مذكرات باريس - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مذكرات باريس

خاطرة "مذكرات باريس "

  نشر في 16 ديسمبر 2018 .


عندما أتحدث عن فرنسا فأنا اقصد تلك المدينة الفرنسية الجميلة..

التي تنساب من مقاهيها رائحة القهوة الفرنسية ..

ونستخلص من زهورها عطور فرنسية زاهية ..

" باريس "

تجذبني أجوائها الساحرة ..

ومبانيها المنتشرة بالطراز الفرنسي ..

أحب الربيع فيها والخريف ..

أحب زقزقة العصافير ..

والليالي الممطرة ..

وخبز الباجيت ..

وأحب عندما أستيقظ أن أتناول كوب قهوتي الفرنسية على طاولة الإفطار في الصباح الباكر على أللحان الموسيقية الفرنسية ..

ثم اخرج لتنزهه واستمع لزقزقة العصافير ويهب ذلك النسيم العليل..

وقبل أن يحل علينا المساء اذهب متشوقة لأرى الغروب وهو يخفي الشمس في قلب الكون ..

وتهطل الأمطار لتغسل الشوارع والمباني ..

وتبلل التربة لينتشر عبق المطر ..

أو كما يقال باللغة اليابانية عبق السماء ..

تختبئ الطيور في أعشاشها ..

ويرتوي الزهر ..

وأرتدي معطفي وأحمل مظلتي لأحتمي من قطرات المطر ..

تتعالى أصوات الأطفال وهم يلعبون تحت المطر ..

بعد أن تبللت ملابسهم , كم هي جميلة براءة الأطفال ..

أنهم لا يحملون أي مضلات و لا يرتدون أي معاطف واقية ..

بل يلعبون تحت المطر ويتراقصون , وكأنهم ينتظرونه منذ زمن بعيد..

تذكرت طفولتي فقد كنت مثلهم تماماً .. لا يهمني أن يبللني المطر..

بل كنت أللعب بالطين واشتم رائحته التي مازالت تعجبني ..

أدخل إحدى المقاهي التي تقبع في نهاية الشارع لتناول كوب قهوتي المسائية ..

وعند منتصف الليل أعود إلى شقتي ..

ولكن المميز هذه المرة أن جارنا الذي يقطب بالشقة المجاورة لشقتي عازف جيتار .. وأنا اعشق سماع مقطوعات تلك ألآله الموسيقية ..

انه يعزف مقطوعات كلاسيكية قديمة تعود إلى التسعينات والثمانينات ..

أنه يذكرني بالمدينة القديمة " روما " ومعالمها التاريخية ..

يا له من عازف موهوب يتمتع بالشغف ..

عند منتصف الليل يبدأ هذا العازف يلعب بأنامله على أوتار الجيتاره.. ويطربنا ..

وينزعج بعض السكان برغم من انه مبدع وعزفه رائع لا أعلم لماذا أو لأننا نملك أذنان موسيقيتان ..؟

قررت في احد الأيام أن أقرع باب شقته لأرى هذا العازف الموهوب ..

عندما فُتح لي الباب رأيت رجلا مسناً يبدو أنه من شرق أسيا يجلس على كرسي خشبي وبجواره أله موسيقية " جيتار " من النوع الكلاسيكي الذي أحبه ..

بدا لي متضجراً قائلاً : هل تضايقتم من عزفي ؟ لا تذهبوا لتشتكوا لراعي الشقة أعدكم بأن هذه أخر ليلة أعزف فيها .. فقد انتقل من هنا هذا المساء او مساء غد ..قال هذا وعيناه يملئوها الحزن ..

قلت له ومن قال أننا قد تضجرنا !!

بل أتينا لنرى من هو هذا العازف الموهوب .. ضحك بصوت عالي وقال أتسخرون مني!

حقاً لقد كنت عازفاً موهوباً في السابق ..أُطرب الجميع بمعزوفاتي ولكنني تقدمت في السن وتضاءلت مهاراتي ولم أعد ذلك العازف الموهوب ..

حتى أن صاحب هذا الفندق أهداني في السابق هذه الشقة لأعزف المقطوعات أمام فندقه لجلب الزوار ..

والآن أصبح الزوار هم من يتضايقون من عزفي ..

ويصفونه بالعزف الهرم ..

قلت له معزوفاتك نالت إعجابي وهذا ما دعاني لألقي نظره عليك ثم أنه من الممكن أن الزوار لا يحبون الموسيقى فلماذا لا تعزف في أماكن أخرى .

