أن تكون غريبًا لا يعني أنك على خطأ كما يُرجح البعض.. تلك الريحانة التي وُضعت وسط الورود لا يمنع إختلافها كونها جميلةً، وقد يظن أحدهم أن رائحتها قد تطغو على رائحة ما يجاورها من ورود فيقتطفها ويُبعدها، ولكن ماذا لو علم أن تلك الورود صناعية لا رائحة لها؟
كنت في طريقي إلى المنزل مستقلًا أوتوبيس نقل عام وعادتي كل يوم أضع سماعات الأذن لأنعزل عما حولي تمامًا لا أنزعها إلا لدفع الأجرة ثم أضعها وأواصل إنعزالي ولا أنزعها (ولو قامت حريقة) -لا قدر الله-، لا أعلم ما الذي دفعني لأنزع السماعات حال وجدت فتاة تتحدث إلى شابين جامعيين وما أن بدأت الحديث حتى ألتف الجلوس جميعًا يراقبون ما يجري!
قالت ناصحةً: مثلما تذكرون أسماء بنات الناس في أوتوبيس عام سيذكر أمثالكم أسماء أخواتكم في مثله، هل تفعلون شيئًا في حياتكم غير اللهو والضحك! ثم أكملت: قل عني ما شئت، قل مجنونة او مختلة لا يهم.. قاطعها أحدهم أن العفو وأنها ليست مجنونة وأنها على حق وإنه متقبل ما تقول فقط لأنها "زي أخته" علي حد تعبيره وأنه ورفقائه مخطئون، تابعت: أعتبرني مثل اختك وتقبل ما أقول وفكر به، هل هناك مفيد تفعله في وقتك؟ هل تصلون؟ ليرد أحدهم هنا: أصلي لكني غير منتظم.. وجدتها ترد وكأنها علمت سبب ما هم عليه بقول الله تعالي: "فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ" وأكملت أن الويل جزاء من يتهاون وليس التارك، ثم تركتهم وتركت الأوتوبيس بما فيه.
نظرات الناس إليها ما بين متعجب لوقوفها في وجه الشباب وتلقينهم درسًا في الأخلاق ونصحهم، وما بين "دي مجنونة تقريبًا".
والحقيقة أن الإسلام ذكر فضل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر وأمرنا بذلك في أكثر من موضع بالقرآن الكريم و سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولسنا هاهنا للتعرض إليها، ولكن هل أصبحنا نخاف الفضيلة لقلة سالكي طريقها؟ كم من موقف نستطيع فيه أن نأمر بالمعروف وننصح أو ننكر منكرًا ولا نفعل لأننا لا ننظر إلا لأنفسنا – إلا من رحم ربي-، وما دمنا سالمين فما يضر؟
قد توقف بكلمةٍ وباءًا كان على حافة الإنتشار وتحمي الأمة منه، وقد تنصح من ينصح من بعدك ويستمر الخير بسببك، بكلمةٍ خرجت من فاهك، فلا تستقل الخير ولا تخاف الأمر والنهي إن استطعت فالأمر مشترك تمامًا بين الناس "إن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا".
يذهب الناصح ويبقى الأثر، فسلوك الفتاة كان كالريحانة وكنا كالورود الصناعية التي لا تعطي.