تعلمنا في دراسة الادارة ان يكون المدير قائداً، ويتصف بالشجاعة والاصرار واتخاذ القرار في اصعب الضروف، ولكن لم يكن هناك تطرق الى الجانب الانساني من هذا القائد او المدير، فلا نجد هناك وصف لكونه عطوفاً او مهذباً او بسيطاً.

النماذج الادارية الموجودة في بلداننا العربية وان كانت تتحلى بالقدرات الادارية والقيادية الا انها لا تمتلك في اكثر الاحيان الصفات الاخلاقية الجيدة، فالمعروف ان المدير متكبر ومتشنج ولا يمنعه ان يتطاول او ان يتجاوز على الاخرين، ويستغل سلطته في ايذاء من حوله او الانتفاع منهم.

عندما اصبحت مديراً لشعبة ادارة الموارد البشرية، كنت قد وقفت على مفترق الطرق، وكان علي ان اختار ما سأكون عليه، اما النموذج التقليدي للمدير، او نموذجاً اخر يتحلى بالانسانية، وكنت قد اخترت الجانب الانساني.

كنت اعتبر جميع الكوادر بمثابة العائلة وكنت اتعامل معهم على هذا الاساس، فبابي مفتوح دائماً، اوقع البريد في اي مكان ولا احتاج الى وساطات، متاح في جميع الاوقات، اسعى في حاجات الاخرين. ورغم ذلك فاني قد وضعت حداً فاصلاً بين التعامل الاخوي والتعامل بالمنصب، وهذا الحد استعمله للذين يسيؤون لمفهوم العائلة الواحدة، حيث ان العائلة يجب ان تكون منتجة وخلافاً لذلك فانه لا توجد عائلة وانما مجموعة موظفين ومدير من الطراز المعتاد عليه.

خلال السنوات الاربعة لادارتي، كانت مبادئي في اداء الواجب تحتم علي ان اكون ظهيراً للمظلومين وان ادافع عن حقوقهم، بطلب منهم او بدون طلب، فكنت اشعر بالمسؤولية في وضع حد للذين يحاولون ايذاء الاخرين مستغلين سلطتهم ونفوذهم، وهذا ما اشعل نار الفتن والتي استمرت دونما انقطاع، حتى اصبحت ذلك العصفور الذي يغرد خارج السرب.

كنت دائماً ما اسئل نفسي، كيف يجب ان يكون المدير؟ ما هي الصفة الاكثر اهمية للمدير والتي يجب ان يتحلى بها للنجاح ؟

وكنت قد ايقنت ان اهم صفة للمدير ان يكون انساناً، لا سبعاً ضارياً ينهش لحم من هم دونه، وليس الةً تعمل دونما احاسيس، وليس قائداً عسكرياً يستخدم الاحكام العرفية لفرض نفسه وقوته على من هم تحت امرته.

الانسان بما لديه من مشاعر، وخاصة اذا ما اتصف بما اتصف به الرسول الاكرم (ص وآله)، انسان يحب لاخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لها، انسان يحمل اخاه على سبعين محمل، انسان لا يجعل الخلافات الشخصية سبباً في مضايقة الاخرين، انسان يكون معطاء وسمح، انسان بكلمة طيبة ولسان عذب.

تجربتي اظهرت لي ان المدير الانسان انجح في اداء عمله وواجبه من المدير المتجرد من الانسانية والذي يجعل من نفسه كما فرعون اله. ولكن المدير  الانسان عمره في العمل قصير جداً لانه سيقف وحيداً بين الذئاب، لان السلطة والمنصب والكرسي له ماله من التأثيرات على نفسية الشخص، وهي تعمل على سحر العقول واغراء الشهوات. اضافة الى ما فيه من امتيازات وافضلية وكذلك استفادة مادية باشكال مختلفة. كل ذلك يجعل ممن ينجرف في وادي السلطة السحيق ان يتحول الى ذئب، لا هدف له الا اشباع ذاته المعترة.

والشكر لله اني بفضله تعالى اتممت واجبي ولم يتغير في اي شيء فانا على ما انا عليه عندما كنت مديراً وعندما عدت موظفاً عادياً. زال المنصب وما تبقى هو احترام الاخرين لي وتقديرهم وامتنانهم لما قمت به لهم.

والحمد لله رب العالمين