صاح من قلب الأرض أغيثوني ! !
نادي في الظلمات أن أدركوا فقيرا كاسح البال مكسور الجناح ، لفه الحديد و التهمته الصخور ! !
أذّن الجرح بين الأحياء و الأموات و الأشجار و البحار و البراري ، أن هلمّوا إلي، فالوحيد الجائع البائس الحزين يتنفس من ثقب في الأرض ، لا تكاد تصله نسمات الهواء لتحافظ على ما بقي من نبض حفته الحسرة و أغرقته العبرات ، فالقابع في الظلمات ينتظر الموت مع كل نفس، و سفير الموت إليه يرفرف بجناحيه بين جنبيه على مدى الزمن المعدود .
فنتصوره مستعدا للاعتراف بكل جرائم الدنيا ، تكاد تسمع أنينه الراسم للكلمات أنا المسيء خذوني، أنا المجرم اعتقلوني، أنا سبب البلاء ، و أنا و أنا ...وان أردتم فحاكموني ...ولكن فقط أخرجوني.
تهم عديدة لو وجهتها لبني البشر و هو في الظلمات يصارع شدائد القسوة و هي تعصف به ، و هو يعبر وحيدا الطريق المحفوف بالأشواك و الدروب التي و إن سلمت فيها من لدغة العقرب فستصيبك لا محالة نهشة الأفعى ، لو قابلته بكل هاته التهم لصاحت الإنسانية في الورى ، لا تصغوا لصاحب القوافي و لا تصدقوا تنازله عن البراءة ، و حكّموا الضمير و نسمات الحكمة و أعيدوا الابتسامة للفطرة ، و الندى للزهرة.
فدوى النداء راجا أضلع كل ذي كبد رطب، فبلغ العنان و امتد للشرق و الغرب و ارض الغجر، فتراءت الجحافل و المعاول شاقة البسيطة لبلوغ منبع الصوت بقلب حاملة البشرية ، فجاء الفقير و المعتر و البسيط و العاري و الباكي من أهل الضحية ، فكان وقع الأقدام بمثابة الأمل الذي أضاء في ظلمات بحر لجي ألقى موجه بأنواع الهموم و الأسى و الحزن على العالق تحت الثرى ، و على كل ذي قلب ينبض بالإنسانية.
توالت الأيام و الليالي و الأهل و الحماية المدنية و الجرافات و المعاول و الدرك و أهل الطيبة و الوطنية و المستجيبون لواجب الإخوة الإسلامية يكدون و يجهدون لتحقيق الأمنية ، دون علمهم أن الأنفاس قد خمدت ، و الروح قد ارتقت و التاريخ قد دون الأسماء و الألقاب و جهد أيادي الأجسام العارية و القلوب الكريمة الندية ، فسبق الكتاب الجرافة و سقطت الورقة معلنة توقيت الرحيل للمسيرة الأبدية.
فستبقى صور التكافل و التآزر و التكاتف راسخة في معاجم الإنسانية ، رغم تأخر وصول صاحب السلطان خادم الرعية ، فلا هم استعانوا بالأيادي الأجنبية أصحاب الخبرة و العتاد ، و لا هم استمعوا لأصحاب الرأي و التجربة من أهل الدار لتقديم المساعدة لإخراج الضحية.
فقصة عياش أكدت لنا و للمرة المليون الافتقاد لحس التكوين و التعلم و مجاراة تطور العلوم ، فتكاد لا تجد إلا الإرادة و الرغبة و التضحية و الجهد، و لا يلاقيك إلا تعنت بعض أشباه أهل المسؤولية ،و انفرادهم بالرأي و عزفهم السنفونية الخشبية الشعب هو الدولة و الدولة هي الشعب.
فعليك رحمات الله يا عياش ، و يا أصحاب الأفكار و الحس الأخوي ،أما التاريخ فله صفحات تكتب فيها الأسماء و الوقائع بحروف من نور و أخرى من جمر، أما نحن فهي واقعة للوقوف من جديد مع الذات البشرية ، لنذكرها أن الملاك يدخل البيوت و الشرفات و الجبال و السهول و يدركنا حتى لو كنا في القصور المشيدة ، أو داخل أنبوب في أعماق البسيطة الخضراء ، من تمشى على ظهرها البشرية .
محمد بن سنوسي
02-01-2019
-
بن سنوسي محمدمدون حر اطرح افكاري و اسعى للمشاركة في اصلاح المجتمع