كان يجلس في غرفته, وفجأة قفز من سريره متوجها نحو الباب..فتحه بقوة وانطلق مهرولا نحو صالة الجلوس..هذه المرة لم يكترث للشواخص وإشارات المرور والمطبات ولا حتى للرادارات..وقف أمامهم قائلا:

أيها الناس,اسمعوا وعوا..ما بك يا ولد,هل أتتك حالة الهبل مرة أخرى؟

انتظري قليلا يا شجرة الدر,حتى انهي خطابي!!..من شجرة الدر هذه؟ أنت أصبحت عديم أخلاق,يا خسارة تربيتي فيك!!

ألا تعرفين شجرة الدر يا شجرة الدر..ألا تعرفين نفسك, الست رئيسة وزراء جمايكا..ام نسيت؟ أنت بالتأكيد تعانين من الزهايمر!!

دعيني أكمل خطابي..لو سمحت..

كنت طفلا صغيرا, كان يداعبني ويلاعبني ويلهو معي..لا زلت اذكر قفزاتي خلف بالوني..لا زلت اذكره عندما كان يجلسني على رجله اليمنى حين يجلس..من هو هذا يا بني؟ انه الأهطل الوسط, أنت لا تعلمين ان هناك ثلاث أحجام للأهطل..الكبير والوسط والصغير..الكبير كان اكبر مني, والصغير اصغر مني, أما الوسط فهو من عمري..كان يعيش أيام نبوخذ نصر, ألا تعلمين أنه هو من بنى الحدائق المعلقة لأنه كان اسكافيا فاستعان به الحاج نبوخذ لبناء الحدائق من اجل عيون مدام نبوخذ..ما علينا ,سأقول لكم بالتفصيل تاريخ حياته بعد أن أكمل خطبتي..

ومرت الأيام وكبر الطفل وبدا يميز ويفكر, لا زلت اذكر وصايا الحاج نبوخذ ومدامته , يا ولدي لا تنسى وطنك يوما..

"انسج أيها الوطن بيديك خيوط عشقك في قلبي"

ايها الناس,غدا سأقيم معرضا للبطيخ والبندورة لن ننسى الجرجير بأنواعه..

كفاك هبلا يا ولد!!ما دخل البطيخ بالأهطل؟..اسمه الأخطل وليس الأهطل, لكني أوافقك الرأي, فلو عاش في هذا الزمن لغير اسمه إلى الأهطل..واليكم الحفل الذي سأقيمه على شرفكم..

الحفل..

حضر كل من البندورة والبطيخ والجرجير وكان الباذنجان والكوسا والفاصولياء وباقي الخضروات حاضرة..طبعا كالعادة دخلوا إلى الحفل بواسطة المذكورين- حتى الطبايخ عندهم محسوبيات- أهلا وسهلا بالحضور,قالت إحدى البطيخات..

لنفتتح الحفل الآن..تقدمت البندورة مزدانة مزدهية بنفسها وقالت: أنا سيدتكم!!

ثارت ثائرة البطيخة وانشقت نصفين حتى بدت محمرة "مرملة" وجنودها السمر قفزوا من داخلها, يريدون القضاء على البندورة!!

تدخل الجرجير, والتف حول الجنود السمر, وفض النزاع!!

هرب الجميع من القاعة وبقيت البطيخة مزهوة بنفسها على انتصارها على البندورة المستوية..

لا لا لا ,حالتك أصبحت لا تطاق ..ما دخل الأخطل بالبطيخ والبندورة ووو..

ألا تعرفين أن بينهم علاقة متلازمة!! وكيف هذا؟

عندما كان الأهطل يطبخ فانه كان يحتاج إلى البندورة والفاصولياء ووو..

وكل هذا كان يتم في المطبخ السياسي الذي يترأسه كونتاكنتي (الباذنجان)فهو كان يسيطر على العالم في ذلك الوقت..وكانت مديرته ووزيرته شمامة شقراء كالحية الرقطاء..وظيفتها طمأنة بقية الخضروات بان هناك تحسنا في أمور ما..

رجاء, دعوني أكمل خطبتي ولا تقاطعونني..

قال الأهطل الصغير يوما في إحدى مرابده الشعرية ..

" العقلاء هم الأطفال ، يضحكون متى أرادوا ويبكون متى أرادوا... أما الكبار فهم مرضى الكبرياء. حين نَمر بالأماكن التي تحمل الكثير من الذكريَات ! ونقف أمام كل زاوية مسترجعين كل الأحداث فالواقع نحَن لا نشتاق لتلك الأوقات فقط . . بل إننا نشتـاق لـ ( أنفسنا )..

ثم استدرك قائلا اني اشتاق لصحن مجدرة.. فقد كان جائعا..فدفعه صديقه الذي يجلس بجواره بكوعه منبها له ..فعاد الأهطل مرة أخرى وقال:كل مبارياتنا كانت تنهي بخسارتنا في الدقيقة تسعين..أتدرون لماذا أيها القوم؟..لأنهم لا يسمعون كلام ماما, فلا يشربون حليب النيدو..أنت تهذي أيها الأهطل, قال احدهم..

قال الأهطل الوسط, هذه هي الحقيقة المرة, ورمى نفسه في بركة السباحة,ليوهمهم انه انتحر..لكنه في الحقيقة كان سباحا اولمبيا..شارك في كثير من بطولات سباق الهجن..

أيها الناس, اللهم إني قد بلغت..من يشعل سيجارة فليكملها, ومن يمضغ لبانا فليبتلعه, ومن يضع رجله اليمنى على اليسرى فليبدلها..

"أيها الناس, إن المثقف الضائع والمتصدع أبدا, المحشو بالرماد,هو لحن مر وقصيدة مرتدة..موجة ثكلتها الشواطئ..انه كالممالك والثروات له تاريخ, فهو يجاهد ان يكون إنسانا..لا يعرف لروحه جسدا, ولا يعرف لجسده روحا"