المثقف الفلسطيني، الغائب الوحيد عن مشهدية المصالحة الوطنية الفلسطينية| كريم أبو الروس . - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

المثقف الفلسطيني، الغائب الوحيد عن مشهدية المصالحة الوطنية الفلسطينية| كريم أبو الروس .

المثقف الفلسطيني بين جدلية التغيير وإنتظار الفرص .

  نشر في 03 أكتوبر 2017  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .


غزة وبعد عدة جولات خاسرة من تفاوض وإتفاقيات تعود مجدداً لترتدي ثوب الوطن الذي خلعته عنوة قبل عشرة أعوام، ولكن هذه المرة كان الفضل للتطورات الإقليمية والدولية لا لأشخاص أو مطلب شعبي أو رؤية وطنية تمتلكها الأطراف المنقسمة على ذاتها، وصارت المشهدية مكتملة بدخول الدور المصري في إنهاء الإنقسام الفلسطيني الفلسطيني، حيث تمخض عن هذه الإتفاقيات أن تحل حماس اللجنة الإدارية التي شكلتها كحكومة ظل تعمل في غزة، في المقابل تقوم حكومة الوفاق الوطني والسلطة الفلسطينية بتسلم مهامها على أكمل وجه ورفع العقوبات عن قطاع غزة وإستلام المعابر وحل كافة الأمور العالقة بين الطرفين كقضية الموظفين والمعابر والإنتخابات وغيرها .

لكن ثمة دور مهم مفقود في هذه المشهدية، دور المثقف الفلسطيني الذي عانى من الإختفاء القسري طيلة هذه الأعوام، الصوت الحر الذي لم يكن بإستطاعته توجيه الجماهير نحو الرؤية الوطنية الوحدوية، الوجود الثقافي الذي تمت محاصرته بين أقبية الأيدلوجيا الدينية في غزة، ومن باب الموضوعية لا نتحدث هنا عن المثقف في غزة فقط، بل في الضفة الغربية أيضاً، اليوم في حالة اللُحمة الوطنية والألفة التي حصلت تظل توقعات لا رهان عليها، وخاصة أن الرأي العام الفلسطيني لم يعد يثق بالمصالحات الكثيرة التي حصلت سابقاً لأنها لم تكن عملية ولم تنجح بسبب تعنت طرف من الأطراف، دور المثقف في المصالحة الفلسطينية بالغ الأهمية كونه الموجه والمشخص لحالة الشرخ التي أصابت النظام السياسي وأصابت القضية الفلسطينية في الخاصرة وهذه الحالة التي أرجعت الحلم الفلسطيني والمشروع الوطني إلى الوراء ولم تبني عليه شيئاً بل بالعكس هدمته وهدمت معه أحلام شعب كامل .

اليوم نحن بحاجة إلى توصيف للحالة الفلسطينية بعد عشرة أعوام من الإنقسام وعشرة أعوام من الدمار الذي حل بالنظام السياسي وبإفتقادنا لرؤية سياسية مشتركة وبرنامج سياسي موحد ورؤية وطنية تشمل كافة الأطر والأحزاب والتوجهات والقناعات السياسية الفلسطينية، ولكن غياب المثقف الفلسطيني عن هذه الحالة يعمل على كيّ الوعي السياسي الجمعي لدى الجمهور الفلسطيني، فالسياسيون لا يخاطبون العامة، المثقف هو من يخاطبهم، والعامة في دولنا العربية لا تأثير لها في قرارات الساسة وبالتالي لا يشاركون في عملية وصياغة القرار السياسي، المثقف هو من يرشدهم إلى كيفية المشاركة وهو من يعزز في نفوسهم هذه الثقافة، ثقافة المشاركة وثقافة التغيير المستمر نحو الأفضل .

إن كنا بحاجة إلى بناء فنحن دائماً بحاجة إلى الفكر هذا الذي لم يعد موجوداً اليوم، إن كنا بحاجة إلى التغيير فنحن دائماً بحاجة إلى المعرفة، لذلك وجود النخب الثقافية والمثقفين في مشهدية المصالحة من شأنه أن يقرب الوعي الجماهيري من الساسة، وأن يقرب الساسة من فهم متطلبات الجماهير الفلسطينية التي فقدت الأمل خلال هذه السنوات التي إنقضت .

