حرب الدعاسيق - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حرب الدعاسيق

قصة قصيرة

  نشر في 21 ماي 2021 .

في أحد الأيام من شهر مايو عام 2005، وبعد أن شربنا نخب نجاح صفقتنا مع قادة إحدى فصائل التمرد في نيجيريا على أنغام خافتة من سيمفونية الفوضى الخلاقة للسوبرانو الرائعة كونداليزا رايس، اقترح عليّ العمردان- شريكي في تجارة السلاح آنذاك- أن نذهب الى الحي الصيني في كيب تاون لنوثق ذلك النجاح بنقوش مسمارية على أكتافنا في موخز الفنان العالمي روماردي علي دياب..

..

وافقت على اقتراح العمردان، مع إعلاني له عن تحفظي على مسألة التاتو لأني كنت ومازلت مقتنعاً بكفاية وشمي اليمني ذو الشكل البسيط والمعاني المعقدة ..؟!

..

تركنا سيارتنا الجيب ذات اللون الزيتي خارج الحي الصيني، ومشينا نتجاذب أطراف أحاديث مختلفة عن رواج بضاعتنا في تجارة السلاح وعن مستقبلنا الواعد بالثراء والهيمنة، وكل منا يحمل في قلبه أطيب الأمنيات وأصدقها بأن يأتي اليوم الذي يحل فيه السلام على هذا العالم قريباً، إلا إننا لم نعرف متى أو كيف انحرفت بنا الطريق حتى أوصلتنا الى سفح تل أجرد قافح ومقفر، أخبرنا أحد الرعاة في سفحه أننا صرنا على مقربة من كامب سولومون حيث يعسكر هناك فصيل من الفرقة التاسعة مشاة بحرية- 80 كم جنوب غرب قندهار-، صعدنا على التلفريك المنزلق هيدروليكياً حتى وصلنا الى الأعلى، وهناك اجتمعنا على حافة التل مع ما يقارب عشرة أشخاص، رأيناهم قد توثبوا خيفة منا واعتمروا أسلحتهم وجعلوها موجهة صوبنا، بالإضافة الى بعض معدات القتل الخفيفة التي كانت لديهم ولم يفكروا في استخدامها لترهيبنا حينها، ولولا أننا لوحنا لهم بلغة الإشارة أننا أصدقاء، ولسنا أعداء لهم، لما بقي من العمر ما يكفي لكتابة هذه القصة لاحقاً.

..

في حافة التل ونحن نتأمل حركة العربات والجنود في السفح المقابل، عرفنا غاية القوم من الباشتون بعد أن دعونا الى الجهاد في سبيل الله معهم طلباً للنصر أو الشهادة، حتى دخلنا في نقاش حاد معهم، وبعد شد ووصل بيننا وبينهم، أقنعناهم بلغة خبراء الحرب بعدم جدوى مداهمة الفصيل في الكامب، إذ لم نرغب أنا والعمردان في خوض حرب هجينة لامتماثلة من الجيل الثالث، واتفقنا معهم على أن يتابعوا معنا التقدم بعكس الطريق الذي كنا قد سلكناه، وبالفعل تقدمنا وعدنا أدراجنا صوب الشمال الشرقي حتى وصلنا الى غابة مليئة بأنواع مختلفة من الدعاسيق والمطاميط- أنواع من الخنافس الضخمة والطيارة ذات الخراطيم الطويلة والحادة التي تمكنها من العيش على اقتيات الدماء-..!!

تباً لألعاب الهندسة الجينية.. ماذا فعلت بنا؟!

فأسقط في أيدينا حينذاك أن معركتنا مع البشر- أقصد مع فصيل الفرقة التاسعة- كانت أرحم بمليون مرة من معركتنا مع تلك الحشرات الغريبة..!!

..

بأعجوبة ونصر خرافي، خرجت أنا وصاحبي العمردان بسرعة البرق من الغابة والدعاسيق الطيارة تحاول اللحاق والإمساك بنا، فبقينا نركض ونركض بطريقة هيستيرية دون أن نشعر بالزمن حتى تباطأت سرعتنا تدريجياً وأمكن لنا أن نتوقف..

..

كنا قد وصلنا الى صحراء أوردوس في غرب الصين.. وهناك جلسنا على كثيب رملي ناعم وزاحف لمحنا بالقرب منه هيكلاً عظمياً لثور ربما أو دعسوقة عملاقة أو شيء ما من هذا القبيل.. التقطنا أنفاسنا على حين غرة، وبصوت واحد لطمأنة البشرية على سلامتنا، قلنا معاً: الحمد لله، نجونا..!!

..

بعد صمت مهيب دام لعدة قرون من لحظة خاطفة، تفجر صوت بشري مزلزل من حولي، أيقظني من سنتي اللذيذة: ياله من عالم غارق في فوضى عقيمة.. هل عدنا الى الشرق الأوسط؟- كان ذلك صوت العمردان يخاطبني.. أو يسألني، أياً ما كان، فقد سألته أنا أيضاً: وهل مازلت تصدق بوهم الفوضى الخلاقة؟!

نظر إلي باستسلام، ثم قال: لا، لم أعد أفعل.

- عجباً، متى فقدت إيمانك ولم تشعرني بذلك؟- سألته، فرد علي بخبث إنسان طيب وصادق:

- منذ شاركنا معاً في حرب الدعاسيق..!!

***

21 مايو 2021


  • 1

   نشر في 21 ماي 2021 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا