من خلف الشاشة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

من خلف الشاشة

  نشر في 18 يوليوز 2018 .

        

ذلك الواقع الذىختلقه و نعيش فيه بشخصيات أخري مختلفة كل، الإختلاف عن أشكالنا الطبيعية ، نرتدي الأقنعة ، نزين أنفسنا ، و نغير أشكالنا و ننشأ بيئة مختلفة عن بيئتنا التي نعيش فيها ، بمجرد أن تجلس خلف شاشة هاتفك الذكي تكون داخل ذلك العالم المريب الذي يمتلئ بكل الأشكال ، لا أحد يقيض حريتك ، فالتعبير يكون بكل حرية و تفتح، من غير المألوف بعد اليوم أن يعيش الإنسان حالة التناقض ما بين تواصله الإلكتروني والواقعي.. من غير المألوف أن يكره ويُسيء الكترونياً ثم يعود بعد يومين إلى السلام على صديقه بحرارة..!

تُذكرني هذه الازدواجية بين السلوكيْن، بما طرحه عالم الاجتماع "زيغمونت باومان" عن حروب ما بعد الحداثة، والتي باتت تتلخص بالقتل عن بعد، تماماً كالطائرة التي يقودها جندي يضغط زراً ليقتل من خلاله عشرات المدنيين الذين لا يراهم.. يقول "باومن"؛ إن التكنولوجيا التي تفصل الجاني عن ضحيته، تولد حاجزاً نفسياً يجرّأ الجاني على تجاوز الأخلاق والعرف والقانون، وارتكاب أفعال هو ذاته يراها مشينة وغير أخلاقية، ومع اختلاف درجة القياس وتوافق الطريقة، نجد أن الصديق الذي يبادلك الإبتسامة والتحيات كل صباح، أصبح لا يجد حرجاً بتوجيه كلمات الإساءة والتجريح عبر السوشال ميديا.. والصديق الذي يبدي إعجابه و "لايكاته" دائماً، صار ينتهز الفرصة عبر الرسائل الخاصة أو لبرنامج "الآسك" ليخفي هويته ويمارس افراغاً غريباً لشحنات الكراهية أو الغيرة أو الحقد بصورة متكررة تكاد تصل إلى درجة التنمّر، وهدفها الايذاء لغاية الايذاء.

•مفرق الطرق

الشعور الزائف بالأمان خلف الشاشة يُغري الفرد بتجاوز كل الخطوط التي لا يتجاوزها في العادة، وهو ما يؤدي إلى نتائج لا تُحمد عُقباها في العادة أيضًا.. على وجه الخصوص، هُناك نوعان من التجاوزات هما الأكثر شيوعًا: الكشف عن معلومات شخصية، والتحدث بدون تفكير.

•أولا : الكشف عن المعلومات الشخصية

عندما أتحدث عن النوع الأول (الكشف عن المعلومات الشخصي) يجب أن ننوه علي مدي خطورة ذلك ، فمن خلف الشاشة يشارك الأفراد مواقعهم و أماكن تواجدهم لا يتعلق بذلك فقط و إنما أيضا بما يحبوه و يكرهوه و علاقاتهم الشخصية و عادتهم اليومية ، كأن ذلك مرض ينتشر و يصيبهم ،

حب مشاركة كل التفاصيل اليومية التى من الممكن أن تعرض حياتهم للخطر و تجعل كل العالم يطلع على خصوصياتهم و يكون علي علم بها و لا يقتصر ذلك فقط على البلاد المحيطة و لكن يمتد ليشمل كل من يجلس خلف الشاشة و هنا تكمن الخطورة وإنما يتعدى ذلك ليشمل الأفكار والخطط المستقبلية والحالة المزاجية والعاطفية والصحية، وفي كُل الأوقات!

