انظر على هامش الحياة نظرة خاطفة ..
مجرد لفتة منك بسيطة ولكنها تحمل معاني لن تستطيع إيجادها خلال مسيرتك في الحياة بأكملها , وبتلك النظرة " الجوهرية " ستجد ما لم يخطر ببالك أن تراه يوماً ! , ما تغافلت عن وجوده حتى ! , ما حسبته إنقرض وتلاشى كيانه من هذه الحياة الزائلة الفانية ولكنك أخطأت في الحُسبان هذه المرة , وقد تكون المرة الأولى التي تضع تصوراً ليس له أي أساس من الصحة , وعارياً منها تماماً , تتساءل الآن : يا تُرا ما هو الذي أتحدث عنه ؟ , ما الشئ الذي قد إتخذ من هامش الحياة مُستقراً له ؟ , وكان هذا الموضع بالنسبة إليه أفخم من أفخم قصور الحياة اُكرر " الزائلة " , قد إتخذه بنفس راضية تنتفض بالإطمئنان , ثائرة براحة البال , من هذا الشخص الذي أتحدث عنه ؟ ..
بنظرتك ستجده , وستتعرف عليه وتغوص في ملامحه البسيطة الغير مُتكلفة , هو لا يختلف عنك في أي شيء , على الإطلاق , لديه من العيون أجملها مثلك , يميناً ويساراً مثلك أيضاً , فلا تعتقد أنه قد تميز عنك بعينً ثالثة ! , ولكن الإختلاف الوحيد بين عيناه وعيناك , أنها لا تنظر للأسفل أبداً , دوماً مرفوعة , وأنت مُجبر أنت تنظر أسفل خطواتك , لأنك تسير في طريق الحياة وأي إختلال نظر منك لهذا الطريق ستقع في أقسى عقباته , أما هو فلا طريق يسيره , هو فقط على الهامش يُراقب , خطوات البشر وزلاتهم , مرفوع الرأس لم يعرف للذل طريق .. لسان , كمثل لسانك , نفس التكوين ولنفس الهدف , ولكنه لا ينطق إلا " للحمد " وفقط , فقد تنازل عن ثرثرة الحياة بفوز الآخرة , أما نحن , فقد ننطق بما ليس له قيمة ونجعل له قيمة من تفوهنا به ! , هيئته شبيهه بهيئتك , ساتراً لتلك النعمة التي من بها الله عليه , جسده الذي لا يملك سواه , هو رأس ماله الحقيقي , ولكن الإختلاف الوحيد بين هيئته وهيئتك هي " البساطة " , من كان في مثل موضعه من الحياة , كيف تتصور أن يرتدي من الثياب أثمنها ومن الجواهر أندرها ؟! , هو على الهامش سيدي الفاضل , فلا أحد ينظر إليه من الأساس , ولا أحد من المسؤلين يلتفت لهذا الموضع ليروا هل يحتاج إلى تصليحات أم لا ؟! , هو خارج نطاق الرؤية بالنسة لنا نحن البشر , فكيف لك أن تتخيل أنه يحتاج ليظهر بكامل أناقته وهندامه ؟! ..
أتعلم ..
هو لا يسُره أن يلتفت لنا أيضاً ! , نعم ولمَ لا ؟ , فقط تخلى عنه الجميع وتركوه وحيداً بعيداً منفياً عن تلك الحياة , فقد إعتبره الكل أنه لا يستحق ان يخوض معهم تلك التجربة بهيئته المُزرية وملامحه المُتهالكة وبساطته الغريبة , وحكموا عليه بإعدامه والغريب أنه لايزال على قيد نفس الحياة التي قد حُرم منها بغير إرادته ! , اشفقت عليه الآن ؟ , لا تشفق , فهو يبغض هذا الشعور الرخيص الذي يوجه حيال أمره , هو أرقى منه ولا يحتمل أن يراه في وجوه البشر لحظة واحدة , لا يعتبر نفسه فقيراً , فقر الإنسان الحقيقي يكمن في نفسه , فقر رحمته وإنسانيته , فقر المادة ليس بفقر , فقر المادة مجرد إختبار , يختبر به الإنسان نفسه ليرى مدى صبره وإحتماله , ليقيس درجات ثباته , هل سيتبدل لشخص لا يعرفه أم سيبقى كما كان ؟ , وغنى المادة هي إختبار أيضاً , ولكنها إختبار أعنف من فقرها , فقد تسحقك وأنت لا تدري , أدركت الآن أن الفقر فقر نفوس وليس فلوس ؟ , فلا ترواده أي لحظة شفقة حياله , ولا حتى تتخيل ذلك مجرد التخيل , هو غني بعزة نفسه وللأسف نحن الفقراء الأصليين ..
نظرت إليه الآن ..
جالساً هادئاً على هامش تلك الحياة , لا يُعيرك أي إهتمام ولا يلتفت للبشرية من الأساس , سارحاً مُتأملاً في ملكوت الله فقط , يُحرك لسانه بالحمد ويحلم بجنة ربه , أوتدري ما هي نظرته الحقيقية لتلك الحياة ؟ , إنه يراها سلبت منه الكثير ولكنه لا يدري لماذا ؟! , كأنها " تخلص حق " أحدهم فيه , كأنها تنتقم منه لأمراً هو يجهله , كأنها تُحاسبه على ذنب لم يقترفه , كأنها تُعاقبه ! , يراها هكذا ولكن حتى حقه في الرد مسلوب , وحقه في الدفاع عن حقه منهوب ! , فلم يجد أي خيار سوى أن ينسحب منها ويتخذ من هامشها مسكناً له , ومأوى يلجأ إليه للأبد , هناك بسمته ستسطع من جديد , وقلبه سينبض بقوة أكبر , وباله سيستقر ويهدأ كما كان يتمنى , وجد في ذلك الموضع راحته , ولكنه قد قذف في قلوبنا نحن النيران والبؤس , كأنه إقتنص راحته من سكينتنا , والسبب أننا نظرنا إليه , ياليتنا لم ننظر إليه واستكملنا المسير في صمت , وتركناه يحيا كما يشاء وكما يحلو له , ولكن إن لم نلتفت له فلن نستطيع أن نوقظ ضمائرنا من غفوتها , إذاً فهذه الإلتفاتة هي الحل ..
بهيئته , ببساطته , بلامبالاته , بهدوء قلبه وباله , برضاه وحمده الدائم إستطاع إحياء ضمائرنا ورحمتنا , وهو .. لا يدري ولا يعلم سوى أنه بهذه المكانة التي يحتمي بها أميراً , قد إستطاع تغيير مسار حياتنا من مجرد نظرة خاطفة له , وهو لا يعلم اننا قد نظرنا له حتى ! , يقينه الوحيد حيال هذه الحياة أنها تتعامل معه بمبدأ " تخليص حق " , مِن مَن ؟ , ولمَ ؟ , وإلى متى ؟ , لا يفكر في هذه الإجابات ..
فهل من أحد يمنحه حقه في الحياة من جديد ؟ أم ستتغاضى عن أمره وتعاود مسيرك مرة أخرى ؟
التعليقات
مقال رائع احييكِ على هذا الطرح الجميل لقد تناولتي فيه موضوع قلّما يتحدث عنه الكتاب في كتاباتهم، أتمنى أن يمنحهم الغير الاهتمام والاعتراف بهم ، حالنا نحن البشرية نجسد منذ بداية ظهورنا أن البقاء للأقوى وليس للأصلح ، أتمنى أن يسمع العالم صوت مقالك ويعمل به ..
تحياتي.