جلس الصغير حتب مطأطأ رأسه ويحدق فى الفراغ .. فرأيته وأنا قادم من يوم عمل طويل فتعجبت وسألته :لقد حان وقت نومك يا ولدى .. فلم لم تنم؟! 

فأجابنى بتساؤل كان يدور فى ذهنه منذ أمد بعيد: لما الصراع الأبدي بين الخير والشر مستمر للأبد يا أبى؟ .. ولما الشر يدوم لفترات طويلة والخير لا يدوم؟! .. دائما هناك شرير وطيب .. مفترس وفريسة .. ظالم ومظلوم .. لما لا يوجد وئام وسلام فى دنيانا يا أبى؟

فأجابه الأب وقد بدت عليه علامات الحزن: ولكن الإنتصار فى النهاية بكل تأكيد للخير يا بنى .. وسأحكى لك أسطورة الحب لدي الفراعنة .. إزيس وأوزوريس .. لتأخذ العبرة وتفهم الحكمة.

تقول الأسطورة أن الإله رع أنجب إزيس وأزوريس وست ونفتيس .. ولدين وهما أزوريس وست وبنتين وهما إزيس ونفتيس .. وقد نزلوا مصر وتولى الحكم أزوريس وأسبغ على مصر الخير الوفير .. وعاشت مصر فى عهد من السلام والآمان .. وعلمهم الزراعة ليوفر لهم من القوت الكثير .. فأحبه الشعب لعدله وحكمته وتزوج من الجميلة إزيس.

فاشتعلت النيران فى قلب أخيه ست .. وأخذت التساؤلات والأحقاد تنهش فى قلبه وعقله .. لما يتزوج أختى الجميلة دونا عنى ؟! .. لما يتولى حكم مصر وأنا أكفأ منه ؟! .. وظل هكذا حتى وردت على عقله فكرة خبيثة.

فأعد ست حفلا ضخما لكبار رجال الدولة .. وبالطبع كيف لا يشارك فيه أزوريس وهو حاكم مصر .. وبعد الأكل والمرح والرقص وشرب الجعة .. قال لهم ست: إنى أهديكم بهدية تابوت مزخرف ومرصع بأغلى الأحجار وأروعها .. فمن ناسب حجمه دخل فيه. 

فبدأ بهم واحدا تلو الآخر حتى دخل أوزوريس فكان مطابقا لجسده تماما (بالطبع فقد كان مصمما لذلك) .. وحينما دخل أوزوريس في التابوت .. غدر به ست وأغلق التابوت على أخيه وأمر حرسه الخاص بإلقائه فى البحر.

لم تتحمل الزوجة الوفية إزيس ما فعل أخوها ست .. وذهبت له وتوعدته بالانتقام ..  وأخذت تبحث عن التابوت الذى دفن فيه زوجها وقد تحور لها جناحين .. فمسحت المنطقة بأكملها بحثا عن التابوت حتى وجدته فى منطقة جبيل فى لبنان .. وحينما علم ست بالأمر خرج ورائها برجاله ووصلوا للتابوت .. وقطعوا زوجها 42 قطعة أمام أعينها وفرقوهم فى الجهات.

واستمر ست فى حكم مصر بالقوة والبطش بالخصوم والخوف الذي ملأ القلوب منه ..  واختفت إزيس عن الأين فى جبل حتى لا يصل إليها جنود ست .. عاشت تربى إبنها حورس .. وتحكي له كيف كانت حال البلاد قبل مجيء ذلك الخبيث .. وكيف أنه قتل والده ومزقه إربا .. واستمرت على ذلك حتى كبر حورس على وسعى للإنتقام وقتل ست وأزاحه من الحكم وأراح الناس من شره .. ثم تولى بعد ذلك حكم مصر وأعاد الخير للبلاد من جديد كما عهد الناس من أبيه.

وبذلك انتصر الخير على الشر وانتصرت الفريسة على المفترس وانتصر الحق على الباطل .. ولو لم يكن هناك الشر والفساد والظلم لما وجد للخير والعدل معنى فى هذه الحياة يا ولدي.