ما الذي يدفع المرء ليفعل ذلك ؟

ما العائد من فعل ذلك؟

ألا يدرك مدي خطورة الأمر؟

ثانيا : التحدث دون تفكير

و الثاني لا يقل خطورة عن الأول ، فعندما يتحدث المرء فى حياته الطبيعية يفكر جيدا قبل أن يتحدث بكلمة ،فهو لا يُلقي بالكلمات بدون تفكير. هو ينتبه جيدًا لما يقول، وخاصة عندما ينوي التحدث بشيء قد يسبب له أو لغيره ضرر. لسبب ما تتوقف تلك الوظيفة العقلانية -أو"صمام الأمان" إن شئت- عن العمل خلف الشاشات. عندما يُعطى الفرد لوحة مفاتيح وهو في حالة من "النشوة الانفعالية"، وفي عالم يُختزل فيه الأشخاص إلى أسماء عائمة، يُصبح من السهل على شيطان اللامبالاة أن يتلبس الفرد، ومن ثم دفعه لقول كُل شيء كان ليتجنب قوله إن كان بعقله. كلمة واحدة في هذه الحالة كفيلة بإحداث ضرر بالغ. ضرر قد لا يقتصر فقط على خلق عداوات جديدة أو تدمير علاقات شخصية، وإنما قد يصل لقلب حياة الفرد رأسًا، حرفيًا.

ما حدث مع "مات هريجان" مُنذ فترة هو مثال جيد. الرجل هو مؤسس ومدير تنفيذي لشركة أمن معلوماتي في الولايات المُتحدة. في الليلة التي فاز فيها ترمب، كتب الرجل 4 تعليقات غاضبة حمقاء على فيسبوك. كتب أنه سيقتل ترمب، وتحدى أن يرى ما ستفعله إدارة المُخابرات الأمريكية. انتشرت التعليقات كالنار فالهشيم بين مُستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بفعل "فاعل خير" -وما أكثرهم في مثل هذه الحالات- وهو ما دفع الرجل لمسح التعليقات والإعتذار، والتأكيد على أنها قطعًا لا تعكس آراء الشركة، وأنه قطعًا لا ينوي فعل ذلك، وأن الأمر مُجرد "مُزحة سخيفة"... ولكن بعد فوات الأوان.

في خلال ساعات أعلنت الشركة -التي أسسها الرجل ويُديرها- أنها قامت بالتبليغ عنه وأنها على استعداد كامل للتعاون في التحقيقات، وأكدت مرة أُخرى أن آراءه لا تعكس آراء الشركة ولا الموظفين. هذا الأمر لم يشفع للشركة عند المُعلقين الغاضبين، والتي انهالت عليها التعليقات السلبية وانخفض تقييمها.. وفي خلال يومين، دُفع الرجل للاستقالة من منصبه. بهذه البساطة والحماقة فقد الرجل كُل شيء تقريبًا.

دعني اُخبرك سرًا ليس بسر: هُنا، في الفضاء الإلكتروني، الأمور ليست كما تبدو، في حين أن الأمر يبدو وكأن التحدث بأي شيء هنا أسهل وأقل خطورة من التحدث بشكل مُباشر أمام الناس، الحقيقة هي العكس. العكس تمامًا. إذا كنت بحاجة للتفكير مرتين قبل التحدث بأمر مُعين لمجموعة من الأشخاص أمامك، فأنت بحاجة للتفكير 10 مرات قبل قوله هُنا

•دعنا نخلع الأقنعة

لماذا نختلق الشخصيات ونعبر عن أنفسنا بشخصيات أخري؟

لماذا نخرج النقص فينا خلف الشاشات؟

لماذا لا نقوم بعلاج النقص و إصلاحه؟

دعنا نتصرف بطبيعتنا خلف الشاشات و لا نكون بوجهين و نسعي لنكون أفضل و نكون أصحاب أثر فى النفوس

فلقد أرسلنا الله كي نبعث الأمل فى القلوب و نرسم البهجة على الوجوه و لا نتسبب فى نشر الفتنة و الفساد


  • 1

  • محمد يونس
    كاتب ذو رؤية فريدة، مناقش قد أختلف الكثير حوله، أعشق القراءة ، أصغر رجل و أكبر طفل يمكنك التعامل معه ، أمتلك الكثير من البهجة تكفي الكثير ؛ فلماذا لا نتحدث سويا؟
   نشر في 18 يوليوز 2018 .

التعليقات

عمرو يسري منذ 6 سنة
للأسف هذه الشاشات صنعت أبطالاً من ورق وقدوات زائفة. والأمر يزداد سوءاً كل يوم حتى صرنا بشكلٍ يوميٍ تقريباً نُصدم في أشخاصٍ كنا نقدّرهم.
مقال رائع . بالتوفيق وفي انتظار كتاباتك القادمة.
1

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا