عودة الروح - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

عودة الروح

كتاب واراء

  نشر في 13 مارس 2020 .

‏من رواية (عوده الروح) للأديب الكبير توفيق الحكيم، سنه ١٩٢٧ أقروا ما كتب كثيراً لعلها تضيء شيئاً معتماً أو تحيي كبرياء قد تواري من فرط سموم الانسحاق.

‏"ان هذا الشعب المصري الذي تحسبه جاهلاً ليعلم اشياء كثيره لكنه يعلمها بقلبه لا بعقله. ان الحكمه العليا في دمه ولا يعلم، والقوة في نفسه ولا يعلم. هذا الشعب قديم. جيء بفلاح من هؤلاء واخرج قلبه تجد فيه رواسب عشرة الاف سنة من تجارب ومعرفة بعضها فوق بعض ولكنه لا يدري. نعم هو يجهل ذلك ولكن هناك لحظات حرجه تخرج فيها هذه المعرفة وهذه التجارب فتسعفه وهو لا يعلم من اين جاءته!؟

‏هذا ما يفسر لنا نحن الاوروبيين تلك اللحظات من التاريخ التي نري فيها مصر تطفر طفره مدهشه في قليل من الوقت وتاتي بأعمال في طرفه عين. كيف تستطيع ذلك ان لم تكن تجارب الماضي الراسية قد صارت في نفسها مصير الغريزه تدفعها الي الصواب وتسعفها في الاوقات الحرجة وهي لا تدري.

‏لا تظن ان هذه الالاف من السنين التي هي ماضي قد انطوت كالحلم ولم تترك اثرا في هؤلاء الاحفاد. أين إذن قانون الوراثه الذي يصدق حتي علي الجماد؟

‏ولإن كانت الارض والجبال إن هي الا وراثه طبقه عن طبقه، فلماذا تستكثروا هذا علي الشعب القديم الذي لم يتحرك من ارضه منذ الاف السنين ولم يتغير جوهره او طبيعته؟

‏نعم ان أوروبا سبقت مصر اليوم، ولكن بماذا؟ بذلك العلم المكتسب فقط

‏ان كل ما فعلناه نحن الاوربيين الحديثي النشأة ان سرقنا من تلك الشعوب القديمة هذا الرمز السطحي دون الكنز الدفين. لذلك جيء بأوروبي وافتح قلبه تجده خالياً خاويا. الاوروبي انما يعيش بما يلقن ويعلم في صغره وحياته لانه ليس له تراث وماض يسعفه غير ان يعلم. احرم الأوروبي من المدرسة يصبح اجهل الجهلاء.

‏قوه اوروبا الوحيده في العقل تلك، الاله المحدودة التي يجب ان نملأها نحن بإرادتنا، أما قوه مصر ففي القلب الذي لا قاع له.

‏ان الفاسد في اخلاق مصر ليس من مصر بل أدخلته عليها الامم الغازية كالبدو والاتراك ومع ذلك فلا يؤثر في جوهرها العميق الراسخ الموجود دائما في ابناءها.

‏احترسوا يا اوربيين من هذا الشعب فهو يخفي قوه نفسيه هائله يخفيها في البئر العميق الذي خرجت منه قوته علي بناء هذه الاهرامات الثلاث والتي قال عنها العالم الاثري الفرنسي موريه (انه حلم فوق مستوي البشر)

‏وهذا البئر العميق انما هو القلب المصري.

‏بالفعل لنا العذر ان لا نفهم هذا. ان لغتنا نحن الاوروبيين لغة المحسوسات، اننا لا نستطيع ان نتصور تلك العواطف التي كانت تجعل من هذا الشعب كله فردا واحدا يستطيع حمل الاحجار الهائلة عشرين عاما وهو باسم الثغر مبتهج الفؤاد راض بالالم في سبيل المعبود خوفو وهو رمز الغاية. هذه العاطفة عاطفة السرور بالالم الجماعي؛ عاطفة الصبر الجميل والاحتمال الباسم للاهوال من اجل سبب واحد مشترك؛ عاطفة الايمان بالمعبود والتضحية والاتحاد في الالم بغير شكوي ولا انين.

‏هذه هي قوتهم. ان هذه العواطف التي شيدت الاهرامات، والا فكيف كنت تريد ان يبني هذا الشعب بناء كهذا ان لم يكن هذا الشعب قد تحول الي كتله آدمية واحدة تستعذب الالم في سبيل خوفو ممثل المعبود رمز الغايه.

‏ان هذا الشعب المصري الحالي مازال محتفظاً بتلك الروح (روح المعبد). لا تستهن بهذا الشعب المسكين اليوم ان القوه كامنه فيه ولا ينقصه الا شئ واحد:

‏(المعبود ممثل الغاية)

نعم ينقصه ذلك الرجل منه الذي تتمثل فيه كل عواطف الشعب وأمانيه ويكون هو رمز الغاية. عند ذاك لا تعجب لهذا الشعب المتماسك المتجانس المستعذب والمستعد للتضحية اذا اتي بمعجزة اخري غير الاهرامات.

‏***


  • 2

   نشر في 13 مارس 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا