ينتهي العالم هنا داخل مساحة زرقاء ضيقة ،يطوف بين أرواح الأبرياء ويولد من جديد داخل أعينهم المتشبثة بالأرض..المنهالة بالدعوات والمقتلعة للإيمان من ريح البحار العطشى، منفصلين عن غيوم الخريف المتباطئة،القاتمة والزرقاء..ينتظرون هناك زهو الربيع كمن ينتظر البعث من العدم أو ظلا يقدم نفسه إلى النور طوعا ..الحق يقال هذه اللوحة..هذا العالم الصغير مظلم وكئيب كمحيط ممتلئ بالمراكب المهجورة والسفن المكسورة ... هذه الأرواح المتروكة وحيدة كسماء بلا فجر...ينعدم الضوء كلما غصت أكثر داخل أرواحهم...يكبر الموت أكثر كلما اقتربت من نظراتهم..تنعدم البهجة وتولد الحياة بروح ميتة..
.ثلاثة أرواح زرقاء تقف داخل هذا العالم منهكة ومحطمة الجسد على مرأى الجميع..الجميع يرى نتوء عظامهم البارزة،أكتافهم المتصلبة المطالبة بلحظة خلق ثانية...الأكتاف تستعد الى التحليق لكن لا ريش يغطيها..الاحلام تتساقط كالخريف من أفواههم..الأقدام حافية تقبل التراب لكن لا موت يأتيهم ويخفف عذابهم المتواصل...ببطون جائعة، اتكأت جميعها على الجدار منتظرة..لكن الأرواح الزرقاء تنتظر طويلا..تنتظر أبدا..تنتظر سرمدا..الأرواح الزرقاء لا تحلق إلى الله بل تبقى هنا أسيرة الخيال،بين قضبان الحلم تائهة بين الحقيقة والموت او في لوحة بيكاسو..تنتهي أرواحهم بعيدا..تترجم نظراتهم كثيرا ويرسم إحراجهم في لوحة..
بعيدا تسبح افكار العابرين..كلها تنتهي في نقطة واحدة..اللون الأزرق.. في حين تسبح ثلاثة أرواح تائهة هناك..
لا أحد يستطيع لمسهم..لا أحد منهم يخرج..لا أحد ينظر في عيني احد..لا شعلة أو وميضا يخفف من حدة الأزرق..لا موت يأتي وينهي معاناتهم..الأزرق هنا أبدي وسيدوم في هذه اللوحة
تتسائل إحدى الأرواح الصغيرة التي لفظتها يد بيكاسو هنا"كيف يكون العالم خارج هذه اللوحة "
دافئ! يردّ أحدهم بصوت باهت ومقتضب سريعا ما يمحوه الزمن....
تماما كأرواحههم الزرقاء تبحر روحي نحو كل ما يمكنها أن تغرق داخله..