سمعت الكثير عن السمفونيات التي تضج بها الاحتفالات كسمفونيات بيتهوفن وموزارت ومونامور,وللامانة حتى هذه اللحظة لا افهم معنى مصطلح سمفونية الا انها مقطوعة موسيقية,فعلاقتي بالفن والموسيقى ليست على ما يرام..لكنني اصبت بالدهشة عند سماعي عن سمفونية انتشرت حديثا واجتاحت عالمنا العربي اطلق عليها:
"سمفونية الوطن العريق"
ان مفهوم الوطنية اصبح كمفهوم المهلبية, مذاق شهي, وشكل جميل,وليونة في التعامل معها بل والتهامها بنهم طالما سنحت لنا الفرصة وكنا في مأمن عن كل ما ينغص علينا حياتنا..!!
تفكيرنا سلك طريقا مليئة بالتعرجات..قوى كثيرة منها الطمع والاحلام الوردية ادت الى ذلك, ومن هذه القوى ما ادى الى تخلفنا الفكري وغبائنا !!..حكمنا على انفسنا ان نبقى مهمشين..ان نبقى تحت الرماد, ثم علينا ان ننسى اننا نسينا , ثم هرمنا ونسينا ان ننسى!!
نقاتل بشراسة لصون عذرية اجسادنا,ولكننا نسقط – اما مخيرين او مسيرين – في عهر عقولنا, ونبقى مندهشين من كل شيء , ونسعى دوما للبحث عن اسباب تقودنا الى اضطراب في المشاعر, تبقينا نعاني من حساسية ضمير عالية.. باحثين عن مفهوم جديد لمصطلح "وطن" ثم نعود لنترنم على سمفونية جديدة تسمى:
"سمفونية الوطن العريق"
لا استطيع ان اعطي تعريفا جليا لمصطلح وطن,فهل الوطن ذلك المكان الممتد الى الاف الكيلومترات؟ ام انه تلك الفكرة الذهنية التي نعيشها..نحاورها..نتسامر معها, ثم بعدها نغط في سبات عميق؟ ..ام أنه روح المكان وعبقريته ومفتاحه وبصمته؟
احاول قراءة السلم الموسيقي لتلك السمفونية,فاجد نفسي امام غابة يضربها البرق,وتتلون بقوس المطر..غابة مليئة بمقابر للمشعوذين والمهرجين..فادرك حينها انني امام فكرة تعيش في الاذهان مكونة من ثلاثة حروف "وطن" نتغنى بها ونتراقص على انغام سمفونية عنوانها
"سمفونية الوطن العريق"
في بعض الاحيان تتبادل اطراف الحديث مع مهرطق ثم لا تلبث ان تكتشف ان داخله فارغ..فلا يمر وقت طويل الا وتجد نفسك رهين قصة اكتئاب لا علاقة لك فيها,وتشعر انك وحيد ومعزول..فتكتشف انك فعليا تمتلك استعدادا فطريا للإكتئاب والبكاء على النفس..حينها يصبح جل حلمك الفكاك من ذلك الرهن, مخلفا خلفك بعضا من فروك السميك وقطعا من جلدك في حكاية لا تعلم بدايتها ولا ترى معالم نهايتها!!
عند ولادتنا,كانت هناك احتمالات لانهائية لحيوات مختلفة قد نعيشها,ولكن - عند الموت- لن يبقى من هذه الاحتمالات سوى الاحتمال الوحيد الذي تحقق منها وهو اننا فارقنا الحياة!!
لطالما كنا فاشلين ...فاشلون بمعنى الكلمة في ايجاد تعريف لتلك الكلمة الرنانة "وطن" , ولطالما كان الوطن يمثل لنا لغزا كبيرا لم نستطع حله..يمثل لغزا يشبه معادلة رياضية صعبة...او ربما شيء يصعب تفسيره...تجعلنا نخوض في تجارب حبه دائما بقلب مفطور او مكسور او محطم او ميت ربما,ولا نجد امامنا الا الرقص على:
"سمفونية الوطن العريق"
قد يبدو الامر للبعض انني اما جاهل او انني اتجاهل ذلك المفهوم الذي يقربني من الوطن,ويخيل للبعض انني لم اعد الفه وانني لم اعد اعتاد عليه, وانني في غيبوبة عنه..نعم في غيبوبة عنه لكنني ما ان صحوت الا ووجدت حبه يغتالني فجأة,وحالي هو حال يائس يبحث عن ماء في صحراء مقفرة ,وما ان يعثر عليه وينفجر ضاحكا حتى يعقد حاجبيه ويقطب جبينه , فلم يكن الا سرابا امامه, فيعود مشتتا , وخائفا اكثر من ذي قبل!!