قال : فكرة رائعة سأجربها ولكنني متأكد أن مهاراتي قد ضعفت .

قلت له إن ضعفت مهاراتك يا عمي فلماذا أعجبتنا نحن أنا و شقيقتي ؟

وفي الصباح الباكر ذهبنا إلى النهر مع العم " شون هو" وأمام النهر بدأ العم يعزف مقطوعاته ويعزف حتى تجمع الجميع حوله منسجماً مع موسيقاه والجميع يبتسم ويأخذ له الصور وهو يمسك بجيتاره الذهبي ويعزف .

وعندما انتهى صفق له الجميع بحرارة ..

والبعض بدأ يهتف أكمل .. لو سمحت أكمل ..

وأنطلق يُكمل العزف والناس من حوله مستمتعين بجمال عزفه وإحساسه ..

لا يريدون لهذا العازف أن يتوقف ..

ثم صحبنا العم " شون هو" إلى أحد المقاهي الفرنسية وقلنا له حدثنا عنك يا عم " شون " ..

قال : أنا سنغافوري الجنسية أعيش في مدينة باريس منذ خمسة عشر عاماً توارثت العزف عن والدتي فقد كانت عازفة مشهورة رائعة .

و أنا أفكر الآن في العودة لموطني الأصلي "سنغافورة" فلدي منزل هناك و أرض أود زراعتها ..

ولا بد لكل فنان من التقاعد ..

قلت له لا الفنانون والموهوبون لا يتقاعدون أبداً ..

لما لم تفكر بتسجيل معزوفاتك ؟

خصوصاً وأنها معزوفاتٌ نادرة فمثلاً معزوفتك الإيطالية القديمة تلك المعزوفة الشهيرة التي سلبت قلوب الملايين وعقولهم لا أحد يتقن عزفها كما تفعل أنت .. قال فكرة رائعة ..

لقد نسيت أن أشكرك على اقتراحك لي بأن أقوم بالعزف في أماكن أخرى فقد كانت فكرة رائعة حقاً ..

و أشعر بأنه عاد إلي جمهوري ..

أما تسجيل المقطوعات أظن أنني سأبدأ بها عند وصولي إلى سنغافورة ..

بدا العم " شون " باستعادة ثقته بنفسه بعد أن عزف أمام النهر ورأى إعجاب الناس بمقطوعاته الموسيقية وعزفه الرائع ..

حان موعد نومنا نستأذن منك أيها العم الكريم وشكراً على استضافتك لنا ليلة البارحة 

العم : لا شكر على واجب , انتظروا دقيقة ..

أنا : حسناً .

العم شون : كنت محقه في قولك ليس الجميع يحب الموسيقى ويملك أذنان موسيقيتان .

قلت له : وليس الجميع يحب هذا النوع من الجمال وهو جمال الموسيقى .

وقبل ذهابي أهداني قرص مضغوط مسجل به أحدى مقطوعات معزوفة موسيقية إيطالية شهيرة تعود إلى التسعينات وقال لي هذا القرص لأخي الراحل سجلت له هذه المقطوعة التي يحبها كثيراً فقد كان يقول لي دائماً " أعزف لي هذه المقطوعة " ..

ولأنني رأيت ليلة البارحة حبك لهذه المعزوفة قررت إهدائك إياها فالحب الذي خرج من عيناك أعاد لي الذكرى إلى أخي ..

وقلت في نفسي لا بد وأنها تحبها فلن أجد من يحب هذا النوع من المعزوفات سوا أخي و أنتي ..

احتفظي بها كنوع من الذكرى الجميلة ..

شكرته من أعماق قلبي فقد كنت حقاً اعشق تلك المعزوفة ..

ثم طلبت منه أخذ صوراً تذكارية , والتقطنا صوراً تذكارية مع العم شون هو وجيتاره الكلاسيكي القديم الذي يعزف أجمل المقطوعات الموسيقية ..

مذكرات باريس 2018


  • 7

  • نجوى الجابري
    في زاويتي الخاصة لا يوجد سوا انا والكتاب وقهوتي وبعض من موسيقاي المفضلة ,القهوة لاتؤنس وحدتي فقط بل هي السعادة التي تستبدل عالمي بعالم آخر https://najwaaljaberi.wordpress.com/ تشرفوني في موقعي الخاص ^__^
   نشر في 16 ديسمبر 2018 .

التعليقات

" منذ 5 سنة
ما كل هذا الجمال؟.. اشتقنا إليك نجوى
0
نجوى الجابري
انتي الجمال حبيبتي ..

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا