ظلت سهرة يوم السبت موضوع حديث اهل القرية اياما عديدة... لا يلتئم مجلس رجال ولا حلقة نساء الا ويدور الحديث عما فعلته فائزة...
من صبيحة يوم الأحد، كان كبار الحي متحلقين كعادتهم امام دكان الباهي يراقبون القادم والغادي... وكان التوهامي ابن الباهي داخل مخزن الدكان يرتّب أكياس الدقيق والسكر التي أنزلتها شاحنة المزوّد وصورة فائزة وهي تهزّ خصرها فيرتعش ردفاها لا تغادر مخيّلته. كان حديث الرجال المتحلّقين في الخارج عمّا فعلته فائزة يثير غيرته وحنقه عليهم. فلم يكن يرى من داع إلى الإغراق في وصف جسد البنت واهتزازاته إذا كان غرضهم إدانة جسارتها وقلّة حيائها. كانت نبرتهم وعباراتهم تفضح نهما جنسيا إلى جسد فائزة يحاولون إخفاءه دون جدوى. وحده الحاح الطيب اكتفى بالقول أنّ رقص النساء حرام في المطلق فما بالك أن يفعلن ذلك في حضرة الرجال.
ظلّ التوهامي داخل مخزن الدكّان يهتزّ غضبا وغيضا، إذ لم يكن يتحمّل أن يستبيح هؤلاء الوحوش جسد حبيبته على ذلك النحو. آه لو يغيب والدي فقط لبعض دقائق.. كنت سأخرج إليهم وأطردهم صائحا فيهم: "كلام الحاج الطيّب معقول، ولكن ما فائدة التفصيل في وصف جسد المسكينة وهي ترقص؟ ليس عناصر الفرقة الموسيقية من كانوا يلتهمونها بنظراتهم وإنّما أنتم يا عصابة الشيب والعيب..."
ولكنّ صوتا صرخ في أعماقه حوّل غضبه ناحية فائزة نفسها: "لا، لا فائزة ليست مسكينة... ما كان يليق بها أن تحرّك عجيزتها بذلك الشكل الذي يحرّك الرجال..."
ومن موقعه داخل المقصورة المعتّمة، فتح هاتفه الجوّال ليعيد مشاهدة الفيديو الذي سجّله لها وهي ترقص للمرّة الألف... آه، منك أيّتها الفاتنة اللعوب... هزّي هزّي خصرك هكذا حتى ترتفع التنورة قليلا فتكشف عن ساقيك الملولبتين وركبتيك المكتنزتين... دقّي الأرض بكعبك أكثر حتى يهتزّ ردفاك ورعّشي كتفيك حتى ينتفض نهداك... ما يشفع لك عندي أيّتها الفاجرة أنّك ترقصين مغمضة العينين لا تنظرين باتجاه أحد... أمّا ذلك الكلب الهادي الذي يبدو في عمق الصورة وهو يصوّرك بهاتفه فسأتكفّل به..." وسرعان ما أوقف الفيديو وقد فار الدّم في جسده مزيجا من الإثارة والثورة...
حتّى أنت يا أبي، حتّى أنت دخلت على الخط ونزلت في البنت نهشا وخدشا!؟
يفتح الفيديو ثانية، ويتهجّاه ببطء... يراها كيف تقفز داخل الحلقة وهي في شبه غيبوبة. كان والداها وشقيقها قد سبقوها إلى الحلقة ملوّحين بأكفّهم المفتوحة أخماسا أخماسا في عيون الحسّاد والجن، مردّدين "يا حوّات، يا حوّات"... تملّكتها رعشة قبل أن تقفز داخل الحلبة، رآها قبل ذلك كمن يتأهّب للقفز كي يتخطّى جبّا عميقا، تهمّ وتتراجع وكانت خالتها تمسكها من معصمها كي تكبح جماحها... ولكنّها فاجأت الجميع ونطّت داخل الحلبة. كان جسدها قد تمرّد عن عقلها، ففقدت السيطرة عليه. لكزها أخوها بمرفقه وقد هاله ما رأى، لكنّ والده نهاه عن ذلك وأومأ له أن يدعها وحالها... تعالت الزغاريد وأطلق البارود وضجّ الحاضرون وانسحب الراقصون كي يخلوا لها الحلبة... وأفرغت فائزة ليلتها مخزون سنين عمرها العشرين، كانت كأنّها ترقص بالوكالة عن كلّ بنات الدوّار.
لم ينتبه أحد إلى مغادرة شقيقها للحلبة. ولكن لم يغب عن التوهامي كيف لحق به ابن عمّه بوجمعة خطيب فائزة في حالة من الغضب... كان واضحا أنّه لم يلتحق به ليعيده إلى مكان الحفل. أوقف التوهامي الفيديو وتمتم: "آه يا فائزة، ها قد فقدت زوجك ليلة زواج أخيك" ولكنّه سرعان ما تدارك في سرّه: "ها قد صرت لي يا فائزة... ولكن هل كان يجب أن تلحّي في رعشة الخصر واهتزازات النهدين على ذلك النحو الفاجر؟؟ لن يرضى أبي بأن يخطبك لي، وقد سمع عنك من الرجال ما سمع."
كان كلّ ما يهمّ التوهامي لحظتها هو كيف يفتكّ من الهادي هاتفه ليفسخ منه ما سجّله قبل أن ينشره على الفايسبوك...
ضمّ التوهامي هاتفه الجوّال بحنو إلى صدره، ثمّ تمتم منهارا: "عندما أصل إلى فيديو الهادي، عندها فقط ستكونين لي وحدي يا فائزة، زوجة وحبيبة في هاتفي... لكنّ التوهامي ولد الطيّب وما أدراك لن يتزوّج راقصة أبدا" قالها وغادر الحانوت يبحث عن الهادي في عزم...