خوفنا مما يحيط بنا, وخوفنا من التفكير, وارتعابنا من اي تغيير..نعيش حياتنا بانماط مضطربة واهية خاوية..ثم لا نلبث ان نقاوم شعورنا بالخوف والاحباط باخضاع وجودنا الى روتين عقيم..فلا يبق لنا الا الانتشاء على انغام :
"سمفونية الوطن العريق"
تحوّلت اصقاع الوطن إلى " خبر عاجل " تكاد لا تخلو منه أي فضائية او اذاعة او صحيفة كانت بيضاء او صفراء مهما كان توجهها وأجندتها المعلنة والخفية..أخبار على كاميرات اصابها العمى..وبعضها اصيبت بالعور المقنن او الحول لا تتوانى عن نقل صور مشوشة لا تخجل من فبركتها واضافة البهارات عليها لتضفي عليها نوعا من الحقيقة.. لا اصفها الا انها نوع من خيانة الضمير.
حياتنا في العالم العربي لا شبيه لها سوى لعبة مجسمة ثلاثية الابعاد..ملايين من الصور والمشاهد خارجها اشكال من الجمال والروعة وفي اعماقها اطنان من الرعب و الفتنة تفوح منها رائحة الدم..
من المحزن حقا, ان نرى اجيالا تتبعها اجيال تفقد اجمل امالها واروع احلامها, عندما ترفع عن ابصارها الغشاوة الوردية , وهم يحاولون استبدال اوهامهم القديمة باوهام جديدة تنقضي كالاولى بمرارة اشد واعتى؟!..وما عليهم سوى تعلم سلم موسيقي ل..
"سمفونية الوطن العريق"
نعيش تبعية عاشقة سطحية في مضمونها بلا عمق , وربما تنفجر في ظروف اكثر ظلامية واكثر سخرية حتى تظهر نقية..حتى اصبحنا نتغنى بالفعل الماضي الناقص (كان) الذي عاشه الأولون , ثم وجب علينا أن نتغنى بالفعل المضارع (نكون) ولكن على انغام:
"سمفونية الوطن العريق"
سنبقى نتأرجح بين قرنين, مندفعين من قرن شاحب يحتضر..ذاهبين الى قرن قادم يلهث صارخا توقفوا..طهروا اجسادكم من عهر عقولكم أولا!!
-
Dallashوَإِنِّي أَتَجَاهَلُ وَلَسْتُ بِجَاهِلٍ غَضِيضُ الْبَصَرِ وَلَسْتُ أَعْمَى وَإِنِّيْ حَلِيمٌ وَلَسْتُ بِحَالِمٍ حَصِيفُ الْكَلِمِ وَلَسْتُ أَسْمَى مَاهِر بَاكِير
التعليقات
لو فقط بقيت تلك التبعية العوجاء...بل أصبح الشباب اليوم لا يستحيي من التملص من كلمة الوطن... و إلقاء اللوم على الوطن...و اتبعوا سمفونية جديدة,,,سمفونية كره الوطن...
لك الله يا أوطانا حلبها أهلها حتى قضوا منها ,,,ثم أنكروا انتماءهم للأرض الأم...الوطن
لكنني ايضا انصحك بسماع سمفونية بيتهوفن التاسعه حقا انها راااائعة
الوطن لا يجور و الوطن لا يخون و الوطن لا يؤذي... لكنه البشر... ستعرفهم من أول كلماتهم... يتغنون و يتغذون على سمفونية الوطن... اولئك الذين يبحثون عنه في كلمات رنانة و خطابات ناقصة و يبررون أفعالهم بسمفونية الوطن... لكنهم لم يدركوا أبدا معنى الوطن.
أفكارك الجميلة تفتح شهيتنا للكتابة... دام قلمك