الحديث عن الأزمات التي خلفتها اللاوحدوية الفلسطينية لا يجب أن يقتصر على المجالات الإقتصادية والمعيشية والخدماتية التي عانى منها المواطنون في غزة طوال فترة الإنقسام، فهذا كان خطاب حماس السياسي في تبرير سطوتها اللاخلاقية على القطاع، وبهذه الصيغة كانت تدير غزة، وفي ذات الوقت الحديث عن الأزمة الأمنية التي أحدثتها الأجنحة العسكرية المتفرقة ومن بينها حركة حماس غير منطقي وغير موضوعي، فهذا كان خطاب السلطة السياسي في التعنت وفرض العقوبات على غزة، ثمة مجالات كثيرة وأماكن معتمة لا يتحدث عنها أحد وهي مطالبنا - نحن الذين نحدد شكل مجتمعنا - فالثقافة الإقصائية التي عملت حماس طوال هذه الفترة على أن تكون موجودة إلى جانب العسكرة في حكمها لغزة، والأيدلوجية الدينية المتشددة التي فرضت على الناس والتي بسببها تكاد غزة تسمى مدينة الموصل الفلسطينية، وقمع الحريات العامة والخاصة وتعطيل حرية الفكر وتمرير سياسات الحاكم القمعية والمتطرفة من خلال شيخ الحاكم الذي يُكفّر كل من لم يصغي إليه، ومن ناحية آخرى الممارسات الغير قانونية في مؤسسيات السلطة كأدلجة أجهزة وقطاعات الحكومة طوال عشرة سنوات، فكان سلوك الضابط في شرطة حماس كأنه داعية إلى الله وهو في الحقيقة ليست من وظائفه ومهامه أن يليس عمامة الأزهر، والفساد الذي لحق بهيكلية التوظيف الحكومية التي أفقدت الجمهور الفلسطيني الثقة في عمل الحكومة وخلقت هوة بين الرغبة في الإنضمام تحت إطارها أو مقاطعتها كجهة مأدلجة لا تؤمن بمبدأ المواطنة وتعزز مفهوم الفردانية، فمثلاً كانت الشروط للحصول على وظيفة حكومية بمثابة مسرحية هزلية تختزل في سمعة المتقدم عند أبناء الحزب الحاكم وعدد الصلوات التي يصليها في المسجد القريب من بيتهم وعن أيدلوجيته الفكرية وإنتماؤه السياسي وهل يدخن السجائر والأرجيلة أم لا؟،إضافة إلى التدخل في الشؤون الخاصة للناس وفرض أساليب وتقاليد على العامة، أي بمعنى أن فرض الأيدلوجية الخاصة بحماس على المجتمع من خلال أجهزة الحكومة أسس لثقافة إقصائية أحادية وألغى مفاهيم التعددية والمواطنة وجعل من فلسفة المجتمع الفلسطيني فلسفة تميل للتطرف والإنغلاق، هذه كلها قضايا تركت تراكمات وأزمات يجب أن يتم مناقشتها مناقشة موضوعية وفق أسس وطنية لا وفق أسس أيدلوجية حزبية .

كما يجب الحديث عن التعالي السياسي الذي تمارسه السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، وربط مصير ومستقبل وحياة المواطنين في غزة بقضية أن حماس هي من تحكمهم، دون أدنى مراعاة للدمار الذي لحق بكل مناحي الحياة، ودون مراعاة للمأزق السياسي والوطني الذي إنزلقنا له فقط بسبب التعنت وعدم إعطاء مساحة للتنازلات من أجل تحقيق الوحدة الوطنية والتي من شأنها أن تكثف الجهود في صياغة برنامج وطني تحرري .

وفي سياق آخر لا يجب المفاضلة هنا بين برنامج المساومة أو برنامج المقاومة وبين النهج التحرري أو النهج التفاوضي، جميع الأطراف باتت تدرك ماهية الصراع اليوم، خاصة أن المنطقة تشهد حروباً ملتهبة وضغوطاً لم يسبق لها مثيل، أثرت كلها على مصير القضية الفلسطينية وعلى وضعها على لائحة إهتمامات دول الجوار والإقليم وحتى على المستوى الدولي . 



  • كريم أبو الروس
    كريم أبو الروس من قطاع غزة كاتب وناشط مجتمعي وحقوقي، طالب علوم سياسية في جامعة الأزهر .
   نشر في 03 أكتوبر 2017  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا