍ فاجأني صوت أبي من خلفي وأنا أكتب: "الحبُّ لا يحتاج للغة".

ظننت حينها أنّه قالها خوفاً على ولده من إدمانه للشعر، ولم يقصد بها غير محاولة تقليص المسافة التي وضعتها بيني وبينه اللغة، وبيني وبين الكثيرين، فأنتِ لا تعرفين كم هي متوترةٌ ومتقلبةُ الأمزجة طباع مَن يجالس الحرف ليلا ونهار، يصير الاقتراب منه أخطر من الاقتراب إلى عامود كهرباءٍ عاري تحت المطر.

"الحبُّ لا يحتاج للغة" عبارة فضفاضة الملامح، ولكنّني قد عرفت منذ عرفتكِ أنَّ المعنى صحيحٌ تماماً، ودقيقٌ جداً. برغم ذلك أحاول تجاهل هذه المعرفة وتناسي هذه العبارة، فأنا أخاف أن يأتي اليوم الّذي أتنازل فيه حين أريدكِ عن الشعر، والنثر، و حتَّى عن اللغة.


  • 3

   نشر في 17 يونيو 2020 .

التعليقات

Dreamer منذ 4 سنة


كيفَ لم أنل منكِ شِعراً؟!

وكيفَ نلتِ أنتِ مني بدون لغة؟!

1

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا