كان يحط على شرفة نافذتي بإستمرار ، ولم أعرف إلى اليوم لماذا اختار نافذتي بالتحديد ، هل السرّ في الزجاج الأزرق الذي يعكس صورته ، هل يظنّ أنّه وليف آخر له؟ أم أنه اختارني أنا ؟
حاولت ابعاده عن نافذتي في زياراته الأولى فكل يوم كنت أترصد حضوره و أضع له الكمائن المختلفة كي يبتعد و يكفّ عن ازعاجي ، لكنه تجاوز كل شئ بصوته ،
بصوته فقط ،أصبح جارا مألوفا ، و مع مرور الأيام أصبحت أتلهف لرؤيته كان يزورني مساءاً بين الفينة والأخرى ، أما صباحا فكان دائم الحضور ، لم أقترب منه يوما ، وتمنيت اليوم لو أنني تشجعت قليلا ، فقد كنت أراقبه من بعيد، أفتح نافذتي انتظر دخوله لغرفتي ، لكنّه كان يفضّل الجلوس خارجا ، ربما هو ايضا مرتبك أو متردد، لا أعلم فلم أتحدث معه ،
ظلّ ملتزما بزياراته أشهرا عديدة ، حتى بدأت بتفسير تلك الأصوات التي يصدرها ، فإن كان (حاضره حيا ) يصدر صوتا يشبه زقزقة طير، فإن رأى الحياة جميلة بكل ما فيها عــاد لفطرته .
وإن كان (فكره مشغولا بالمستقبل)، فبالكاد أسمع له صوتا ،
و أمّا عن ذلك الصوت الأشبه بالأنين و البكاء الخافت فأنّه (يحنّ أشدّ الحنين للماضي)، رغم جهلي بماضيه ، ويقوم بطرق رأسه بالزجاج مرارا إن كان (متخبطا و حائرا) ،
أسميته (شعاع) لأنه حين يصطدم بزجاج نافذتي يشّع نورا لوهلة ومن ثم يعود لطبيعته ! لم أره يوما جريحا ، أو ملطخا بالدماء ،
في أحد الايام استيقظت باكرا كعادتي منتظرة قدومه ، مرّ الوقت بطيئا ، تأخر في القدوم على غيره عادته ، في حين كنت اتأمل السماء من خلف زجاج النافذة، ظهر فجأة شعاع من نور،
كان ساطعا لدرجة أغمضت فيها عيناي ، ملأ السماء بياضا ، وكأنّها سحابة بيضاء ضخمة تغطيها أكوام من الثلج ، ثم تلونت الأرض بقسوة اللون القرمزي . بقيت الارض والسماء على حالها حتى اليوم .
ولم أر(شعاعا) بعد تلك الحادثة أبدا .
-
creator writerJ.A